العرب والعالم

الرقة من عاصمة للعباسيين إلى معقل لداعش

06 يونيو 2017
06 يونيو 2017

بيروت - (أ ف ب) - الرقة، التي دخلتها قوات سوريا الديموقراطية أمس، مدينة عمرها آلاف السنين. وقد تحولت في العام 2014 إلى أبرز معاقل تنظيم داعش في سوريا.

العاصمة السابقة للعباسيين

بلغت مدينة الرقة أوج ازدهارها في عهد الخلافة العباسية. في العام 722، أمر الخليفة المنصور ببناء مدينة الرافقة على مقربة من مدينة الرقة. واندمجت المدينتان في وقت لاحق. بين 796 الى 809، استخدم الخليفة هارون الرشيد الرقة عاصمة ثانية الى جانب بغداد، لوقوعها على مفترق طرق بين بيزنطية ودمشق وبلاد ما بين النهرين. وبنى فيها قصورا ومساجد. وفي عام 1258، دمر المغول مدينتي الرافقة والرقة على غرار ما فعلوا ببغداد.

مدينة استراتيجية على الفرات

تتمتع مدينة الرقة بموقع استراتيجي في وادي الفرات عند مفترق طرق مهم.

وهي قريبة من الحدود مع تركيا وتقع على بعد 160 كيلومترا شرق حلب وعلى بعد أقل من مائتي كلم من الحدود العراقية.

وأسهم بناء سد الفرات على مستوى مدينة الطبقة الواقعة الى الغرب منها في ازدهار مدينة الرقة التي لعبت دورا مهما في الاقتصاد السوري بفضل النشاط الزراعي.

أول مدينة كبيرة تسقط بأيدي المعارضة

في الرابع من مارس 2013 وبعد عامين من بدء حركة الاحتجاجات ضد الحكومة السورية، تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على مدينة الرقة لتكون أول مركز محافظة في سوريا يخرج عن سلطة الحكومة.

واعتقل مقاتلو المعارضة المحافظ وسيطروا على مقر المخابرات العسكرية في المدينة، كما تم تدمير تمثال في المدينة للرئيس السابق حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي.

الرقة معقل تنظيم (داعش)

لكن معارك عنيفة اندلعت بين تنظيم داعش ومقاتلي المعارضة وبينهم جبهة النصرة (وقتها) في بداية شهر يناير 2014 وانتهت بسيطرة التنظيم على كامل مدينة الرقة في الرابع عشر من الشهر ذاته.

في يونيو 2014، أعلن التنظيم إقامة «الخلافة» انطلاقا من مساحة واسعة من الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.

في 24 أغسطس من السنة نفسها، بات التنظيم يسيطر بشكل كامل على محافظة الرقة بعد انتزاع مطار الطبقة من القوات النظامية.

وفرض التنظيم المتطرف قوانينه على الرقة، مستخدما كل أساليب الترهيب.

في يونيو 2015، خسر التنظيم الدولة بعض البلدات عند أطراف المحافظة، أبرزها تل أبيض وعين عيسى التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

إعدامات وخطف

لجأ تنظيم (داعش) الى الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس وعمليات الاغتصاب والسبي والخطف والتطهير العرقي والرجم وغيرها من الممارسات الوحشية في الرقة، ففرض سيطرته ونشر الرعب بين الناس. وحرص التنظيم على استخدام كل التقنيات الحديثة لتصوير فظاعاته على أشرطة فيديو نشرها على الإنترنت.

قواعد صارمة

خلال نحو ثلاث سنوات من حكم (داعش)، عانى سكان الرقة من قواعد صارمة واعتداءات وحشية منعتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، فبات التعليم خلف الأبواب الموصدة وعلاقات الحب سرية وبعيدة عن أعين المتطرفين.

وقع سامي (24 عاما) وريما (22 عاما) ضحية أحكام تنظيم داعش المتشددة وبات عليهما الاكتفاء بالرسائل المكتوبة أو تبادل النظرات سريعا من بعيد.

بات التواصل مع السكان مهمة صعبة في منطقة محظورة على الصحفيين. وتمكنت وكالة فرانس برس من التواصل مع مواطنين فضلوا استخدام أسماء مستعارة عبر حملة «الرقة تذبح بصمت» التي تنشط سرا في المدينة منذ أبريل 2014 وتوثق انتهاكات وممارسات التنظيم. ويتذكر سامي كيف بدأت معاناته مع ريما التي تعرف عليها وأحبّها في العام 2011.

