أفكار وآراء

ظاهرة التسول.. نظرة اقتصادية

03 يونيو 2017
03 يونيو 2017

سالم بن سيف العبدلي/ كاتب ومحلل اقتصادي -

ظاهرة التسول تعد من الظواهر الغريبة والدخيلة على المجتمع المحلي ولم تكن مألوفة من قبل إلا أنها بدأت في الانتشار مع مرور الوقت ومع تزايد عدد القوى العاملة الوافدة، هذه الظاهرة أصبحت مقلقة ومزعجة ومزرية للجميع، حيث يستخدم بعض المتسولين طرقا ووسائل متعددة من اجل الحصول على المال ويستغل البعض منهم المناسبات الدينية من اجل ان ينال استعطاف الناس وتزداد هذه الظاهرة في شهر رمضان المبارك هذا الشهر الفضيل الذي تكثر فيه العطايا.

هناك العديد من الآثار الاجتماعية والأمنية والاقتصادية لظاهرة التسول وفي هذه الوقفة سوف نركز على الآثار الاقتصادية المترتبة على هذه الظاهرة خاصة إذا ما اتخذ بعض المتسولين هذا العمل كمهنة يتكسب منها لقمة عيشه، وبالتالي يصبح عالة على غيره وعلى مجتمعه بينما يركن هوالى الدعة والكسل والراحة والخمول هؤلاء المتسولون يكونون عبئا على المجتمع وعلى الاقتصاد الوطني باعتبار انهم يستهلكون ما يحصلون عليه دون مقابل ولا ينتجون شيئا يخدم المجتمع هذا من ناحية اما من ناحية أخرى فإن بعض المتسولين خاصة الوافدين يجمعون مبالغ طائلة يتم تحويلها الى خارج البلد.

هناك عصابات متخصصة تقوم بتشغيل بعض هؤلاء المتسولين مقابل حصولهم على نسبة بسيطة من المال ونذكر قبل فترة وفي احدى الدول العربية قامت السلطات المختصة هناك بالقبض على متسول ووجد انه يمتلك ملايين الدولارات جمع اغلبها من خلال تسوله ونصبه واحتياله على عامة الناس وهذا يؤكد ان بعض من امتهن هذه الحرفة الدنيئة يستفيد منها على المستوى الشخصي الا انه يضر بها المجتمع.

من يقوم بمهنة التسول إن جاز تسميتها بذلك فهو مستعد ان يبيع شرفه وكرامته من أجل الحصول على المال ومن هنا نعلم أن التسول ظاهرة مرفوضة فهي غير حضارية كما أنها منافية للفطرة والكرامة، ومخالفة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، من هنا يجب أن تتظافر وتتكاتف كافة الجهود لعلاجها والتعامل معها بأسلوب علمي مدروس، وبشكل صحيح للحد منها.

للتسوّل أسباب عديدة ومتنوعة إلا أنها في النهاية جميعها تهدف الى الحصول على المال ، ومع مرور الوقت قد يتحوّل التسوّل نفسه إلى دافع ومشجع للآخرين ، وإذا وصل المتسوّل إلى حد الاكتفاء والإشباع أو ترقّى ليصبح من طبقة الأثرياء فيتحول الى ممتهن للتسوّل مدى الحياة ومن أهم أسباب التسول الفقر والذي يدفع بعض الناس الى التوجه الى هذه الوسيلة من اجل الحصول على لقمة العيش أيضا الكسل والخمول ، وعدم بذل الجهد العقلي والعضلي باتخاذ عمل معين أو حرفة معينة، فيجد المتسوّل له مجالاً للحصول على المال اللازم دون تعب أو جهد يبذله.

وغالباً ما يكون المال المحصّل عليه من التسول أكثر بكثير مما لو اتخذ عملاً عضلياً أو عقلياً، ومن أسباب التسول الحروب التي تمر بها بعض الدول والتي أدت الى تشرد أبنائها وهجرتهم الى الخارج للبحث عن لقمة العيش ، كما أن نقص العقل والإعاقة التي قد تدفع البعض الى امتهان هذه المهنة وفي بعض الأحيان الأشخاص الذين يفقدون المعيل كاليتيم والأرملة قد يلجأون الى هذه الطريقة من اجل الحصول على المال، إضافة الى التربية الخاطئة في مرحلة الطفولة، وتعليم الأطفال على طلب الحاجة من الغير قد تكون سببا لدفع هؤلاء الأطفال للتسول ويمكن أيضا ان يتوارث هذه المهنة بعض الأبناء من آبائهم.

الإسلام وضع تشريعاً كاملاً وشاملاً لمختلف مناحي الحياة الإنسانية، من شأنه أن يقي الإنسان جميع الظواهر السلبية الخاطئة ويعالجها إذا ما حدثت في الواقع المعاش ، وجعله نموذجياً لمعالجة مشكلة الفقر والحرمان وما ينتج عنهما من ظواهر سلبية كالتسوّل وغيره، واعتبره منهجا اجتماعياً قائماً على أساس علاقات التراحم والتعاون والحث على العمل والكسب لقوله تعالى : ( وَآيَةٌ لّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنّاتٍ مِن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ) الآية 33-35 سورة يس، ورسولنا الكريم يقول:( أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده )

الإسلام يحث على العمل والاستغناء عن الآخرين، ونهى عن السؤال لقول رسولنا الكريم صل الله علية وسلم ((استعفوا عن السؤال ما استطعتم)) كما أن الإسلام يشجع على الكفاف والقناعة وعدم الطمع ويدعو الى القناعة بما هو موجود من مال وسيد البشرية عليه افضل الصلاة والتسليم يقول : ((طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع به) وأخيرا فإن الإسلام فرض الزكاة واعتبرها ركنا أساسيا من أركان الإسلام لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز : ( إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم) الآية 60 من سورة التوبة وسوف يكون لنا وقفة قادمة عن الزكاة والصدقة من منظور اقتصادي .