abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش..ومتون - « جبرين وشاء الهوى».. لغز المكان

03 يونيو 2017
03 يونيو 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

إذا كان الدكتور سعيد السيابي افتتح روايته الأولى «جبرين وشاء الهوى»، بعبارة جاءت مطبوعة بخط كبير تشير إلى أن «جبرين ليست رواية تنتصر للتاريخ رغم الإبحار في معظم المراجع التي تكلمت عنه..» ليتنصل من علاقة النص بالتاريخ، مدعيا أن نصه ليس سوى « رسم لخيال تعلق بالمكان»، فإن رائحة التاريخ تتسلل من صفحات الرواية الصادرة عن «بيت الغشام»، منذ صفحاتها الأولى، إذ جعله ركيزة مهمة استندت عليها الأحداث، إلى جانب التاريخ يقف المكان شاخصا، إذ تنطلق الحكاية من ( حصن جبرين)، حيث يلتقي البطلان، الأول:حارس في حصن جبرين، والثاني: سائحة قدمت من زنجبار من أصول عمانية، وتنشأ بينهما علاقة حب، تهزّ كيانيهما، هذا التجاذب بين شخصيتين، ليس سوى صورة لتجاذب بين مكانين: حصن جبرين في المنطقة الداخلية من عمان، وجزيرة زنجبار التي هاجر إليها العمانيون، واستوطنوها أيام الإمبراطورية العمانية

وقد أفرد السيابي صفحات من فصول الرواية الـ25 للحديث عن تاريخ الحصن الذي يصرّ البطل على تسميته (قصرا) فيجد نفسه أكثر من حارس مهنته التي هي بنظره «مهنة من لا صنعة له» ويشبه عمله بـ(حارس مقبرة )، حارس للجدران الذي « نهايته الجنون لأنها سجن انفرادي في مكان منعزل»، لكن السائحة حين يقع نظرها عليه، وتعجب به، تطلب منه أن يكون مرشدا لسائحة جاءت إلى مسقط لعيادة شقيقها الذي يعمل في مسقط، بالمستشفى، لكنها سرعان ما تقع في حب الحارس الشهم، ذي البشرة السمراء، الذي اختارته من بين كل الحراس، فيبادلها الشعور الذي جاءه مباغتا، وتنمو العلاقة، لكن يجد هذا الحب في طريقه الكثير من العقبات، ويكون الحديث عن تاريخ حصن جبرين هو الخيط الذي جمعهما، فيحدثها عن تاريخ بناء القصر، الذي بناه الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي( بويع إماما سنة 1679 م)، وبدأ بناء القصر الذي استغرق حوالي ثلاثة عقود، ليكون سكنه الخاص، ويستطرد الكاتب في توضيح أهمية موقعه، والطبيعة الخلابة التي تحيط به، وتفاصيل القصر من الداخل، وممراته وأبوابه، وأسقفه، وما على جدرانه من زخارف، ونقوش، والعديد من الآيات القرآنية، والأشعار التي قيلت في الإمام بلعرب منها:

لم يكفه شرف القبيلة فابتني

بيتا على فلك السها أوتاده

وفي ذلك كلّه، جعل المكان هو البطل المطلق، وقد أشار د.أحمد عبدالملك على الغلاف الأخير «أن الرواية حفلت بالعديد من مشاهد الأماكن، وفيها تتلاقى التضادات، وتكبر الحكايا، وحولها تولد حياة، وتنتهي حياة، وتتلون الوجوه، وتكثر الأشباح، وتلعب الصدف دورها في تخليق الحكايا، ودمجها بالماورائيات وقصص الجن والأساطير، ذلك أن القصر في تاريخه الحقيقي يحوي قصص ومشاهد الغرام، وموائد الحب، و ثنائيات الرحمة، والحنان، وأيضا القسوة والعنف»،وتستمر حكاية الحب بين المرأة الأربعينية، والحارس الأسمر، وهي معادل لحكاية حب تتجاوز الزمان، والمكان، وحدود الجغرافيا، فالحب» هو المشعر الذي يقود إلى قمة العطاء اليومي في قيامنا بواجبنا نحو الله، والوطن، والمجتمع».

ويتماهى مع (قصر جبرين) في السطور الأخيرة من الرواية في مشهد الفراق بالمطار فيقول « سأكون وحيدا كقصر جبرين بعدما تركه الإمام بلعرب لتلعب فيه الأيام، وسوء الظروف، لينقطع عنه الحبّ، والجمال، ليغدو حصنا في أعين الناس، حصنا مدجّجا بالسلاح، والبارود..»، ويختتم الرواية بتساؤل هو « هل سنبدأ صفحة جميلة في حياتنا نحن الأربعينيين اللذين تعارفا في قصر الحب (جبرين)؟»، والقصر، بنظره، ينطوي على الكثير من الأسرار التي لا تتكشّف إلا للعارفين من أمثاله، فهو « مكان يحمل جاذبية القمر، واسترخاء البحر، وعبق الماضي، والجو الصافي «،لذا فهو عاشق له، وطوال سنوات عمله، لم يقف (حارسا) ليؤدي وظيفة في (القصر)، بل لأنه أصبح جزءا منه.

فنيّا، يتداخل في فصول الرواية التي تألفت من 158 صفحة من القطع المتوسط، صوتان، فبعض الفصول جاءت على هيئة منولوج داخلي للبطل، فيما جاءت فصول أخرى من خلال الصوت الداخلي للبطلة، ومن الصوتين يتماهى صوت الراوي العليم، ضمن إيقاع هادئ يركز على المشاعر أكثر من الوصف الخارجي بلغة خالية من التعقيدات، ولا نجد شخصيات أخرى غيرهما، إلا شخصيات ثانية تظهر لتختفي من ساحة الأحداث سريعا،مخلية الجو للبطلين، وهما يحاولان حلّ لغز علاقة نشأت في فضاء مكان محتشد بالأحداث التاريخية، والأسرار.