1030259
1030259
روضة الصائم

مسجد مقزَّح بإزكي.. أربعة قرون تشهد على إبداع النقاش ابن مشمل مستفيدا من تجارب آبائه

07 يونيو 2017
07 يونيو 2017

18 صحنا خزفيا تضفي على المحراب ألوانا جذابة وتأخذ شكل أنوار الزينة -

محمد بن سليمان الحضرمي -

وسط لفيف من خمائل النخيل، وأشجار السوقم واللمبج المعمرة، يقع مسجد أثري جميل، داخل قرية مقزَّح بولاية إزكي، وهي قرية معروفة بشهرة اسمها، بسبب المثل الرائج بين الناس، وهو: (سيما أخت مقزَّح) .. وسيما ومقزح قريتان متجاورتان جهة الشرق من ولاية إزكي، ولذلك حين ذهبت لزيارة هذا المسجد في مطلع التسعينات تذكرت المثل، ورحت أفتش عن أخوِّتهما التي تجمعهما معا بآصرة من أواصر النسب، وكيف أن قائل المثل في قديم الزمان ربط بينهما بنسب جغرافي ظل سائرا إلى اليوم، في تلك السنوات التي زرت فيها هذه المسجد لم يكن مرمما بعد، كان على حاله كما كان منذ قديم الزمان، وشيخوخة العمر بدأت تأثِّر على تجعد بشرته وقشرة جدرانه، وكان المحراب من ضمن الأشياء التي كانت هرمة ومترهلة، حتى رمم المسجد بعد ذلك، وعادت له نضارته، وسال ماء الشباب في قشرته، وتحول المسجد إلى تحفة معمارية أنيقة، أبهرني بحسن ترميمه حين زرته من جديد قبل أيام.

ويمكن للزائر أن يصل إلى هذا القرية الجميلة، بمتابعة اللوائح والإشارات في الشارع المزدوج الرئيسي، الذي يربط بين إزكي وسمائل، الأسهم تشير إلى جهة الشرق، والطريق المسفلت يقود إلى مفازة من الجبال، تدعوك لتتأمل تكويناتها الصخرية الأنيقة، حتى الوصول إلى قرية مقزح، لفت انتباهي بعض نمو الأشجار المعمرة فيها، تطاول النخيل في ارتفاعها، وجذوعها سميكة تدل على أنها غرست قبل عقود من السنين وربما أكثر.

ووسط روضة ناعمة من النخيل والأشجار المعمرة، بُنِيَ مسجد مقزَّح قبل أربعة قرون، يبدأ بصرح خارجي جهتي الشرق والجنوب، به محراب صغير يوازي في مكانه المحراب الداخلي، مداخل المسجد عليها أعتاب خشبية كبيرة، حيث لم يتم المساس بهذه العتبات المعلقة، أما الصحن الداخلي ففيه ساريتين دائريتين، يمثلان أمام المحراب مباشرة، ويرى بعض الباحثين لمثل هذا التصميم، أن المحراب تم صنعه بعد بناء المسجد.

المحراب تحفة فنية بديعة، وهو من المحاريب الجميلة التي تمتاز توشيتها بالصحون الخزفية، عددها 18 صحنا، بين كبير وصغير، تتوزع على حافتي المحراب، وفي صدره الأوسط، وبين جانبي قلب المحراب، ومثلما يختلف حجمها باختلاف مواقعها من المحراب، تختلف ألوانها كذلك، فقد استرعى انتباهي تعدد الألوان فيها، من بينها الأزرق والعشبي، كما تختلف النقوش التي بداخل الصحون، بعضها يشبه الطيور، وبعضها تأخذ أشكال النجوم.

ويمتاز المحراب بجمال النقوش الكتابية والهندسية، حيث أبدع النقاش علي بن طالب بن مشمل صانع هذا الحراب، الذي انتهى منه عام 1029هـ/‏‏ 1619م، ولم يغفل الصانع أن يذكر اسم القائم على المحراب بالمساعدة وهو: خلف بن راشد بن سالم الريامي.

الأشكال الهندسية في النقوش تدل على الحس والذوق الفني الذي بلغته مدرسة التنقيش، فهذا المحراب من المحاريب التي صنعت في مطلع القرن الحادي عشر الهجري، وقبله قائمة من المحاريب المنقشة في كثير من المساجد، وبلا شك فإن الفنان على بن طالب بن مشمل قد هضم تجربة أبيه وجده السابقة، لذلك نجده لم يفوت في هذا المحراب من أن يملأه بتشكيلات وآيات قرآنية، مع تزيينها بالصحون الخزفية، لتكتمل التحفة النحتية لديه، وتظهر الصحون في المحراب أشبه بأنوار الزينة المضيئة.

لم أعثر في عمودي المسجد على كتابة بخط اليد، كما في بعض مساجد نزوى وبهلا، ولا أتذكر أن رأيت بها كتابة قبل الترميم، لربما لم يكن المسجد مدرسة لتعليم القرآن كما كانت بعض المساجد، ولربما كان التعليم في هذه القرية قائما حينها تحت ظلال الأشجار المعمرة.

من جانب آخر لم يغفل مهندسو المسجد من إلحاقه بمغاسل بنيت في ساقية الفلج التي تمر بمحاذاته، واللافت كذلك أن المسجد تم بناؤه خارج أسوار الحارة الأثرية، المحاذية للمسجد من جهة الجنوب، وهي حارة جميلة بها بيوت بعضها من دورين، ويظهر اهتمام الناس فيها بفن الزخرفة على أخشاب الأبواب.