المنوعات

من برقا إلى تطوان.. الحكاية تستمر

06 يونيو 2017
06 يونيو 2017

في جديده « تطوان وحكايا أخرى» الصادر مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، يواصل الدكتور سميح مسعود تطوافه في أصقاع الأرض للملمة جذور الشجرة الوارفة التي قصفتها ظروف الاحتلال والتشرد، لكنها بقيت( الجذور) متشبثة في أعماق الأرض. هي الجذور إذا ما دفعت صاحب «حيفا برقا.. البحث عن الجذور» لشدّ رحاله إلى أقصى المغرب العربي، رغم أنه في رحلة البحث تلك يكتشف أشياء كثيرة، منها حكايته مع تطوان، التي أفرد لها هذا الكتاب من باب الوفاء للمدينة.

الدكتور سميح مسعود الذي عودنا على تسجيل ملاحظاته ومشاهداته بدقة متناهية، يجعلك تعيش أجواء رحلاته، وتسافر معه، وتعجب بالأماكن التي يزورها ويصفها، وبالناس الذين يقابلهم، فأنت تحبهم كما أحبهم، وتصادقهم لأنك عرفت الجوانب المشرقة فيهم. ربما تكون الصدفة هي ما قادته إلى المغرب، لكن البحث عن الجذور لا يتوقف عند الدكتور سميح، هو يعترف أن زيارته إلى المغرب جاءت بناء على دعوة شخصية من صديق فلسطيني هو سعيد خالد الحسن، إلا أنه عاد من زيارته تلك بحصيلة كبيرة، جمعها في كتاب، ليكون إضافة نوعية في أدب الرحلات.

يقول الكاتب عن قصة رحلته إلى المغرب «في شتاء هذا العام (2017) منحتُ نفسـي شـيئاً من التغيير بشد الرحال إلى المغرب، الذي زُرته عدة مرات في سنوات خلت، أطلْتُ التجوال في أرجائه بأجواء مشحونة بالإثارة، خصبت ذاكرتي بأجمل الذكريات، تجولت على مدى أيام طوال في مُدن كثيرة شكَّلت الطبيعة فيها لوحات تشكيلية جميلة بتكوينات لونية مميزة، تبعث الأمل والإلهام في النفس.»

إذاً، الكاتب لا يفوِّت الفرصة ليبرز أجمل ما في الأماكن التي يزورها، وأبهى صورة للناس الذين يقابلهم، فهو يصف رفيق رحلة مغربي «أمضـيتُ بقية الرحلة في ثرثرة متواصلة مع جاري علال، تحدث بعاطفة جيَّاشة عن مدينته، وصف لي جمال طبيعتها وسحر بحرها، وروعة تراكيبها العمرانية، وتبيَّن لي من أحاديثه المتناغمة بأنه طليق اللسان يرويها بأسلوب طريف، في سـياق منظومة معرفية يذكر فيها أحداثاً ونوادر ذات صلة، تجعل حكاياه بكثير من البساطة متشابكة وشـائقة.

ثم قال بنشوة اعتزاز: «الدار البيضاء مدينة مُفعمة بالجَمال والأُلفة معاً، تتمطى في فضاء واسع على ساحل المحيط الأطلسـي، تتقافز حولها أمواجه صباح مساء، تُغوي السـياحَ بجمالها، كما أغوت هوليود في أربعينيات القرن الماضـي فأنتجت فيلماً يحمل اسم «كازابلانكا» صُوِّر فيها أثناء الحرب العالمية الثانية».

وعن رفيق رحلته يقول: قلتُ له: «أسعدني اللقاء بك وأعِدُك أن نلتقي ثانية في نادي الجاز في الربيع القادم».

أجابني بجدية: «كيف تُودعني الآن؟ إنك ضـيفي، ستحل معي في بيت أهلي».

قلت شاكراً: «أشكرك على دعوتك، إنني أعرف كرم أهل المغرب وحُسن ضـيافتهم، وقد تمتعت بكرمهم من قبل، ولكنني سبق أن حجزت غرفة عبرالإنترنت في «فندق جولدن تيوليب فرح الدار البيضاء»، ويُسعدني التعرف على أسـرتك في الأيام القادمة».

