أفكار وآراء

مقومات متكاملة لتعظيم المصالح ودعم التنمية العمانية

30 مايو 2017
30 مايو 2017

د.أحمد سيد أحمد -

«دشن الرئيس الصيني شي جين بينج طريق الحرير الجديد في سبتمبر 2013 بكازاخستان وأعلن الأسبوع الماضي خلال قمة دولية حول «طرق الحرير الجديدة»، التي شارك فيها قادة 29 دولة، استثمار 124 مليار دولار لإحياء الطريق الجديد بشقيه البري والبحري والمعروف باسم الحزام والطريق».  

ويمثل هذا المشروع نقلة نوعية على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية والتجارة العالمية دفعت الرئيس الصيني لوصفه بمشروع القرن، لما له من تأثيرات اقتصادية وتنموية ليس فقط على الصين بل على كل الدول التي يمر بها الطريق وتزيد عن 65 دولة، وفى القلب منها سلطنة عمان التي تشهد نهضة تنموية شاملة تستهدف بالأساس الإنسان العماني والارتقاء به في جميع نواحي حياته، وترتكز على التخطيط وفقا لإستراتيجية 2020 واستراتيجية التنمية المستدامة 2040 التي تحققها خطط التنمية الخمسية المتتابعة والمتراكمة ومنها خطة التنمية الخمسية التاسعة الحالية، وتسعى إلى تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الطاقة من النفط والغاز كمصدر للدخل القومى، عبر تعظيم الموارد غير النفطية. وقد حققت السلطنة بالفعل طفرات كبيرة اقتصادية على كافة الأصعدة الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية جعلتها تحقق مراكز عالمية متقدمة. ولذلك فإن تعامل السلطنة مع طريق الحرير، الذي دشنته الصين وقطعت فيه خطوات مهمة، ينطلق من تعظيم المصالح العمانية وتوظيفه لخدمة النهضة التنموية في إطار فلسفة المصالح المتبادلة وفى استغلال كل الفرص والإمكانيات الداخلية والخارجية للمضي قدما في مسيرة النهضة والعمل والتقدم.

ويمكن القول إن عمان تمتلك العديد من المقومات التي تجعل لها دورا واعدا في مشروع طريق الحرير الجديد خاصة في جانبه البري والمعروف بالحزام من خلال امتلاكها العديد من المقومات على مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والجغرافية وتتمثل في:

أولا: المقومات السياسية، وتتمثل في السياسة العمانية الحكيمة القائمة على الاحترام والتعايش السلمي واحترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شئونها والمنافع المتبادلة ودعم السلام والتنمية والتلاقي بين الشعوب والأمم، وهو ما جعلها تحظى بعلاقات طيبة وممتازة مع جميع دول العالم دون استثناء ومكنها من أن تلعب دورا فاعلا في تسوية الكثير من الصراعات والأزمات، من خلال دبلوماسيتها الرشيدة والحيادية، إضافة إلى حالة الاستقرار السياسي والأمني التي تتمتع بها البلاد بما يوفر المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الأجنبية في ظل بيئة إقليمية ودولية تموج بالصراعات والحروب وعدم الاستقرار. ولذلك تقوم القيادة العمانية بتوظيف مكانتها السياسية والدبلوماسية ودورها الإيجابي في العلاقات الدولية وعلاقاتها المتميزة مع كافة قادة العالم للاستفادة من طريق الحرير لخدمة التنمية المحلية عبر جذب الاستثمارات وفتح الأسواق والاستفادة من خلال التجارب التنموية للدول المتقدمة ومنها الصين.

ثانيا: المقومات الاقتصادية الكبيرة التي تحظى بها سلطنة عمان وتجعل منها مركزا واعدا ورئيسا في طريق الحرير ويتمثل في نموذجها وتجربتها النهضوية والاقتصادية الرائدة التي تقوم على أسس علمية وتخطيطية تعكسها الإنجازات الكبيرة التي تتحقق كل عام في المجالات المختلفة حيث زادت معدلات مساهمة القطاع غير النفطي في الدخل القومي، كما انعكست في الاهتمام بالزراعة والسياحة والمشروعات الصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال ودور القطاع الخاص المتنامي فيها، إضافة إلى المشروعات الصناعية العملاقة والمناطق الصناعية المختلفة في الدقم وصحار و صلالة والتي وفرت البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات المحلية والعالمية وانعكست في تدفق غالبية الشركات العالمية من كافة الدول للاستثمار في عمان، ومنها المنطقة الصناعية الصينية في الدقم باستثمارات تصل لـ 10 مليارات دولار بحلول عام 2020، كما تحظى عمان بمناخ استثماري وضريبي واقتصادي مستقر من خلال التشريعات الاقتصادية المختلفة التي تحق الأمان الاقتصادي للمستثمر الأجنبي ومنها قانون الاستثمار الجديد الذي يقدم كافة التسهيلات المالية والضريبية للمشروعات الجديدة ويضمن حرية انتقال الأموال والأفراد، حيث تتبنى عمان نموذج الاقتصاد الحر ولها دور فاعل في منظمة التجارة العالمية وفي الاقتصاد الدولي الذي تحكمه العولمة وحرية تدفق التجارة، كما أن موقع عمان الفريد كنقطة وصل بين طرق التجارة العالمية خاصة بين قارات العالم الثلاث أوروبا وإفريقيا وآسيا، جعلها مركزا لوجستيا عالميا لحركة النقل والتجارة الدولية في ظل البنية التحتية الهائلة التي توجد في البلاد وعلى رأسها الموانئ الضخمة وشبكة الطرق التي تساعد في حركة التصدير والاستيراد. كما تمتلك البلاد المؤهلات البشرية الواعدة التي تمكنها من التفاعل بإيجابية من مشروعات الفرص التي يوفرها طريق الحرير لتوافر الأيدي العاملة الماهرة القادرة على التفاعل والتجاوب مع متطلبات سوق العمل الحديث والمشروعات الجديدة نتيجة لاهتمام السلطنة الكبير بالنهوض بالتعليم وتوفيره كما وكيفا لكل المواطنين العمانيين وإرسال البعثات الدولية في كافة التخصصات العلمية التي تحتاجها المشروعات الناجمة عن إنشاء طريق الحرير.

