أفكار وآراء

الانتخابات التشريعية الفرنسية.. تحالفات وتساؤلات

07 يونيو 2017
07 يونيو 2017

عبد العزيز محمود -

مع اقتراب موعد إجراء جولتها الأولى في ١١ يونيو الجاري، تكتسب الانتخابات التشريعية الفرنسية أهمية خاصة كونها ستحدد شكل الخريطة السياسية للجمعية الوطنية والأغلبية التي ستشكل الحكومة القادمة، كما ستحدد قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تنفيذ برنامجه الليبرالي الاجتماعي الذي يحمل شعار التحرير والحماية. 

وتأتي الانتخابات التشريعية التي تجرى على مرحلتين بعد شهر من انتخابات رئاسية من جولتين أسفرت عن فوز إيمانويل ماكرون مرشح حركة الجمهورية -إن مارش بمنصب الرئيس بعد فوزه على منافسته مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية.

ويسعى الرئيس ماكرون لتأمين فوز الحركة السياسية التي أسسها في إبريل ٢٠١٦، بأغلبية المقاعد (٢٨٩ مقعدا) في الجمعية الوطنية، حتى لا يواجه ما تعرض له الرئيسان فرانسوا ميتران (١٩٨١-١٩٩٥) وجاك شيراك (١٩٩٥-٢٠٠٢)، حين فقدا الأغلبية البرلمانية خلال ولايتهما، وتركز نفوذهما في مجال الشؤون الخارجية.

ويرى ماكرون أنه قادر في الانتخابات التشريعية علي حسم الأغلبية، كما نجح في حسم انتخابات الرئاسة، من خلال التركيز على النزاهة، وإعطاء أمل في المستقبل، وعقد تحالفات مع مجموعات من يمين ويسار الوسط ، لكن معارضيه يشككون في ذلك، بالنظر إلى حالة الانقسام السياسي التي تعيشها فرنسا.

وطبقا لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، والتي أجريت في ٢٣ إبريل الماضي، فقد حصل ماكرون مرشح حركة إن مارش (إلى الأمام) التي تمثل الوسط على المركز الأول في ٢٤٠ دائرة، تليه لوبان مرشحة الجبهة الوطنية التي تمثل أقصى اليمين في ٢١٦ دائرة، ثم جان لوك ميلانشون مرشح حركة لا فرانس أنسوميز (فرنسا الأبية) التي تمثل أقصى اليسار في ٦٧ دائرة، بينما لم يتمكن بونوا هامون مرشح الحزب الاشتراكي من تصدر أية دائرة.

وفي الجولة الثانية التي أجريت في ٧ مايو الماضي فاز ماكرون بمنصب الرئيس عقب حصوله على ٦٦.١٪ من الأصوات، مقابل ٣٣.٩٪ حصلت عليها لوبان، وهي مؤشرات جاءت في ظل تحالفات، وتعطي دلالات لما يمكن أن تتمخض عنه الانتخابات التشريعية. وهكذا تبدأ الجولة الأولى للانتخابات التشريعية في فرنسا يوم الأحد المقبل، لانتخاب ٥٧٧ عضوا، يشكلون الجمعية الوطنية الخامسة عشرة، للجمهورية الفرنسية الخامسة، لمدة خمس سنوات مقبلة، في ظل حالة من عدم الوضوح، وانعدام ثقة الناخبين في الأحزاب التقليدية.

ويخوض الانتخابات الحزب الاشتراكي ( يسار الوسط ) والفائز بأغلبية المقاعد في انتخابات ٢٠١٢، بالتحالف مع الحزب الراديكالي اليساري ومجموعات اليسار الصغيرة الأخرى، بينما ينسق الجمهورية - إن مارش مع الحركة الديمقراطية، التي تشاطره نفس النهج الليبرالي الاجتماعي، أما الجمهوريون (ديجولي محافظ) فقد تحالف مع اتحاد الديمقراطيين والمستقلين (يمين الوسط).

ووفقا للقائمة النهائية التي أعلنتها وزارة الداخلية فإن ٧٨٨٢ مرشحا سوف يخوضون الانتخابات، التي تجرى على مرحلتين (١١ و١٧ يونيو الجاري)، بمعدل ١٤ مرشحا لكل دائرة انتخابية، لانتخاب نائب واحد عن كل دائرة، على أن تعقد الجمعية الوطنية الفرنسية الخامسة عشرة أولى جلساتها في ٢٧ يونيو الجاري.