ويقول: «كنا نلتقي ونتحدث في الشارع ونجلس سويا» في مكان عام، لكن كل شيء تغير «وبتنا نخاف من دوريات داعش وجبهة النصرة قبلها».

قنبلة موقوتة

منذ بدء سيطرة داعش على مدينة الرقة، يعيش سكانها في خوف دائم من أحكام التنظيم المتشددة. ويغذي هؤلاء الشعور بالرعب في مناطق سيطرتهم من خلال الإعدامات الوحشية والعقوبات من قطع الأطراف والجلد وغيرها التي يطبقونها على كل من يخالف أحكامهم أو يعارضها.

وفرض التنظيم قواعد صارمة، اذ يمنع الرجال من ارتداء سراويل قصيرة ويفرض على النساء تغطية وجوههنّ بالبراقع.

كما ألغى الدراسة بالمنهج الحكومي، فمنع تعليم مواد الفيزياء والكيمياء واقتصرت مدارسه على تدريس الشريعة، وتركز حصص الحساب على الرصاص والقنابل والسلاح.

ويوضح أحد الأساتذة السابقون في الرقة، رافضا الكشف عن اسمه، «بات درس الرياضيات عبارة عن عمليات حسابية لتعداد البنادق والمسدسات والقنابل والسيارات المفخخة».

ويروي: «هناك مادة يطلق عليها العقيدة تشرح العمليات الانتحارية وطرقها ونتائجها من رضا الله والحوريات في الجنة».

ويرفض كثيرون من أهالي الرقة إرسال أبنائهم الى مدارس التنظيم لحمايتهم من الأفكار المتطرفة والوعود بالجهاد. من هنا بدأ «التعليم بالسر» في المنازل وخلف الأبواب المغلقة. ويقول الأستاذ إن التنظيم استبدل المدارس بأخرى «يتم فيها تدريس مناهج تحول الطفل الى متطرف وتعزز التكفير والقتال والسلاح في ذهنه، وتجعل منه قنبلة موقوتة».

ويضيف: «من هنا بدأت فكرة الدروس الخصوصية في المنازل بشكل سري»، مشيرا إلى أن التنظيم فرض على الأساتذة تلقي دورة شرعية.

في الدروس السرية، تقوم كل عائلة بالتواصل مع معلمين تثق بهم من أقاربهم أو أصدقائهم لتجنب الشبهات. ويزور الأستاذ التلميذ في منزله ليدرسه الرياضيات والعلوم الطبيعية واللغة العربية والانجليزية ومواد المنهج السوري الأساسي. ويوضح الأستاذ «نحاول تجنب تدريس اكثر من طالب في الوقت ذاته، فمن الصعب جمع عدد من الطلاب في مكان واحد خشية أن يصل الخبر إلى داعش».

ويتابع: «المدرسون الذين يقومون بهذا العمل يعيشون في حالة من الخوف، لكن عليهم واجب تجاه المجتمع وحق الأطفال في أن يتلقوا تعليما خاليا من العنف».

واتفق حليم مع احد أقاربه على تدريس طفليه البالغين من العمر سبع وتسع سنوات. ويقول «من المرعب بالنسبة لنا أن يصبح أطفالنا دواعش بالفكر، ويتحدثون بالتكفير والسبايا والحوريات»، معتبرا أن «هذا أمر يدمر جيلا بأكمله». ويقول حليم: «لا نعلم من سيسيطر على مدينتنا لكن خلاصنا من داعش هو أول اهتماماتنا».

الهجوم لاستعادة الرقة

تشكل مدينة الرقة منذ الخامس من نوفمبر هدفا لعملية عسكرية واسعة لقوات سوريا الديموقراطية، تحالف فصائل عربية وكردية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

ويبلغ عدد سكان المدينة حوالى 300 ألف بينهم حوالى 80 ألفا من النازحين خصوصا من منطقة حلب، بالإضافة إلى آلاف المتطرفين مع عائلاتهم. وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية خلال الأشهر الماضية من إحراز تقدم نحو المدينة وقطعت طرق الإمداد الرئيسية للمتطرفين من الجهات الشمالية والغربية والشرقية. وهي موجودة حاليا على بعد ثمانية كيلومترات من الجهة الشمالية الشرقية في اقرب نقطة لها من المدينة.

في 10 مايو 2017، سيطرت قوات سوريا الديموقراطية على مدينة الطبقة وسدها على بعد 50 كلم غرب الرقة.

وفي 6 يونيو دخلت قوات سوريا الديموقراطية المدينة من الجهة الشرقية.