روضة الصائم

تفسير الصحابة - غزارة علم ولطافة فهم وبعد نظر

06 يونيو 2017
06 يونيو 2017

د. سعيد بن سليمان الوائلي/ عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشريعة -

إن للصحابة الكرام رضي الله عنهم موقفا من التفسير لا يمكن أن ينسى أبدا، وقد سُـطر نصه ومعناه على صفحات الدهر وكتب التاريخ والعلوم، ولو تأملنا ذلك لطال بنا المقام دون إدراك حقيقته إلا لماما.

ومما يعبر عن هذا نص أنقله عن سماحة شيخنا الخليلي في جواهر تفسيره، حيث يقول: «وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى الخير، لذلك كانوا سابقين في دراسة القرآن وتفهم معانيه والعمل بما فيه وقد روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا يتعلمون من القرآن عشر آيات لا يغادرونهن إلى غيرهن إلا بعد أن يتقنوا ما فيها من العلم والعمل»، وقد أعانهم على فهم معاني القرآن توقد أذهانهم، وصفاء سرائرهم، وطهارة وجدانهم، وعمق فهمهم، مع ما يتصفون به من ملكة البيان التي تعينهم على الفهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم يرجعون إليه فيما أشكل عليهم من ألفاظ الكتاب فيفصل لهم المجملات التي يقتضي الحال تفصيلها، ويضع بين أيديهم القواعد التي تمكنهم من فهم سائر القرآن بالرجوع إليها، فلذلك كان أصحابه رضي الله عنهم أعلم الناس بمعاني القرآن وبمجمله ومفصله وناسخه ومنسوخه ومطلقه ومقيده وخاصه وعامة». وهذا النص من سماحة الشيخ الخليلي يصور لنا جزءا مهماً من ارتباط الصحابة بفهم النص القرآني وتمكنهم من ذلك أكثر من غيرهم.

ومن مظاهر اهتمام صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عن الصحابة الكرام بتفسير القرآن الكريم، والتي يتجلى فيه أبعاد حضارية لها تعلق خاص بمجال التفسير، ما لو تابعناه لشدنا بقوة إلى إدراك غزارة علمهم ولطافة فهمهم وبعد نظرهم..

من ذلك مدارستهم القرآن الكريم في المسجد، فقد كانوا يتدارسون القرآن الكريم مع بعضهم، حيث كانوا يظلّون في المسجد في صورة حلقات علمية يتناولون فنون العلم بالذكر والمدارسة، وكان فيهم من يتذاكرون القرآن الكريم، بدليل ما جاء في الحديث عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ذات يوم إلى المسجد فوجد أصحابه عزين يتذاكرون فنون العلم، فأول حلقة وقف عليها وجدهم يقرأون القرآن فجلس إليهم فقال: «بهذا أرسلني ربي»، ثم قام إلى الثانية فوجدهم يتكلمون في الحلال والحرام فجلس إليهم ولم يقل شيئا، ثم قام إلى الثالثة فوجدهم يذكرون توحيد الله عز وجل ونفي الأشباه والأمثال عنه فجلس إليهم كثيرا ثم قال: «بهذا أمرني ربي».

ومما هو معلوم من سيرتهم أنهم لا يتجاوزون في الحفظ عشر آيات من كتاب الله إلى عشر أخر إلا بعد فهمها وتطبيقها والعمل بما فيها، فقد جاء في الأثر أن رسول الله كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل فيتعلمون القرآن والعمل بما فيه، ولفظ الحديث:عن عطاء بن السائب قال أخبرني أبو عبد الرحمن قال حدثني الذين كانوا يقرئوننا عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

وكان من حالهم أن توقفوا في ألفاظ لم يعرفوا معناها فلم يقولوا فيها شيئا، فعن أبي بكر الصديق أنه سئل عن قوله: «وَفَاكِهَةً وَأَبّاً» (عبس 31) فقال: أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. وعن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: «وفاكهة وأبا» فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو الكلف يا عمر. ومن طريق مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما (فاطر السموات)، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها. يقول أنا ابتدأتها. وعن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله: «وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا »(مريم 19: 13) فقال: سألت عنها ابن عباس فلم يجب فيها شيئا. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: لا والله ما أدري ما (حنانا). وعن عكرمة أيضا عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا أربعا: غسلين وحنانا وأواه والرقيم. وعن قتادة قال: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ»(الأعراف 7: 89)، حتى سمعت قول بنت ذي يزن: تعال أفاتحك. تقول: تعال أخاصمك.