روضة الصائم

تفسير الصحابة - مدارسهم المتعددة نشـــرت الـدين

07 يونيو 2017
07 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي/ عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

التفسير في عصر الصحابة رضي الله عنهم لا يختلف كثيرا عن ما كان عليه حاله في زمن النبي ، وذلك نظرا لقربهم من عهد النبوة ووجود شيوخ الصحابة وعلمائهم، فقد كانوا في حملهم لمعاني الكتاب المجيد لا يتكلفون في التفسير، ولا يتعمقون فيه تعمقا مذموما بل يكتفون بالمعنى العام، ولا يلتزمون بالتفصيل في المعاني والإسهاب في بيان ما يرد في النص، ومع ذلك كانوا أعلم الناس بتفسير القرآن العظيم وفهم معانيه، ويكفي في ذلك أنهم شاهدوا التنزيل وعاصروه، وأدركوا أسباب النزول وعرفوها.. وقد كانت عنايتهم رضي الله عنهم بالقرآن الكريم واهتمامهم بدراسته وتفسيره واضحة جلية لا تخفى.

ومن الجدير بالذكر أن ثمّة أمورا جعلت الصحابة أقدر من غيرهم على فهم معاني القرآن الكريم، أهمها: قوة فهمهم، وسعة إدراكهم ومعرفتهم بأوضاع اللغة وأسرارها، وأحوال الناس وعاداتهم، مما جعلهم يستوعبون ما في القرآن من المعاني والأحكام والحكم، ولذلك ما احتاجوا إلى طلب تفسيرها والسؤال عنها، إلا ما غمض عليهم.. وإذا أدركنا أنهم إنما أعانهم على فهم معاني القرآن توقد أذهانهم، وصفاء سرائرهم، وطهارة وجدانهم، وعمق فهمهم، مع ما يتصفون به من ملكة البيان التي تعينهم على الفهم، فإن هذا يجعلنا نقرر بصورة أكيدة أنهم كانوا أعلم الناس بمعاني القرآن الكريم.

وعلى رغم من ذلك إلا أنهم أنفسهم متفاوتون في فهم القرآن، تبعاً لتفاوتهم في المواهب والقدرات والإطلاع على اللغة وأدبها واللهجات وأحوالها، ومعرفة أسباب النزول وغيرها.. فكان أكثر الصحابة اشتغالاً بالتفسير وممارسة له أربعة وهم: عبدالله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب.

وبتوسع الدولة الإسلامية واتساع رقعتها على إثر الفتوحات الإسلامية، وانتشار الصحابة في أصقاع الأرض لنشر التعاليم الشرعية ومبادئ الدين، ظهرت على أيديهم مدارس علمية تعنى بنشر المادة العلمية لطلابها، حيث قام على رأس كل مدرسة أحد أولئك الأعلام ليعلي لواء العلم الشرعي، حيثما استقر به المقام.. وكان للتفسير وعلوم القرآن في هذا العصر مدارس متعددة ظهرت، منها ما كان في الحجاز، ومنها ما كان في العراق، ومنها ما كان في الشام، واليمن، ومصر، وغيرها من بلاد الله تعالى، يمثل هذه المدارس أساتذتها البارزون وطلبتها المتميزون.

ففي الحجاز: ما يعبر عنه بمدرسة الحجاز وهما مدرستا (مكة والمدينة)، يوجد هذا التعبير في المؤلفات التي عنيت بدراستها. فمدرسة مكة المكرمة أستاذها: عبدالله بن عباس ترجمان القرآن، ومن أخذ عنه العلم من طلبته فكانت أولها: المدرسة المكية مدرسة ترجمان القرآن ابن عباس، الذي صرف جلّ همه وغاية وسعه إلى علم التفسير، وربى أصحابه على ذلك، فنبغ منهم أئمة كان لهم قصب السبق بين تلاميذ المدارس في علم التفسير، فاعتبر تلامذته في مقدمة المفسرين من التابعين، واشتهر منهم: جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وطاووس، وعطاء.

وكانت المدرسة المكية من أكثر المدارس تأثيرا في مفسري التابعين ومدارسهم، لإمامة ابن عباس وسبقه في علم التفسير، وما صاحب ذلك من حرص أصحابه على نشر علمه في بقية البلدان. أما الثانية: مدرسة المدينة، وأستاذها: أبي بن كعب، وقيل: زيد بن ثابت، ومن تلامذتها: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم.

ومدرستا العراق: فأولاهما مدرسة البصرة، صاحبها أبو موسى الأشعري، وتعدّ المدرسة البصرية ثاني المدارس التفسيرية بعد المكية أثرا في علم التفسير، ومن أهم تلامذتها: الحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة.

وأما الثانية فمدرسة الكوفة، وأستاذها عبدالله بن مسعود، وهي ثالث المدارس رتبة في العناية والاهتمام بعلم التفسير. وأشهر تلامذتها: علقمة، ومسروق، والأسود، وعبيدة، وأبو ميسرة بن شرحبيل، والحارث بن قيس.

ومن نص أقتبسه من جواهر التفسير قال سماحة الشيخ الخليلي: «وتلي مدرسة ابن عباس مدرسة ابن مسعود رضي الله عنه لذلك كان أصحابه كعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي والشعبي في المرتبة الثانية، ويلي هؤلاء أهل المدينة أصحاب زيد بن أسلم».

وفي الشام كانت مدرسة الشام، وأستاذها: أبو الدرداء.

والمدرسة المصرية في مصر، وكان على رأسها عبدالله بن عمرو بن العاص. ومدرسة اليمن في اليمن، وأستاذاها: معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري.

ولكل من هذه المدارس من يمثلها من طلبة أخذوا العلم عن الصحابة فكانوا لهم تابعين، ومبلغين لعلوم الدين لمن جاء بعدهم من المسلمين.

ولعلنا نلحظ قوة الترابط بين ما كان من مدارس الصحابة في ذلكم العهد الأول، حيث كان الترابط بين هذه المدارس يبلغ أشده ومنتهاه، ولعل مرجع تلك القوة في الترابط بين هذه المدارس يعود إلى كون أساتذتها كلهم هم أصحاب النبي الذ ين أخذوا عنه المعاني وتفاعلوا مع النصوص، بالإضافة إلى أن كل واحد منهم يأخذ عن الآخر ما غاب عنه أو ما لم يصل إليه، كما كان من أستاذ مدرسة مكة ابن عباس الذي أخذ عن أبي بن كعب، وأيضاً ما نقل عن ابن عباس أنه كان ينتقل إلى الحجاز وإلى البصرة وغيرها ويأخذ ويعطي مما عنده من معاني العلم.