ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :جلد الذات..

26 مايو 2017
26 مايو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تثير وسائل التواصل الاجتماعي، من فينة لأخرى العديد من اللغط حول قضايا مختلفة ، حيث يعبر المغردون بالكتابات المختلفة بطريقة تعكس مرات حالة جلد الذوات التي تعيشها الشخصية العربية على وجه الخصوص ، وهو جلد يتغذى على نار هادئة ، كما يبدو، ولكنه يتحول إلى صفيح ساخن جدا ؛ متى ما وجد المناخ المناسب للاحتراق، وحرق ما حوله أيضا.

يأتي جلد الذات بصورة دائمة في الانتقاص من الشخصية الفردية ، أو الجماعية ، عندما يصاحبها مؤازرة عامة للحدث ذاته ، ولست متيقنا إن كانت هذه الحالة هي حالة عربية خاصة ، أو أنها تعيشها كثير من شعوب العالم ، وإن كنت أرصد عبر متابعاتي الشخصية، وعبر ما أسمع أن هناك شعوبا كثيرة تحررت من الوقوع في مناخ جلد الذوات، وتحررها هذا يساعدها كثيرا على الاهتمام بذاتيتها والعمل على تنمية هذه الذات، أو الذوات الجمعية، وبالتالي خروجها الآمن من مستنقع الانتقاص بكل ما يحيط بالنفس من مآزق نفسية، وتجسيد الحالات الطبيعية على أنها خطر محدق الجميع .

يتطلب الأمر هنا ، البحث عن أسباب تفاعل حالة «جلد الذات» عندنا الإنسان العربي ، على وجه الخصوص ، كما تعكس لنا مجمل التفاعلات التي ترافق مثل هذه الأحداث التي تقع في جغرافية وطننا الكبير في أي بقعة فيه ، هناك من يرى أن استمرار حالة الهزيمة النفسية في وجدان الإنسان العربي ، هي التي تعلي من شأن هذه الحالة ، وتوقظ فيها هذا النزاع الداخلي الممقوت، حيث ترى أن كل ما يحيط بها موجه إليها، ومقصودة به، وأن هناك من يتربص بها من الأقوام والشعوب الأخرى، وأنها من الضعف بحيث لا تجد لها قوة الدفاع عن نفسها، وأن المتآمرين عليها كثر، ومنهم ولاة أمرها، وكأن ولاة الأمر هؤلاء من كوكب آخر، فالثقة مرتبكة ومتزعزعة إلى الحد الذي لا يعطيها فرصة لملمة شملها، وهذه مسألة خطيرة، وأكثر خطورتها على الأجيال التي تتشرب من هذا الفكر، وتعيش هذا الواقع.

يتوغل هذه الشعور في هذه الشخصية، للأسف الشديد، إلى درجة الارتباك، ومن كثرته يعطيك أنت كمتلق، وإن كنت من البيئة نفسها، أن هناك خطرا جسيما يحيط بك، ويربك قناعاتك، بينما عندما تتموضع وتأخذ مكانك عند نقطة محددة لمراقبة المشهد ترى أن هناك مبالغة في الأمر، وأن كثيرا مما يدور حوله النقاش يكون في سياقه الطبيعي، وأن مستوى المضرة التي يروج لها، فيه مبالغة كبيرة، والحالة كلها لا تخرج عن خوف مرتقب، قد يحدث، وقد لا يحدث، وإنما يعطى هذا السقف المرتفع من الاحتراز انعكاسا لحالة نفسية لا أكثر، ومع استقراء أحداث التاريخ التي مرت، خلال مرحلة عمرك الواعي الذي قضيته حتى الآن، لن ترى أن هناك شيئا غير طبيعي على الإطلاق، وأن مجموعة المخاوف التي يروج لها، خاصة في مسألة ؛ أن هناك «عدوا متربصا» يحاول الانقضاض عليك في أي وقت، ليس له أساس إطلاقا.

يخيم، على ما يبدو، على هذه الشخصية نزعة «الفزعة»، وهي ذلك الشعور الجمعي الذاهب إلى النصرة ، وإلى التآزر المبالغ في تمثيله، وهي إحدى الصور المتوارثة للشعوب التي لا تزال تقتات على نزعتها التقليدية، وهذه مسألة ليس يسيرا الانعتاق منها بين عشية وضحاها، حيث تحتاج إلى كثير من حقن الوعي، وهذا الوعي وإن تحقق في شخصية ما من شخصيات المجتمع، فليس يسيرا أن يتحقق لدى الجميع، وفي مشهد «الفزعة» يغطي المجموع على الفرد، وبما يندرج تحت مفهوم «عقلية القطيع» .