1025461
1025461
روضة الصائم

روائــع المساجــــد الأثرية العـــمانية - محراب مسجد الشواذنة مزين بصحون خزفية وزخارفه مكسوة بألوان قرمزية

31 مايو 2017
31 مايو 2017

كتب - محمد بن سليمان الحضرمي -

لن أكتب عن مسجد الشواذنة الأثري بنزوى، الذي وضعت أسسه في السنة الثامنة للهجرة، كما تقول عنه الروايات، لأني بالطبع لم أكن حاضرا معهم حتى أكون شاهدا عليهم بنقلي عنهم، والروايات الشفهية بحاجة إلى دراسة دقيقة، أخشى أن لو أدخلت المختبر للفحص، لجاءت النتائج بخلاف ما قرأناه في الكتب، وبعكس ما صرنا نردده بعد ذلك نقلا عنها، ولكني سأكتب عنه كما رأيته بعيني.

وحين زرت مسجد الشواذنة الواقع في سكة ضيقة بحارة العقر الأثرية بنزوى، صرفت عن بالي تاريخ بنائه الأول، ولم أسأل عن الشواذنة الأوائل الذين بنوه، ولكني وقفت أمام صرح أثري أصبح اليوم مختلفا عما كان عليه قبل الترميم، متذكرا أني قد زرته مرات قبل الترميم وبعده، وفي كل مرة تفاجئني التحفة المحرابية التي نقشها الصانع الفنان: عيسى بن عبدالله بن يوسف عام 936هـ/‏‏ 1529م بهاجس من الإعجاب، وأنظر إليها بإجلال وإكبار، وفي هذه الزيارة وقفت أمامها من جديد، ورحت أتأمل نقوشها وزخارفها، فرأيت إبداعا فنيا مذهلا، تجسد في تشكيل الكلمات بالرسم الكوفي في أعلى المحراب، حيث نقرأ نص شهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأسفلها دوائر مزينة بصحون خزفية ملونة، وكل دائرة من تلك الدوائر أسفل خط الشهادة لا تتشابه مع الأخرى، ما يعني أن كل دائرة عمل نحتي مستقل، وليس قوالب متكررة.

اللافت في هذا المحراب أن زخارفه مكسوة بألوان قرمزية، تتركز في عمق المحراب، وبنظرة أخرى لصدر المحراب نرى صحنا خزفيا كبيرا حوله أربعة صحون أصغر حجما، وحول تلك الصحون الأربعة صحون أصغر، يزيد عددها عن 20، بقي منها 18 صحنا، وبنظرة أخرى إلى المحراب نرى أن الصحن الكبير أشبه بالشمس المضيئة، ومن حولها مجموعة من الكواكب الدرية.

التجويف الداخلي للمحراب أشبه بالقبة بفتحات تسمح بتسلل أشعة الشمس إلى صحن المسجد من الداخل، وفي سطرين متاليين يمثلان شهادة ميلاد المحراب الرسمية، حفر النقاش أسماء من عملوا معه، وهم: علي بن إبراهيم العوفي، وعمر بن سليمان بن خالد، وخلف بن عمر بن أبي سعيد، وربيعة بن عبدالله وحمد بن ربيعة بن قاسم، واللافت أن النقاش يسرد كل الأسماء التي تعاونت معه، ويختم أسماءهم بجملة: (رحمهم الله)، فهل كانوا جميعا قد توفوا قبل أن ينتهي النقاش من مشروعه؟.

وفي السطر الثاني نقرأ اسم صانع المحراب الفنان عيسى بن عبدالله بن يوسف، وينتهي السطر بجملة: (وغفر لهم جميعا وللكاتب محمد). ماذا تعني هذه الجملة؟، هل الصانع مختلف عن كاتب النقش؟، ومن هو الكاتب محمد الذي ينتهي عنده التوقيع؟

المسجد من الداخل واسع، يتألف من ثلاثة أروقة عرضية، تقف عليها أربعة أعمدة دائرية، وفي الركن الجنوبي الشرقي سلم خشبي يربط بين الجدارين، لينتهي بالبومة في أعلى السقف، وأمام المحراب فراغ فسيح يمتد إلى نهاية المسجد، ومن حوله تقف الأركان الدائرية الأربعة.

الصحن الخارجي يقع جهة الجنوب من المسجد، وينتهي بمحراب صغير، تقام فيه الصلاة في المساءات الباردة، أو صلاة الفجر، وكغيره من المساجد يوجد حوض مائي للاغتسال والاستحمام، وبعد الترميم ظهر المسجد في حلة قشيبة، جعلت منه صرحا دينيا مهيبا.

وإذا كان البعض يأتي ليزور مسجد الشواذنة بنزوى، لينظر بعينيه إلى الصرح الذي وضعت أسسه في السنة الثامنة للهجرة كما تقول الروايات، فإني قد زرته لأنظره بعيني، وأقف على الحال الذي عليه الآن، وظهر لي أنه مسجد فخم، تحيط به منازل طينية قديمة، في أزقة حارة العقر الأثرية، وبلا شك أن هذا المسجد كان يوما مدرسة خرجت أجيال المثقفين والفقهاء، فكم من عالم أهرق نور نهاره بين أركانه، وكم من زاهد متبتل قضى ليله بين هذه الأعمدة وأمام المحراب، رغم السكون العميق والظلام المحدق به، وبتوالي الأيام وتتابع السنين بقي مسجد الشواذنة نقطة نور، مثلما كان مدرسة علم، ومحراب تهجد، لم تطاله يد التخريب.