روضة الصائم

الشباب ورمضان .. بين الواقع والتحديات (1)

05 يونيو 2017
05 يونيو 2017

التربية الحسنة أساس التكوين والأخلاق هي أساس الرقي -

على المسؤولين الالتفات إلى مطالب الشباب ونداءاتهم واحتوائها الاحتواء الحسن -

أجرى الحوار: فوزي بن يونس بن حديد -

الشباب ورمضان موضوع نتحدث فيه عن هموم الشباب وعلاقتهم بشهر الصيام، شهر العبادة والقرآن، شهر النفحات والبركات، وما يواجهونه من صعوبات في حياتهم اليومية، وممارساتهم العادية وأدائهم الواجبات، وكيف يقضون أوقاتهم ويقسمونها في شهر رمضان، حيث تختلف التوجّهات من شاب إلى آخر، وكيف ينظر الشباب إلى بعض السلوكيات التي تظهر كالتدخين والمعاكسات؟ وهل تتنافى مع حرمة هذا الشهر؟، وكيف يستقي الشباب أفكارهم من وسائل الاتصال الإلكتروني؟ ولماذا يتأثرون بالأفكار المتطرفة، الداعشية والعقلانية وغيرها من أساليب الفكر الحديثة؟

كل ذلك تجدونه في هذا الحوار الشائق مع فضيلة الشيخ الشاب ناصر بن يوسف العزري مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ومدير دائرة الفتوى بالوزارة.

■ لا شك أن الشباب في كل دولة عماد الأمة وركيزتها الأساسية، لديهم من الطاقات المختلفة ما يجعلهم مؤهلين لقيادة بلادهم نحو بر الأمان ما هي في نظركم المقومات الأساسية التي ينبغي أن يربّى عليها الشباب؟

- التربية تنطلق منذ الصغر، ومنذ نعومة الأظفار، منذ أن يبدأ في الحياة بل إن التربية تكون أثناء تكوّن الجنين، بداية من التسمية إذ يحرص والداه على تسميته تسمية حسنة كما حث على ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإذا تحدثنا عن هذا الجانب نجد أن بعض أهل العلم يرى أن التربية تبدأ منذ خروج هذا المولود إلى الحياة الدنيا ولهذا فقد ذكر بعض أهل العلم أثناء مذاكرتهم أن هناك من الولد من لا ينام إلا بعد أن يلتقم ثدي أمه فقال له أحد العلماء فاتك قطار التربية فقال له الرجل لماذا؟ فقال لأنك علمته أنه لا ينام إلا بالتقام ثدي أمه فلو علمته بخلاف ذلك لما بكى، فالتربية فعلا تبدأ منذ نعومة الأظفار وينشأ عليها لذلك تجد في تلقين الصبيان ما يسمى بسياسة ولي الأمر مع هذا الصبي أو هذا الولد، بحيث ينشئه بسياسة حسنة فيزرع فيه الأخلاق بداية، فالخلق شيء أساسي في تكوين الطفل إذ إن الأخلاق العظيمة هي أساس التربية التي ينبغي أن تزرع في نفس الطفل، والقدوة الحسنة هي أساس كل شيء، لأنها هي التي يستورد منها الطفل العلاقة التي تكون بين الأبوين.

وكيف تفســـــــر تمرد الشباب على الأوضاع القائمة أحيانا مطالبين الدولة بتحسين الأوضاع الاجتماعية؟

