روضة الصائم

قيم أخلاقية

06 يونيو 2017
06 يونيو 2017

د. محمد راتب النابلسي -

إن لم يغفر له فمتى؟ فرصة ذهبية سنوية تعقد فيها الصلح مع الله وتتوب إليه وترجع إليه وتقبل عليه ليفتح لك ربك كما وعدك صفحة جديدة فقد قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» أخرجه أحمد في مسنده والبخاري ومسلم والأربعة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وفي رواية: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه » ولكن أيها الإخوة هناك عبادات شعائرية واضحة جدًا منها الصلاة والصوم والحج وهناك عبادات مالية كالزكاة، وهناك عبادات تعاملية ومن أوضح ما في العبادات التعاملية أنها مجموعة قيم أخلاقية فحينما سأل النجاشي سيدنا جعفر رضي الله عنه عن الإسلام قال: «يا أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأتي الفواحش ونأكل الميتة ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رجلًا نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه».. كأن هذه الكلمات أركان الأخلاق، إن حدثك فهو صادق، وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف. حتى بعث الله فينا رجلًا نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه فدعانا إلى الله لنعبده ونخلع ما كان يعبد آباءنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.

إذًا الإسلام في حقيقته مجموعة قيم أخلاقية، الإسلام في حقيقته انضباط، الإسلام في حقيقته إيقاع الشهوة وفق منهج الله، لذلك الشهوة أودعها الله فينا وما أودعها فينا إلا لنرقى بها مرتين مرة صابرين ومرة شاكرين، تمر بك امرأة حسناء فتغض بصرك عنها، ترقى إلى الله صابرا، يرزقك الله زوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها ترقى إلى الله شاكرًا، تتعفف عن مال حرام ترقى إلى الله صابرًا، يرزقك الله مالًا حلالًا طيبًا ترقى إلى الله شاكرًا، فهذه الشهوات ما أودعها الله في الإنسان إلا ليرقى بها مرتين، مرة صابرًا، ومرة شاكرًا إلى رب الأرض والسماوات، لذلك حينما قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

إذًا العبادات في الإسلام عبادات تعاملية كأن تكون صادقًا وأمينًا مستقيمًا وعفيفًا وتنجز الوعد وتلبي حاجة الإنسان، هذه القيم الأخلاقية التي هي مجموعة فيما يسمى بالعبادات التعاملية وأما العبادات الشعائرية فهي كالصلاة والحج والصيام ونحن مقبلون على شهر الصيام، ولكن أيها الإخوة دققوا فيما سأقول، لا يمكن أن تقطف ثمار العبادات الشعائرية ما لم تصح عباداتك التعاملية، طالبني بالدليل لو الدليل لقال من شاء ما شاء الصلاة عبادة شعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية، كيف؟.. «عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاما مَنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضا فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثُوْبانُ: يَا رَسُولَ اللهِ ! صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتَكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ أنْتَهَكُوهَا».. أخرجه ابن ماجه في سننه.

إذا لا قيمة لصلاتهم وهم ينتهكون حرمات الله، لا يمكن أن أقول لمصل عاص إياك أن تصلي مستحيل وألف ألف مستحيل ولكن أقول له ضم إلى صلاتك الاستقامة والعمل الصالح، إذا الصلاة عبادة شعائرية لا يمكن أن تقطف ثمارها إلا إذا صحت عباداتك التعاملية، لذلك قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).