salem-22
salem-22
أعمدة

إضاءة قلم: المنهل العذب

31 مايو 2017
31 مايو 2017

سالم بن حمدان الحسيني -

مهما شطحت بالنفس البشرية الأهواء، ونأت قليلًا عن موردها الروحي العذب فلا بد لها من الأوبة والرجوع إليه حيث يتجاذبها الحنين إلى ذلك المورد الرقراق لترتوي من معينه العذب ليكون لها زادًا تستعين به مقاومة بهرجة هذه الحياة وملذّاتها، ذلكم المورد الذي لابد لهذه النفس أن ترده ليذهب عنها ظمأها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).. خصوصًا في هذه الأيام المباركة والليالي العامرة بذكر الله حيث تلهج الألسن بذكره وتخفق القلوب بشكره.. متطلعة إلى عفوه ومغفرته ورضوانه.

تتهاوى تلك الجموع الغفيرة في هذه الأيام الفاضلة أكثر من سابقاتها إلى بيوت الله من كل حدب وصوب وتنساق من كل فج عميق لتجد ضالتها التي طالما بحثت عنها في هذه البيوت حيث السكينة والطمأنينة وراحة البال بعيدًا عن تجاذبات ونزعات النفس البشرية التي تلهث وراء الدنيا ومغرياتها دون يهنأ لها بال أو يستقر بها قرار لتجد هنا في هذه البيوت المعادلة التي غابت عن بالها طوال تلك الشهور.. (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) فمن حكمة هذا الدين الحنيف أن وازن بين الدنيا والآخرة فلا يطغى جانب على حساب الآخر فترك مصالح الدنيا ليس لمصلحة الدين، وإنما تسخر الدنيا لخدمة هذا الدين.

ومن نعم الله علينا أن سخر في هذه البلاد المباركة رجالًا نذروا أنفسهم لخدمة هذه الدين الحنيف، وقد آتاهم الله سبحانه العلم والحلم والخلق والتواضع والهمة وقوة العزم فجندوا أنفسهم وسخروا كل وقتهم وجهدهم في سبيل الدعوة إلى الله وبالتي هي أحسن متبعين هدي الله الكريم منهجًا ومتخذين من سيرة المصطفى الكريم نبراسًا، وقد نذروا أنفسهم خصوصًا في هذه الأيام المباركة لإقامة الدروس الوعظية والمحاضرات الثرية ليصدق فيهم قول الحق سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وأيضًا مبادرتهم بإمامة المصلين في صلاة التراويح والتهجد بأصوات شجية ندية التفت حولها تلك الجموع الغفيرة المتعطشة؛ لأن تملأ مسامعها وأفئدتها بالنور (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). فهنيئًا لمن نذر نفسه لهذا الخير العظيم وهنيئًا لمن ورد من ذلكم المنهل المبارك، وسلك هذا الطريق المستقيم.