- الفكر يستقى، والشاب الصالح يستقي فكره من القدوة الحسنة، والأبوان هما أول من يقتدي بهما لأنه يعيش داخل أسرة، فيربيانه التربية الحسنة ويعلمانه الأخلاق ثم العلم الصحيح ثم يعلمانه أن المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع متعاون ومجتمع متكاتف وإذا تأثر المجتمع بأي مؤثرات خارجية تدعو إلى فصل هذا المجتمع أو الإضرار به سيتأثر المجتمع بكامله بخلاف إذا وجدنا الأبوين يربيان الابن على حمل السلاح وعلى الجهاد منذ نعومة أظافرهم، ولا نتحدث هنا على أن الجهاد غير مشروع لكن ليس بالصورة التي يراها بعض الناس وهي أن كل طرف خارجي هو مخالف له ولو رُبي على هذه التربية فبطبيعة الحال لن يكون سويا، وكذلك الكتاب الذي يقرأه ويرتبط به ويتأثر ما جاء فيه من أفكار من عدم الاستماع إلى الآخر المخالف وعدم الحوار مع الآخر فسيجعل هذا الشاب يبحث عن الطريقة التي تلائمه حسب العلم الذي تعلمه سابقا وقد تكون معالجة المجتمع لهذه الحالة خاطئة، فهذا هو الخلل الذي يوجد عند بعض الناس، فإذا كان أصل القدوة سواء كانا أبوين أو المعلم أو المدرس أو الداعية فلا نجد من يدعو إلى هذه الأشياء التي تفرق الوحدة الإسلامية ولا يتأثر بأي نوع من أنواع المؤثرات الخارجية، لأنه يرى أن الأصل الأصيل الحفاظ على وحدة المجتمع وأن المسلمين يد واحدة ضد أي طرف خارجي أو عدوان خارجي يقبل عليهم.

■ هــــــل هذه المطالب التي ينادي بها الشباب مطالب شرعية؟

- لا أقول أن كل المطالب التي ينادي بها الشباب مطالب شرعية، وقد تكون هناك مطالب شرعية فعلا ومن حق الإنسان أن يستمع إليهم، لكن المعالجات أحيانا قد تكون خاطئة، فمعالجة الحكومة مثلا للاستماع إلى أفرادها هي لا بد أن تستمع في النهاية سواء المطالبة صحيحة أو خاطئة فإذا كانت خاطئة فينبه الشباب إلى مكمن الخطأ ويوجّهوا أما إذا كانت المطالبة صحيحة فيؤخذ بيد الشباب ويؤخذ بتلك الفكرة إلى الطريق الصحيح، أما إذا ترك أو أهمل سينقلب بطبيعة الحال إلى عدوان أشد مما يراه لأنه لم يستمع إليه أحد ولم يلتفت إليه أحد وسينفلت بطبيعة الحال من الحيز الذي هو فيه إلى أمور لا تحمد عقباها لذلك ينبغي على المسؤولين في الدولة التفات إلى مثل هذه النداءات بحيث تُحتوى الاحتواء الحسن، فإما أن يكون النداء الذي ينادون به صحيحا أو أن يكون خاطئا ولكن الدولة لا بد أن تلتفت إليهم في جميع الأحوال أما إذا أهملوا فستكون النتيجة وخيمة.

■ بعضهم أرجع أسباب استياء المرأة الشرقية إلى الكبت المجتمعي الذي تمارس فيه الذكورة سطوتها، حارمة المرأة نفسها من حقوقها، ومكبّلة إياها بجملة من العادات والتقاليد التي تتنافى مع آداب الإسلام في بعضها، هل توافقون هذا الرأي؟

- إذا أتينا إلى الإسلام، فإن الإسلام هو أول من عالج هذا الأمر، فالمرأة في الجاهلية كانت مسلوبة الحقوق، ولم يكن لها أي شيء من الحقوق، ولما جاء الإسلام أعطاها كافة حقوقها، وفي جميع مراحلها بنتا أو أختا وإلى أن تنتقل إلى بيت الزوجية فإذا كانت في بيت أبيها لها حرية التعبير ولها حرية التعلم ولها حرية الميراث بحسب ما أعطاها الشارع الحكيم، فهذه النداءات التي تأتي من هنا وهناك هي في الحقيقة غير صحيحة، ولذلك لما نأتي إلى أساس القرآن الكريم، فيقول الله عز وجل في كتابه العزيز «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض» فهناك فضل طرف على آخر بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من قدرات وبما أعطاه الله من فضل بل حتى النفقة ذكرت في القرآن بأنها فضل.