وتجرى الانتخابات في ٥٧٧ دائرة، تشمل ٥٣٩ دائرة في فرنسا الكبرى (الموجودة في القارة الأوروبية، وتشمل جزرها في المحيط الأطلسي والمانش والبحر المتوسط بما فيها جزيرة كورسيكا)، و٢٧ دائرة في مقاطعات وأقاليم ما وراء البحار (وتشمل كل الأراضي التي تديرها فرنسا خارج القارة الأوروبية، بما فيها التي تتمتع بقدر من الحكم الذاتي) و١١ دائرة لمواطنين فرنسيين يعيشون في الخارج (البعثات الدبلوماسية الفرنسية في الأمريكتين وخارجها).

ومنذ عام ٢٠٠٢ يتم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية في نفس العام، تجنبا لحالة (التعايش)، التي تحدث عندما يكون الرئيس من حزب غير الحزب الذي يشكل الأغلبية داخل الجمعية الوطنية، وطبقا للدستور فالرئيس يختار رئيس الوزراء، وهذا بدوره يجب ان يكون مقبولا من الرئيس والأغلبية، وفي ظل ازدواجية السلطة التنفيذية، يتحتم التعايش على كل أطراف العملية السياسية.

ولكي يتم انتخابه من أول جولة، يتحتم على المرشح الفوز بالأغلبية المطلقة من الأصوات التي تم الإدلاء بها (أكثر من نصف الأصوات الصحيحة)، بحيث لا تقل عن 25% من عدد الناخبين المسجلين في الدائرة، مع استبعاد أي مرشح لا يحصل على ١٢.٥٪ من الأصوات في الجولة الأولى.

وتعقد الجولة الثانية بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ويتم إعلان فوز المرشح الحاصل على أعلى الأصوات، فإذا تعادل مرشحان في عدد الأصوات يفوز الأكبر سنا.

وطبقا للقانون لا يجوز أن يتعدى تمويل الحملة الانتخابية للمرشح عن ٣٨ ألف يورو، تودع في حساب مصرفي قبل عام من اجراء الانتخابات، كما أن هناك سقفا ماليا للهبات الشخصية، ويحظر على الشركات الخاصة تقديم مساهمات مالية.

ويقوم أعضاء الجمعية الوطنية بتعديل مشروعات القوانين التي يتقدم بها رئيس الوزراء، والتقدم بمقترحات بقوانين، إلى جانب مراقبة أعمال الحكومة وسحب الثقة منها، ويتمتعون بالحصانة خلال فترة عضويتهم، ولا يجوز توقيفهم أو محاكمتهم إلا في حالة التلبس.

وتخوض حركة الجمهورية إن مارش التي أسسها ماكرون، الانتخابات التشريعية في جميع الدوائر بـ٥٧٧ مرشحا، نصفهم من المجتمع المدني (٢٥٪ منهم شغلوا في السابق مناصب سياسية )، والنصف الآخر من النساء، مع تركيز على معايير النزاهة والولاء والتخلي عن الالتزامات الحزبية السابقة.

وقررت الحركة التحالف مع الحركة الديمقراطية بزعامة فرانسوا بايرو، والتي أعلنت سعيها للفوز بمائة مقعد، ورشحت الجمهورية- إن مارش على قوائمها ٥٦ مرشحا من اليمين واليسار أعلنوا تأييدهم لبرنامج الرئيس ماكرون.

أما الجبهة الوطنية التي تمثل أقصى اليسار فأكدت أنها تستهدف من 80 إلى 100 مقعد في الجمعية الوطنية، مع أنها حصلت على مقعدين في انتخابات٢٠١٢، لكن الظروف هذه المرة تختلف، فقد فازت الجبهة بالمركز الثاني في الانتخابات الرئاسية، وقررت زعيمتها مارين لوبان الترشح في دائرة (با دي كاليه)، برغم خسارتها للانتخابات التشريعية السابقة أمام مرشح للحزب الاشتراكي بفارق مائة صوت.

