أفكار وآراء

الحساب المشترك والوفاة

31 مايو 2017
31 مايو 2017

د. عبدالقادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

توفر البنوك للزبائن أنواعًا عديدةً من الحسابات المصرفية، ولكل من هذه الأنواع خصوصياته ومميزاته التي يتميز بها عن الحسابات المصرفية الأخرى الخاصة بالزبون المعني لدى البنك. من ضمن هذه الحسابات المصرفية، نجد الحساب المشترك “جوينت أكاونت”، وهو نوع من أنواع الحسابات المصرفية المهمة التي تقدمها البنوك من ضمن خدماتها الخاصة للزبائن الذين يرغبون فيها للأسباب التي يرونها. الحساب المشترك، في العادة، يتم فتحه بالاشتراك بين الأزواج أو الشركاء في الشركة والعمل أو الأسرة. وهذه العلاقة في حقيقتها تعتبر علاقة تعاقدية تحدد المسار فيما بين أطراف الحساب، وكذلك من الجهة الأخرى فهي علاقة تعاقدية في ما بين أطراف الحساب والبنك.

إن العلاقة التعاقدية الخاصة بين هذه الأطراف مجتمعة تحكمها القوانين المصرفية وقوانين العقود والتجارة، وبصفة خاصة التفاصيل المتفق عليها بين أصحاب الحساب والبنك وفق شروط فتح الحسابات واللوائح المصرفية المنظمة لها من وقت لآخر. مثل، تساوي مبلغ الحساب المشترك بين أطرافه ما لم يتم الاتفاق علي غير ذلك، سلطة التخويل بالتوقيع على الحساب وهل هي مشتركة أو فردية، تحديد تاريخ قفل الحساب إذا كان الحساب لمهمة معينة أو مدة محددة... الخ.

إن الحساب المشترك، كخدمة مصرفية تقدم لفئة خاصة، ثبتت فوائده وإيجابياته في تسهيل حوائج وكل أعمال أصحاب الحساب المشترك وبما يعود بالنفع على أي منهم أو جميعهم مشتركين. وستحرص البنوك على تطوير هذه العلاقة مع هؤلاء الزبائن وبما يعود بالمنفعة المشتركة لهم وكذلك للبنوك من الجهة الثانية. ولكن، مسيرة هذه العلاقة بين أصحاب الحساب المشترك والبنوك قد تكتنفها بعض الصعاب التي تؤدي إلى قفل الحساب المشترك. وهذا، قد يعود لأسباب خاصة بأصحاب الحساب المشترك أو لأسباب خاصة بالبنك حاضن الحساب.

من الحالات الطارئة التي تؤدي إلى قفل الحساب المشترك، نذكر مثلا وفاة أحد أصحاب الحساب المشترك. وهذه الحالة الطارئة تحدث دائما وربما بدون أي مقدمات، وتتعرض لها البنوك بصفة شبه يومية، وفي بعض الحالات قد تكون هناك بعض الصعوبات ولكل حالة ظروفها وملابساتها التي تحتاج للتروي في التعامل حتى تتم معاملة الحالة بصورة سليمة.

الحساب المشترك قد يكون بين طرفين فقط، الزوج والزوجة، أو بين عدة أطراف كأصحاب العمل أو الشركة. عندما يكون الحساب المشترك بين طرفين فقط، فيجب على البنك قفل الحساب فورًا عند وفاة أي طرف، وهذا بنص القانون. ولكن كيف بعلم البنك بالوفاة؟ ومتى يعلم؟ هذه مشكلة فعلية وعملية تواجهها البنوك في الكثير من الحالات لعدم علم البنك بالوفاة في حينها لأي سبب من الأسباب.

قد تبدو المشكلة سهلة العلاج، للبعض؛ لأن عبء أخطار البنك بالوفاة يقع على الطرف الشريك في الحساب. ولكن، بالرغم من هذا العبء إلا أن المشكلة العملية قائمة؛ لأن الاخطار لا يتم في حينه، ويكون الحساب مفتوحا وبالتالي تتم فيه العمليات بصورة روتينية. وهذا يحتاج لمجهود إضافي من البنك لإعادة الوضع في إطاره السليم ولحفظ حقوق كل الأطراف.

عندما يكون الحساب المشترك بين عدة أطراف، اكثر من شخصين، فيجب على الأطراف اخطار البنك عند وفاة أحد أطراف الحساب المشترك وكذلك الإفادة برغبتهم في استمرار الحساب المشترك فيما بينهم. والقانون يلزم بقية الأطراف بإخطار البنك بالوفاة في خلال أيام معدودة، وعلى البنك إيقاف السحب من الحساب المشترك فورا وتجميده حتى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية لمعالجة الوضع الذي نتج بسبب وفاة أحد أصحاب الحساب المشترك. من الضروري هنا، الإشارة إلى أن التجميد لا يمنع إدخال وتوريد مبلغ في الحساب لأن القاعدة هنا، أن دخول أي مبلغ في الحساب مسموح به ولكن خروج أي مبلغ غير مسموح به على الإطلاق.

ومن ضمن الإجراءات القانونية، في حالة تعدد الأطراف، إذا توفي أحد أصحاب الحساب المشترك فإن حسابه وما به من مبلغ يغلق ولا يحق لورثته الحلول محله لأن الحالة التعاقدية مع البنك قائمة على الاعتبار الشخصي. ويحق للورثة أن يطلبوا من البنك إخراج نصيب مورثهم من الحساب وتسليمه لهم ويستمر الحساب كالعادة بالنسبة لبقية الأطراف. وهنا أيضا قد تحدث مشاكل عملية منها تحديد نصيب المتوفى، وأيضا ربما لا يعلم البنك بالوفاة لعدم الأخطار لأي سبب. وفي مثل هذه الحالات وما شابهها، على البنك قفل الحساب وتجميده حتى يعلم بنصيب المتوفى وبالتالي حقوق الورثة. ومن هذا الإجراء قد يتضرر بقية أطراف الحساب المشترك، بل ضررهم أمر حتمي.

في بعض الحالات، نلاحظ وجود نص في القانون أو يتفق الأطراف على استمرار الورثة في الحساب المشترك والحلول محل مورثهم. وهذا الإجراء يتم في العادة، عندما يكون منصوصا على ذلك في عقد فتح الحساب المشترك أو إذا قبل البنك وباتفاق بقية الأطراف علي استمرار الورثة في الحساب المشترك بما يساوي نصيب مورثهم عند الوفاة. وهذا جائز، ولكن تكتنفه بعض المشاكل العملية خاصة إذا كان عدد الورثة كبيرا أو ناقصي الأهلية أو غيره.

كما أسلفنا فإن الحساب المشترك من الخدمات المصرفية العديدة الفوائد، ولكن هذه الخدمة قد تعترضها العديد من العقبات عند التطبيق وحالة وفاة أحد الأطراف من الأمثلة الحية التي تجابهها البنوك. في رأينا، أن تقوم البنوك بإعداد الوثائق القانونية بصورة متكاملة وبما يضمن العلاج الشافي لمجابهة المشكلات العملية التي طرأت من خلال التجربة. والإعداد السليم للوثائق القانونية سيسهل الأمر للبنوك ولزبائنهم، وفي نفس الوقت، سيعمل على دعم الخدمات الضرورية التي نحتاج لها لتطوير الصناعة المصرفية... وعلينا الاستفادة من التجارب لتقنين المعاملات والخدمات المصرفية.