فعندما ينادون بالمساواة فما المقصود بالمساواة؟ فالرجل مختلف عن المرأة من حيث التكوين، وأما المساواة في الحقوق فهي أعطيت كافة حقوقها بحسب ما نص عليه الشارع الحكيم كما قلنا. أما المساواة التي ينادى بها الآخرون الآن بحيث تكون المرأة كالرجل تماما فهذا غير ممكن إطلاقا، لأن طبيعة المرأة أساسا تختلف عن طبيعة الرجل، وهنا أقصد الطبيعة التكوينية فلا يمكن أن أسند بعض الأعمال الشاقة إلى المرأة التي تحتاج إلى جهد وقد يقف فيها الإنسان أحيانا ساعات عديدة في الشمس الحارقة فلا يمكن أن نعطي المرأة مثل هذه الأعمال، فعندما ينادون بالمساواة فلا بد أن نساوي بينهما حتى في الطبيعة التكوينية وهذا غير ممكن أصلا وليس الذكر كالأنثى في الطبيعة التكوينية أما في الحقوق فهما متساويان في الحقوق كافة.

والولاية بصفة عامة سواء كانت ولاية الأب أو ولاية الأخ أو ولاية العم حسب كل طرف ليست تسلطا وإنما هي يمكن أن نقول عنها بأنها توجيه فالأب مطالب بأن يوجه أولاده التوجيه الصحيح وكذلك البنات عليه أن يوجههن التوجيه الصحيح، فمن حقها أن تتعلم، ومن حقها إذا كبرت أن تتزوج، ومن حقها أن يبحث لها عن الرجل الصالح، ومن حقها أن تعمل أيضا إذا كانت محتاجة ولا يصح أن يمنعها من ذلك ما دامت في مسارها الصحيح وهذه حقوق كفلها لها الإسلام، أما ما يقوم به الناس من أعراف فهي خارجة عن نطاق الشرع فلا يمكن أن يحاكم به الإسلام، هذه عادات وليست لها علاقة بالإسلام لا من قبيل ولا من دبير، هي مخالفة للشرع الحنيف ولذلك ينبغي أن تنبذ، فنحن نجد هناك عادات رسخت في أذهان الناس على أن الولي هو المتحكم وله السلطة الكاملة بحيث يختار لابنته من يشاء ويمنعها عمن يشاء بل قد يكون أيضا يختار لها لباسها الذي تلبسه، فهذا غير صحيح هي لها الحرية الكاملة في لباسها وفي اختيار زوجها لكن لوليها أن يوجهها لو اختارت الاختيار غير الصحيح لتجربته الطويلة في الحياة ليس قسرا ولا إكراها بل يكون ذلك بلطافة فيجلس معها ويحاورها ويناقشها وهذا هو أساس العلاقة التي ينبغي أن تكون.

■ لكن ما الحل؟ الآن المرأة تشتكي وتكتب روايات ومقالات للتعبير عن رأيها وعن سلطة الرجل والعادات والتقاليد التي تحد من حريتها، هي تبحث عن حل!

- هذا غير صحيح فالمرأة أمامها جهات متعددة فيما لو هضم شيء من حقوقها، فالمرأة فسح لها الكثير لتنال ما تشاء فلو وجد في بعض البيوت مثل هذا التسلط فمن حقها أن ترفع شأنها إلى القاضي الشرعي وهو الذي يحكم في أمرها ويواجه هذا المتسلط بكافة حقوقها بحيث يلزمه بتلك الحقوق، فالدولة لا بد أن تقوم بهذا الأمر ولذلك نجد في بعض الأماكن المكاتب المتعلقة بالعلاقات الأسرية فلو حدثت بعض الحوادث في بعض البيوت فمن حق المرأة أن تلجأ إلى مثل هذه المكاتب لتحل قضيتها الأسرية سواء في بيت أبيها أو قد يكون في بيت زوجها فقد تجد أيضا زوجا متسلطا، فالإسلام كفل لها هذه الحقوق ولذلك نجد حتى القوانين راعت هذا الجانب وهي في الأساس مستقاة من الجوانب الشرعية.