وكان مقررا أن تخلي الجبهة ٥٠ دائرة لحزب ديبو لا فرانس (انهضي يا فرنسا)، في ظل تحالف مرتقب بينهما، لكن المفاوضات لم تسفر عن اتفاق، مما دفع ديبو لافرانس لخوض الانتخابات في كل الدوائر، وقررت الجبهة الدفع بمرشح منافس لنيكولا ديبون إنيان زعيم ديبو لا فرانس في دائرة (لي سون الثامنة).

من ناحية أخرى يخوض الحزب الاشتراكي الانتخابات التشريعية في ٤٠٠ دائرة، تحت شعار عقد واضح لفرنسا، في محاولة للفوز مع الأحزاب المتحالفة معه بالأغلبية في الجمعية الوطنية، كما حدث في انتخابات ٢٠١٢، وهو ما دفعه لإخلاء ١٧٧ دائرة لحلفائه من أوروبا إيكولوجي والحزب الراديكالي اليساري، واتحاد الديمقراطيين وأنصار البيئة، كما أعلن جاهزيته للتنسيق مع حركة لا فرانس انسوميز، في الدوائر التي فازت فيها الجبهة الوطنية بأكثر من 60% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية.

وتخوض لا فرانس انسوميز (وهي حركة أسسها جان لوك ميلانشون الرئيس السابق للحزب اليساري والمرشح الرئاسي في انتخابات ٢٠١٢ و٢٠١٧) الانتخابات التشريعية في كل الدوائر، وذلك بدون تنسيق مع الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي كان مؤيدا لزعيمها ميلانشون في الانتخابات الرئاسية.

ومن جانبه يخوض حزب الجمهوريين الانتخابات بالتحالف مع اتحاد الديمقراطيين والمستقلين، الذي أخلى له ٩٦ دائرة، وأعلن فرانسوا باروان رئيس حملة الجمهوريين أن الحزب يستهدف الفوز بـ ١٥٠ مقعدا، وتشكيل الأغلبية مع حلفائه في الجمعية الوطنية، والتأهل لرئاسة الحكومة القادمة.

يذكر أن الجمهوريين تعرضوا لانتكاسة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عقب اتهامات وجهت لمرشحه فرانسوا فيون السياسي اليميني ورئيس الوزراء السابق (٢٠٠٧-٢٠١٢)، بإساءة استخدام المال العام، مما أدى لخسارته في الجولة الأولى، وهو ما قد يؤثر على حملة الحزب في الانتخابات التشريعية.

وتخوض المعركة الانتخابية قوى أخرى من بينها الحزب الشيوعي الفرنسي (٤٨٤ مرشحا)، وحزب لوت أوفريير -النضال العمالي ( ٥٥٣ مرشحا)، وحركة ١٠٠٪ التي تضم ٢٨ تحالفا (٥٧٧ مرشحا) وحزب الاتحاد الجمهوري الشعبوي (٥٧٤ مرشحا) وأليانس رويال -التحالف الملكي (٢٠ مرشحا)، وانسحب حزب أنتيكابيتاليست الجديد لعجزه عن تدبير التمويل اللازم. وكانت الانتخابات التشريعية التي أجريت في فرنسا عام ٢٠١٢ قد أسفرت عن فوز الحزب الاشتراكي بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية بواقع ٢٨٠ مقعدا بينما فاز حلفائه اليسار الراديكالي ومجموعات اليسار الأخرى بـ ٣٤ مقعدا ليبلغ مجموع مقاعد اليسار ٣١٤ مقعدا.

وفي المقابل فاز حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (والذي تغير اسمه إلى الجمهوريين في مايو ٢٠١٥) بـ ١٩٤ مقعدا، والوسط الجديد وباقي الأحزاب الوسطية بـ ١٤ مقعدا، ومختلف أحزاب اليمين والراديكاليين على ٢١ مقعدا، ليصل مجموع مقاعد اليمين إلى ٢٢٩ مقعدا، بينما فاز حزب الحركة الديمقراطية على مقعدين، وأقصى اليمين على ثلاثة مقاعد، منها اثنان للجبهة الوطنية.

ووسط توقعات بانتخابات ساخنة يظل السؤال الأهم: هل تنجح حركة الجمهورية إن مارش التي أسسها الرئيس ماكرون في الفوز بالأغلبية، أم أن فرنسا مقبلة على خمس سنوات من ازدواجية السلطة التنفيذية؟