روضة الصائم

إشراقات رمضانية - نعمة الحياة

27 مايو 2017
27 مايو 2017

ميمونة بنت حميد الجامعية - معهد نبع الخير المشرق

وقفت زبيدة تتابع أسراب الطيور، وهي تشق الفضاء في شكل هندسي رائع يوحي بعظمة خالقها ومدبر أمرها.. حمد: تعال وانظر يا بني إلى أسراب الطيور هذه .. من علمها أن تطير في صف واحد؟ حمد وهو يقترب من أمه يمعن النظر ملبيا الدعوة: منظر يقوي الإيمان في النفس يا أمي .. الله جل في علاه هو من علمها وعلمنا ما لم نعلم.. الحمد لله الذي أمد في أعمارنا حتى نلقى شهر الخير والبركات.. زيد ينضم إليهما وصوته يصل إلى مسمعهما: التأمل في وقت البكرة واستشعار عظمة الله في خلقه هو تسبيح بحد ذاته.. ها هو اليوم الثاني من أيام شهر التوبة والغفران، يتهادى نوره بعد أن أزاح حجب ليل هادئ.. زيد موجها حديثه إليهما: انظرا جيدا، كأن شمس الصباح تحاول فتق غيم وهو يأبى تفرقا.. خيوطها الذهبية تتسلل عنوة ترينا أن يومًا جديدًا قد أطل بوجهه، فهلا استقبلتموه بأنواع القربات؟

- هند تنادي وهي تتجه إلى شرفة المنزل.. أين أنتم؟

- حياك الله يا هند.. أستشعر لطائف الله تنساق إلينا تترى.. كما اتفقنا حلقتنا اليوم ستكون قبل انصرافي إلى العمل أي بعد ساعة ونصف من الآن؛ ففي المساء عندي ارتباط ضروري متعلق بالعمل ولم أتمكن من الاعتذار منه ولا أحد غيري يقوم به. والآن كل منا يؤدي نشاطه الذي اعتاد عليه.. تحرك زيد من مكانه متجها إلى مكتبه لإنجاز بعض أعماله الكتابية الخاصة به.. وكذا تحرك البقية كل إلى مقصده..

- زيد يعلو السرور وجهه: الحمد لله انتهيت.. سنبدأ الحلقة.. ها هو حمد قادم: أسرع يا حمد خذ مكانك في الحلقة وأنا سأتبع هندا.. تعالي يا هند.. هذه أمك الرائعة وصلت، ألا ترين كيف ازدان المكان بهجة وسرورا؟ وكأنها الندى عانق الروض فازدان زهره وفاح أريجه؟ اجلسي بقربي يا زبيدة، فأنت مصدر طاقة لا يمل جليسك.. هيا .. مع من تكون البداية؟ مع حمد أم هند؟

- كلنا معك يا ابتي..

- شكرا يا هند.. يلتفت زيد إلى حمد: صف لنا شعورك وأنت تستقبل شهر رمضان المبارك.

- الحمد لله يا أبتي .. منذ أول ليلة شعرت بفرح كبير وانتابني حزن في آن واحد..

- زبيدة في دهشة: عجبا! ولم الحزن؟ كن سعيدا وبث السعادة فيمن حولك، واستشعر نعمة الله عليك بأنك مازلت على قيد الحياة، ترفل بثوب الصحة والعافية.

- حمد وهو يتحرك قليلا بجوار أمه مصدر الحنان المتدفق: نعم أمي الحبيبة؛ هذا ما جعلني أعود بذاكرتي إلى مقاعد الدراسة الجامعية فمازال صوت صاحبي يتردد على مسامعي، وهو يخطط كيف يستقبل شهر رمضان هذا العام، ولم تمض أيام حتى جاء الشهر العظيم، وقد واراه الثرى.

- زبيدة وهي تربت على كتف حمد قائلة:

- موضوع حلقتنا هو ما استشعرته يا حمد «نعمة الحياة» زبيدة تخاطب زيدا: أليس كذلك؟

- بلى. هو ما ذكرت. - قبل أن يبدأ زيد في الحديث تعاجله زبيدة بسؤالها: كيف نوفق بين قول الله عز وجل «وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» وبين أن الحياة نعمة؟

- سؤال في محله.. أذكر مرة بأن هندا سألتني عن شيء من هذا القبيل وكان هذا قبل أشهر تقريبًا، وكنا نتناول وجبة الغداء يومها.. هل تذكرين يا هند هذا؟

- نعم، وأذكر أسارير وجه معلمتي عندما أجبتها عن سؤالها اليومي لنا في الفصل، حيث كانت تهيء نفوسنا بقولها: كيف تنظرن إلى الحياة هذا اليوم؟ فكانت كل طالبة منا تذكر ما تراه من خلال ما تشعر به.. فقررت أن أسألك السؤال نفسه.

- زيد وهو يمسح على رأس ابنته هند: ألمح في عينيك نجابة المجتهد يا هند، وهل تذكرين جوابي؟

- نعم يا أبتي، كيف لا أذكره وتلوح لي الآن سعادة معلمتي حفظها الله قدوة وقائدة نحو المعالي.. قلت لي يومها: تحلو الحياة باختيار أجود أنواع البذور التي يبذرها الإنسان في أرضه، ثم ريها بأفضل سقيا، فيكون في قمة السعادة حين يرى غرسه قد أينع.

- أحسنت يا هند.. من كان في كل يوم تطلع عليه الشمس يكون هذا شعوره فهو في خير كثير.. بل يكون الشوق كبيرًا عندما يفكر الإنسان كيف يعمر نهاره وليله، يمسي مخططا لصباحه، ويصبح مخططا لمسائه.