■ وإذا استحيت المرأة من هذا الفعل!

-الحياء موجود عند المرأة وموجود عند الرجل وقد يكون حياء المرأة أكثر، ولكن الإسلام كفل لها الحق، وإذا استحيت فإنها تتحمل مسؤوليتها في هذه الحالة وتتحمل كل ما يأتيها ولأنها أرادت هذا الجانب فعليها أن تصبر على ما هي عليه. وإلا فإن الإسلام فتح لها المجال، فإذا هضم شخص حق شخص آخر فلا يقول إني أستحي أن أحاكم هذا الطرف الآخر ولو كان أقرب الناس إليه، أباه أو أخاه، فمن حقه أن يقابله إذا سلب شيئا من حقوقه أما لو استحى فإنه يكون قد استسلم لأمره وهو يكون قد أخطأ ولذلك يتحمل نتيجة خطئه وإلا فالإسلام فهو بريء من هذا الجانب لأنه أعطاه الطريقة السليمة التي يطالب بها بحقه.

نحن الآن في شهر رمضان، والشباب اليوم يعمل في جهات بها نساء فكيف يكون مفهوم غض البصر؟

- هو في رمضان وفي غير رمضان الأمر سيان، وفي رمضان أشدّ، فالقرآن الكريم أدب المرأة كما أدب الرجل بغض البصر، وحفظ الفرج، وهو أدب قد ينظر إليه المرء أنه مختار بين أن يفعله أو يتركه وهذا غير صحيح، بل هو أدب من الواجب أن يأخذ به الإنسان ولذلك لو نظر هذا الرجل على أن هذه المرأة مثل أخته لما وصلنا إلى ما وصلت إليه بعض المجتمعات، بحيث ينسب إلى المرأة مما يستحي منه، والمرأة أيضا لو نظرت أن هذا الرجل أجنبي عنها لا يصح أن تتعامل معه إلا وفق ما نادى الشارع الحكيم، أن تغض من صوتها وأن تلبس اللباس الساتر وتكون عليها الحشمة ولا تظهر شيئا من العورات ولا تتعطر بحيث تجذب أهواء الرجال فلو كانت على هذا المقياس لا أتصور أن الرجل سينجذب إليها، ولذلك ينبغي أن تكون العلاقات وفق هذا فالنظر والكلام المستمر يؤدي إلى عواقب وخيمة، وعلى مستوى التواصل الإلكتروني نجد لو بدأ الكلام بين الطرفين قد يجر إلى عواقب وخيمة وإن كانت رسائل بسيطة قد يكون سلاما أو كلمة فيها دعاء ولكن بعد ذلك سينفتح المجال بين الطرفين وهذا غير سليم.

■ مواقع العمل تفرض على المرأة العمل مع الرجل في مكتب مغلق فهل هذه خلوة؟

- لا يسمى مكتبا مغلقا مادام مفتوحا والناس يدخلون ويخرجون، ولا أتمنى أن يكون الباب مغلقا في الدوائر الحكومية، فالباب يكون مفتوحا ما دام الرجل والمرأة في مكان واحد، لأن الشيطان غير بعيد ولا بد أن يفهم الناس هذه النقطة فهما صحيحا، فالشيطان يدخل في القلوب ويأتي بما يمنّيه لهما وله عواقب وخيمة فلماذا يفتحان هذا الجانب، بل أنا أدعو إلى أن تعطى المرأة خصوصيتها كأن تجلس في مكاتب مخصوصة ويتعامل معها وفق العمل الذي يقتضي التعامل فيه، كأن تستحدث نافذة معينة تمرر منها المعاملات ولا يطلع عليها الرجل إلا بقدر ما ينجز تلك المعاملة ثم يذهب، وصلنا إلى نتيجة حسنة بمشيئة الله تعالى لكن إذا فتحنا الباب على مصراعيه فسيجرنا بطبيعة الحال إلى عواقب وخيمة.