ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :لا تستنكروا عليهم أوبتهم

06 يونيو 2017
06 يونيو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

منذ مطلع الشهر الكريم، وكثير من الناس ليس همهم سوى مراقبة المصلين، وعدد الصفوف، وكثرة أو قلة الأفواج المتجهة إلى المساجد، بما في ذلك الهمز واللمز على فلان من الناس، لأنه موجود في المسجد خلال هذه الأيام، أو مراقبة سلوكيات آخر كتطويل شعر الذقن أو غيرها من المظاهر التي يحرص المراقبون على تسجيلها ضد هذا أو ذاك، وهناك إتقان غير عادي لهذا التقصي، ومما تأسفت عليه أكثر أن يسخر البعض من كتاباته اليومية، أو حتى نصوص تضمها كتب، أيضا تذهب هذا الاتجاه؛ «مع سبق الإصرار والترصد» كما يقال، وعندما تستوقفك معاناة هؤلاء الناس، وتأتي لتخضعها على طاولة التحليل، لن تخرج بنتيجة مقنعة، سوى «حِشرية» زائدة، أو فضول زائد يمارسه الإنسان على أخيه الإنسان، ليس لهدف معالجة ظاهرة اجتماعية، ولا الوقوف على مجموعة أخطاء؛ أو لتصحيح الخطأ، أو تعديل سلوك، أبدا، وإنما اجترار قضايا هي أقرب إلى بث روح الفرقة، وإلى زيادة الأحقاد، وإلى غلظة المعاملة، وإلى وجود جلسة أكثر خصوبة في تناول أعراض الناس، وأخلاقهم، لأن الطرف المتحمس لهذه المسألة خالي الوفاض، ليس عنده ما يضيفه للآخر إضافة معرفية، أو خلقية، أو إضافة سلوكية راشدة، وعلى ما يبدو أن الإنسان فطر على هذه النقيصة التي يبحث تكملتها عند الآخرين، وهذه مشكلة كبيرة متأصلة في بني الإنسان.

يبقى من الصعوبة بمكان الدخول أو المساس بالعلاقة التي تربط الإنسان بخالقه -عز وجل-، فهي علاقة شديدة التعقيد، وشديدة الحساسية، وعلاقة محفوفة بالمخاطر، وبالتالي فمن يحشر نفسه بين الطرفين، فهو هنا يجازف ويخاطر بمستقبله في هذه العلاقة، والتي لا يعلم مستوى صدقها من عدمه سوى الله -عز وجل- الخالق العارف بحقيقة صدق عبده، وإخلاصه وأمانته والتي يوظفها في هذه المناجاة المستمرة طوال اليوم ذاهبا بها، متوسلا، خاضعا، قانتا، ساجدا، عابدا وفق كل الصور، متضرعا في كل ذلك إلى ربه، حيث لا معبود سواه، والسؤال ما دامت صورة هذه العلاقة بهذا التعقيد، فما الذي يدعو فلان من الناس لأن يحشر نفسه فيها بين الطرفين؟ وهل هناك إنسان عاقل يجزم بتزكية نفسه، والله تعالي يقول: (فلا تزكوا أنفسكم؛ هو أعلم بمن اتقى) حتى يذهب في الحكم إلى تزكية فلان لأنه مواظب على وجوده في المسجد، وإعفاء آخر من هذه التزكية، لأنه لا تربطه بالمسجد إلا العلاقة الرمضانية؟ إنها صورة في منتهى الخطورة، وتكرارها واستمرارها لا ينبئ أبدا على أن المجتمع يعيش مرحلة «مخاض» ينقى من خلالها ليصل مراحل الوعي المتقدمة، وهي المرحلة التي تجل الفرد وتضع له حريته الخاصة في الممارسات التعبدية على وجه الخصوص دون أن يكون مراقبا من أي أحد، وإنما يمارس طقوسه الدينية بأريحية خالصة، وصافية، وأمينة.

اتركوا الناس يعودون إلى خالقهم كيفما شاؤوا، ومتى أرادوا، لا تربطونهم بمناسبات محددة، ولا تستكثروا عليهم عودتهم، ورجعتهم، وأوبتهم إلى الله، لا تحملوا أنفسكم فيما لا طاقة لكم به، «فمن راقب الناس مات هما»، فهؤلاء جميعهم أحرار في علاقتهم مع الله، هزتهم المناسبة، أو انتفضت قلوبهم وأفئدتهم في هذه المناسبة أو تلك، اشتعلت نفوسهم أنوارا خفية، ارتبكت ضمائرهم، قلقت نفوسهم، توهجت مشاعرهم، لهم كل ذلك، ولهم أكثر، وما أجمل النص الكريم من لدن الخالق عز وجل: (إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء)، دعوهم يأتون إلى المساجد، دون مراقبة، يؤدون صلواتهم دون مراقبة، ينفقون من أموالهم دون مراقبة، يحجون دون مراقبة، ينامون، يصحون، دون مراقبة، ما لكم من ولاية عليهم، إنهم أحرار تحت هذه السماوات الممتدة، لا يحد سقف حريتهم إلا ارتفاع السماوات السبع، وأقبلوا إلى الله بنفوس راضية خالية من الآخر.