روضة الصائم

السخاء.. صفة الأنبياء

30 مايو 2017
30 مايو 2017

السخي يملك زمام القلوب، محفوف بالمحبة من الجميع، أسوة حسنة لغيره، والسخي واثق من عطاء الله تعالى فلا يخشى الفقر ولا الضيم، فهو مستنير البصيرة، قلبه يفيض بالرحمة، والسخاء صفة الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، والسخاء صفة الصديقين والصالحين، فالسخاء خلق المسلم، والكرم شيمته. ولما كانت الأخلاق الفاضلة مكتسبة بنوع من التربية والمجاهدة، فإن المسلم يعمل على تنمية الخلق الفاضل في نفسه وفي الآخرين.

ويتسم السخاء بعدة مظاهر وهي أن يعطي الرجل العطاء من غير منٍ ولا أذى، وأن يفرح المعطي بالسائل الذي سأله، ويسر لعطائه، وأن ينفق المنفق في غير إسراف ولا تقتير، وأن يعطي المكثر من كثيره، والمقل من قليله، في رضا نفس وانبساط وجه. وينبغي على كل المسلمين أن يتخلقوا بالسخاء لما فيه من الفوائد العظيمة والأثر الطيب في حياة الناس، فإن صاحبه محمود في الدنيا والآخرة، والسخاء دليل الزهد في الدنيا وحب الآخرة، ويكسب صاحبه السيادة في الدنيا والآخرة، وهو طريق من طرق النبيين والسلف الصالح.

والإسلام دين الكرم والسخاء، فهو لم يكتف فقط بدعوة المسلمين إلى الإنفاق الفرضي والتطوعي، بل حثهم على إلى مراقي الكرم والجود والسخاء، لذا فالمسلم جواد بما جبل عليه بطبيعته الإسلامية، حتى إنه حين يعطى لا يبقى لنفسه شيئًا، وإنما هو يأتمر في ذلك بأمر دينه وعقيدته واقتداءً بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) آل عمران. وقال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) آل عمران. وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).. الأنفال.

وعن عبد الله بن عمرو: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف». رواه البخاري ومسلم. وعن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لهم إلا رفعه الله». رواه مسلم. ومن أقوال الصحابة والسلف الصالح عن السخاء قول الحسن عليه السلام لما سئل عن البخل فقال: هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفاً، وما أمسكه شرفًا.

وقال: التبرع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: والذي وسع سمعه الأصوات؛ ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا خلق الله تعالى من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل، وقال لجابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: يا جابر من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب لله عرضها للزوال. والكرم هو سماحة الأخلاق وبذل المال للمحتاج، وبذل النفس للخير والطاعات، وهى الدرجة الوسطي بين الإسراف والشح، والله تعالى هو الكريم ويحب الكريم من عباده . وقال أكثم بن صيفي: خير السّخاء ما وافق الحاجة ، ومن عرف قدره لم يهلك، ومن صبر ظفر، وأكرم أخلاق الرجال العفو . وقال بعض الحكماء: ثواب الجود خلف ومحبة ومكافأة ، وثواب البخل حرمان وإتلاف ومذمة.