ثالثا: المقومات الثقافية والاجتماعية التي تمتلكها عمان وتمكنها من التفاعل بإيجابية مع طريق الحرير الذي لا ينطوي على أبعاد اقتصادية فقط بل يشمل أبعادا سياسية وثقافية ويساعد في تعزيز التفاعل بين الثقافات العربية والإسلامية التي تجسدها الثقافة العمانية وبين ثقافات الشعوب الأخرى خاصة الثقافة الآسيوية والصينية ويزيد من التقارب بين الشعوب وتعظيم السلام وتقليل الصراعات والحروب، كما أن الصناعات التقليدية والشعبية التي تعكس الثقافة العمانية وتمزج بين الأصالة والمعاصرة تمثل أحد فرص ومجالات الاستثمار وتعظيمها عبر مشروعات طريق الحرير الجديد.

رابعا: خصوصية العلاقات العمانية الصينية، التي تساعد في تعظيم الاستفادة العمانية من مشروعات طريق الحرير، وهي علاقات متجذرة في التاريخ يزيد عمرها عن ألفي عام من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والزيارات المتبادلة والتفاعل بين الثقافتين العمانية والصينية، وتعد عمان رابع شريك تجاري للصين حاليا وبينهما علاقات اقتصادية وسياسية قوية تمثل أساسا متينا لتفعيل التعاون بين الجانبين في مشروع طريق الحرير، حيث تراهن الصين على سلطنة عمان كأحد المرتكزات الأساسية لتفعيل الجانب البحري من طريق الحرير وإحياء الطريق القديم الذي كان يمر بعمان بسبب موقعها الجغرافي المتميز. كما أن العلاقات القوية بين جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم والرئيس الصين جين بينج تساهم في تعظيم الفرص المشتركة وزيادة الاستثمارات الصينية في عمان، خاصة في ظل منتدى التعاون الخليجي الآسيوي، الذي يقوم على التعاون بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو الصين وبين أكبر تجمع اقتصادي إقليمي وهو مجلس التعاون الخليجي ويزيد حجم التجارة بينهما على 140 مليار دولار.

وبالتالي فإن مقومات ومؤهلات سلطنة عمان الاقتصادية والسياسية والثقافية تمكنها من جعلها مركزا واعدا لوجستيا وبحريا في مشروع طريق الحرير ويساهم في تعظيم الاستفادة العمانية من الفرص والمشروعات التي سوف تنتج عن هذا المشروعات عبر جذب الاستثمارات الصينية والعالمية لعمان وإقامة مشروعات البنية التحتية والمشروعات الصناعية المختلفة.غير أن الاستفادة القصوى من جانب عمان من مشروع طريق الحرير الجديد الذي تقيمه الصين يتطلب العديد من الأمور:

أولها: أهمية تعظيم الاستفادة من العوائد الاقتصادية العملاقة التي يحققها المشروع والتي تزيد على تريليوني دولار لإنشاء طريقين للتجارة من الصين إلى أوروبا، كذلك العمل على الاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة والتي تزيد عن 150 مليار دولار في الدول المطلة على طريق الحرير ومنها سلطنة عمان لدعم مشروعات البنية التحتية واللوجستية في السلطنة، وذلك عبر إعداد إستراتيجية متكاملة تساهم فيها كل مؤسسات الدولة لكيفية التعامل مع هذه المشروع والاستفادة من الإمكانيات الكبيرة له والفرص التي يمكن أن يوفرها لدعم خطط التنمية العمانية، وتجهيز المشروعات المحتملة والتي يمكن إقامتها على هامش المشروع وأن يكون هناك ترويج إعلامي ودبلوماسي عماني لتلك الفرص والمشروعات التي تمتلكها السلطنة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمشروعات العالمية العملاقة.

ثانيها: أن يتجاوز تعامل السلطنة مع مشروع طريق الحرير إلى ما هو أبعد واشمل من هذا الطريق ومن كون عمان ممرا جغرافيا له، وإلى توظيفه في تعظيم الاقتصاد العماني والاستفادة من هذا المشروع في تقوية العلاقات الاقتصادية مع كافة دول العالم والاستفادة من النماذج التنموية العالمية خاصة التجارب الآسيوية مثل الصين واليابان ودول النمور الآسيوية لدعم النهضة التنمية العمانية خاصة الاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تخدم على المشروعات العملاقة، كذلك توظيف هذا المشروع في تعظيم الدور السياسي والثقافي العماني على الخريطة العالمية.