أفكار وآراء

الإسلام في أمريكا: المفقود في خطاب ترامب

05 يونيو 2017
05 يونيو 2017

ديفيد ميزلين -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

لقد اكتشف الرئيس ترامب، مثله في ذلك مثل أسلافه رؤساء الولايات المتحدة، اللغة المفحمة للتسامح الديني والتفاهم بين الأديان حين يتحدثون عن الإسلام كما وضح في خطابه بالمملكة السعودية أمام قادة حوالى 50 بلدا مسلما. ولكن بعكس الرؤساء السابقين، لم يربط تلك اللغة بالإقرار بأهمية المجتمع المسلم الكبير والنشط في الولايات المتحدة.

وبصفتي مؤرخا درس الجهود التي بذلت في الماضي لتأسيس القبول بالتعددية الدينية في الولايات المتحدة، أشعر بالقلق من ابتعاد ترامب عن السوابق التاريخية.

السؤال هو هل يمكن أن يكون بث رسالة متسامحة تجاه الإسلام في الخارج مقنعا دون تقديم دعم معنوي مناظر للأمريكيين المسلمين في الداخل؟ في تعليقاته المتوقعة على نطاق واسع عن الإسلام والإرهاب، تجنب ترامب العديد من العثرات التي كان يخشاها منتقدوه.

فمن اللافت أنه هجر اللغة القاسية التي اتسمت بها أوصافه للإسلام في أثناء حملته الانتخابية عام 2016.

لقد تخلى ترامب عن إصراره على استخدام عبارة «الإرهاب الإسلامي الأصولي» وامتنع أيضا عن التعميمات الواسعة عن الإسلام التي وسمت مطلبه «بوقف كامل وتام» لهجرة المسلمين لأن كراهيتهم «لا يمكن فهمها» وباستثناء إشارة واحدة ظاهرة لما أسماه «الإرهاب الإسلامي» حين تحدث خارج النص (بكلمات غير مدرجة في خطابه المكتوب) كانت نغمة ترامب متسامحة وتعددية.

ففي إعلانه بأنه «ليس هنا لإلقاء محاضرة» وعد بأن الولايات المتحدة لن تقول للآخرين «كيف يعبدون». وماهو أكثر لفتا للانتباه من لغة التسامح تأكيد ترامب على المشترك الديني (القواسم المشتركة بين الأديان)، فقد أعلن أن الحملة ضد الإرهاب ليست «معركة تدور رحاها بين مختلف العقائد» ولكنها معركة تضمها جميعها.

ونوه إلى أن الإرهابي الذي يبرر أفعاله «باسم الله زورا وبهتانا» يجب أن يعتبر (فعله) إساءة لكل صاحب إيمان». لقد استخدم ترامب اللغة التي تتحدث عن القواسم الإنسانية المشتركة وعن إله الجميع في وصفه القوي (ولكن المرعب) لضحايا الإرهاب حين قال «عندما ننظر إلى أنهار الدم البريء الذي غمر هذه الأرض الضاربة في القدم فنحن ليس بوسعنا أن نرى عقيدة أو طائفة أو قبيلة أو ضحايا. نحن نرى فقط عيال (خلق) الله الذين يشكل موتهم إهانة لكل ما هو مقدس». لقد سار ترامب في درب مطروق جيدا بإعلاء التسامح وتأكيده على القواسم المشتركة مع المسلمين. ففي عام 1980 وإبان أزمة الرهائن الإيرانية، ذكر الرئيس جيمي كارتر «القيم الإنسانية والأخلاقية» العديدة التي يتشاطرها الأمريكيون مع الإسلام ومن بينها «إيمان عميق بالإله الواحد المتعال» والاحترام المشترك «للأسرة والوطن». وبعد 21 عاما لاحقا، أكد الرئيس جورج دبليو بوش في خطابه أمام الكونجرس عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على روح التسامح. فقد خاطب بوش «المسلمين حول العالم» بقوله «نحن نحترم عقيدتكم». وعن الإسلام، أضاف أن «تعاليمه فاضلة وسلمية». وبالمثل، أكد الرئيس باراك أوباما في خطاب ألقاه بجامعة القاهرة بعد فترة قصيرة من توليه الحكم أن الإسلام «لديه تقاليد تسامح تدعو إلى الفخر». كما أشار أيضا إلى القواسم المشتركة بين الأديان.

فمبدأ «نحن نعامل الآخرين كما نحب أن يعاملونا» قيمة «تتجاوز البلدان والشعوب» ولا تقتصر على «المسيحي أو المسلم أو اليهودي»، لكن ثمة شيء واحد كان غيابه مثيرا في حديث ترامب.

فقد افتقر ذلك الحديث في السعودية لأي اعتراف بأهمية الكتلة السكانية المسلمة الكبيرة في الولايات المتحدة أو مناقشة مساهمتها في المجتمع الأمريكي. وأرى أن هذا الغياب يوحي بوجود حد مهم لم يتعداه تطور آراء ترامب عن الإسلام. ففي الخطاب لم يكد ترامب يأتي على ذكر الولايات المتحدة فيما عدا اجتراره لقائمة موجزة بالهجمات الإرهابية على التراب الأمريكي بما في ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر وسان برناردينو وأورلاندو. أما الملايين من المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ويشكلون جزءا لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي فلم يرد لهم ذكر. وحول هذه النقطة الحاسمة فإن التباين لافت بين ترامب وأسلافه من الرؤساء السابقين.

لقد ذكر كارتر في عام 1980 أن التنوع السكاني في الولايات المتحدة «يضم مجتمعا إسلاميا نشطا»، وبعد الحادي عشر من سبتمبر ذكَّر بوش الشعب الأمريكي بأن عقيدة الإسلام يعتنقها بكل حرية «عدة ملايين من الأمريكيين» وفي عام 2009 أكد أوباما بقوة على أن «الإسلام جزء من أمريكا»، ووصف أوباما تجربته الشخصية «في مجتمع شيكاغو حيث وجد العديدون الكرامة والطمأنينة في عقيدتهم الإسلامية»، وعاد أوباما إلى التاريخ كذلك.

فالإسلام لم يكن فقط جزءا من الحاضر الأمريكي ولكن أيضا من ماضيه. فقد ذكر أوباما أن «المسلمين الأمريكيين أثروا الولايات المتحدة» منذ نشأتها. أما ترامب، فأعتقد أن الإسلام يظل بالنسبة له شيئا أجنبيا وينتمي لما وصفه «بالعالم الإسلامي» وليس دينا مندمجا في المجتمع الأمريكي. ولم يخطر ببال كتبة خطاب ترامب، كما يبدو، وجوب تضمين مناقشته للإسلام ذكر للمسلمين الأمريكيين.

وحتى يكف ترامب عن طرح الإسلام كشيء لا علاقة له بالمجتمع الأمريكي فإن خطابات مثل هذه لن تفعل شيئا ذا بال في تغيير التصورات (الإدراكات) المتشكلة عنه.فالرئيس يبدو متسامحا في الخارج على نحو يدعو للإعجاب. ولكنه لم يفعل شيئا للإقرار بأهمية المسلمين في الولايات المتحدة.

* الكاتب أستاذ مساعد في برنامج الموروث الثقافي بجامعة تيمبل.