يمكن وصف الدكتور سميح مسعود بأنه كاتب أدب رحلات بامتياز، فهو يهتم بالتفاصيل ويقدمها للقارئ، كاشفا عن عمق المعرفة، في المواضيع التي يتحدث عنها، بل وإنه يتكئ على معرفته الواسعة لاستيعاب المكان الذي يزوره وأهله. ففي حوار عن موسيقى الجاز التي كان يسمعها في الطائرة، يجيب على سؤال جاره عن سبب حبه لموسيقى الجاز، الجواب الذي يتضمن معرفة بتاريخ هذا الفن، وموقفا سياسيا من مسألة اضطهاد البشر.

«لأنها ترتبط باضطهاد الزنوج أيام العبودية؛ إذ كان الأمريكان ينظرون إليهم على أنهم كالحيوانات يعملون في مزارع القطن صباح مساء. وكان الزنوج أثناء سَمرهم يُرددون إيقاعات وألحاناً إفريقية صاخبة جلبها أجدادهم معهم من غرب إفريقيا، وتوارثوها جيلاً بعد جيل، وبعد تحررهم طوَّروها بامتزاج الألحان الإفريقية بالموسـيقى الأوروبية، واستخدموها كأسلوب للتحريض والاحتجاج في فترة الستينيات من القرن الماضـي ضد حرب أمريكا في فيتنام».

الحوارات التي تؤكد على امتلاك الكاتب الحس الأدبي الروائي، فيمكن القول إن الكاتب أديب بلا منازع. وهو، حسب رأي الباحث والكاتب الدكتور أيوب أبو دية، كاتب يتميز بذاكرة قوية جداً، وموهبة في الكتابة واضحة معالمها.

أما الشاعر الدكتور بسام أبو غزالة، صديق الكاتب، ومترجم كتب «حيفا برقا.. البحث عن الجذور» إلى الإنجليزية، فيسرد علاقته مع الكتاب، فيقول :«بعد ثلاثيّته التي برعَ فيها بالبحث عن الجذور في الداخل الفلسطيني والشتات، ها هو د.سميح مسعود يزور المغرب في كتابه الجديد، يوجّه خطامَ مطيتِه إلى مدنٍ كثيرة في مقدمتها تطوان، ويخصُّها بعنوان كتابه، تكريماً لطلبةٍ منها تلقّوا معارفَهم في مدرستِي؛ مدرسة النجاح الوطنية، بمدينتِي نابلس، قبل أن أولَد، في عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته. وقد تمكّن المؤلف من خلال زيارته أن يقدّم لنا رواية ممتعة تتسم بالحيوية والتوهُّج، يتشابك بها الماضي والحاضر معاً يداً بيد، تعرّفْتُ من خلالها، أن تطوان ونابلس مدينتان متآخيتان، وتأكَّدَ لي وجوب زيارة تطوان وإنْ طال الزمن. وحتى تحين الزيارة سأبقى أنشد:

بلادُ العُرْبِ أوطاني منَ الشامِ لبغدانِ

ومنْ نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطْوانِ!

أما الشاعر والمترجم الدكتور نزار سرطاوي فيقول عن الكاتب إنه في عمله الجديد:» تمكَّنَ بطريقةٍ ممتعة من ربطِ بعض جوانب عتباته النَّصّية بثلاثيّته الرائعة «البحث عن الجذور»؛ فزيارتُه للمغرب لم تكن مجرّدَ رحلة سياحية إلى بلدٍ عربي، بل انطوتْ على عمليةِ بحثٍ عميقٍ عن تشابُكات الجذور الفلسطينية والمغربية، أَولى فيها د.سميح اهتماماً كبيراً بمقابلة أشخاص تعرَّف إليهم وعبّروا له عن حبِّهم لفلسطين وأهلِها. إنه كتابٌ ممتعٌ يستحوذ على الاهتمام.