أفكار وآراء

تحقيقات مولر قد تؤثر على رئاسة ترامب

26 مايو 2017
26 مايو 2017

جون كاسيدي - ترجمة قاسم مكي -

نيويوركر -

في أسبوع شهد تطورات سياسية تحير العقل، ورد خبر يتسم بالأهمية بالنسبة لأمريكيين كثيرين. ففي يوم الأربعاء (16 مايو) عينت وزارة العدل روبرت مُولَر، وهو مدير سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، مستشارا (قانونيا) خاصا للإشراف على تحريات المكتب فيما يمكن أن يكون تواطؤا محتملا بين الحملة الانتخابية لدونالد ترامب عام 2016 والحكومة الروسية. فقد جاء في بيان صدر عن رود روزينستاين، نائب المدعي العام، ما يلي «بصفتي نائب المدعي العام قررت، خدمة للمصلحة العامة، ممارسة سلطتي وتعيين مستشار لتولي المسؤولية حول هذا الموضوع».

هنالك عدة جوانب مشجعة لهذا التطور، بداية من حقيقة أن روزينستاين هو من فعل ذلك (تعيين مولر) فمع امتناع جيف سيشنز المدعي العام عن التعامل مع التحقيق عقب تسريب خبر عن إدلائه بتصريحات مضللة حول لقاءاته مع السفير الروسي، أثبت روزينستاين تلك الاستقلالية التي عرف بها قبل تحريره مؤخرا مذكرة إلى سيشنز أوصت عمليا بفصل جيمس كومي، الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي. لقد شرع بعض مؤيدي ترامب بعد دقائق فقط من هذا الإعلان المفاجئ في اتهام روزينستاين بالخضوع لضغوط الديمقراطيين ووسائل الإعلام الرئيسية.

ما حدث في الواقع أن النظام القانوني «اشتغل» كما قصد منه أن يشتغل. فبالنظر إلى الكشف مؤخرا عن زعم بأن ترامب طلب من كومي وقف التحقيق في قضية مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق وكذلك ربط روزينستاين علنا بفصل كومي، كان يجب فعل شيء لطمأنة الناس بعدم حدوث تلاعب وبأن محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي سيواصلون التحري في المسألة الروسية بحماس ومهنية دون النظر إلى أين ستقودهم هذه التحقيقات في النهاية. لقد أدرك روزينستاين هذه الضرورة، وهذا شيء عظيم يحسب له، ثم عمل ما يلزم عمله. لا يعني قراره، كما ورد في بيانه، أن جرائم قد ارتكبت، كما لا يعني وجود مسوغ لتوجيه أي اتهام. فهو حسب قوله لم يتخذ أي قرار من هذا النوع. فما قرره «هو أن المصلحة العامة تلزمني، بناءً على ظروف فريدة، بوضع هذا التحقيق تحت سلطة شخص يمارس قدرا من الاستقلال عن التسلسل القيادي العادي». ما يطمئن جدا كذلك بحسب عدة تقارير أن روزينستاين لم يشاور البيت الأبيض قبل اتخاذ القرار.

لقد كان هذا هو بالضبط الشيء الصحيح الذي وجب القيام به في موضوع يؤثر مباشرة على الرئيس ويعتبر مثار خلاف إلى حد بعيد. فهو يؤكد مبدأ أن أمريكا هي بلد القوانين وتطبيق القانون الذي يخضع له كل أحد، حتى الرئيس. من الواضح أن مولر سيتمتع بحرية وسلطة واسعتين في إجراء تحقيقاته. فبحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ، خوَّل الأمر القانوني الذي وقعه روزينستاين المستشار الخاص النظر في «أي روابط و/‏‏ أو تنسيق بين الحكومة الروسية والأفراد الذين كانت لهم علاقة بحملة الرئيس دونالد ترامب». وكذلك «أي مسائل نشأت أو قد تنشأ مباشرة عن التحقيق». وورد في الأمر أيضا أن مولر سيكون له الحق إذا دعت الضرورة «في ملاحقة الجرائم الفيدرالية التي يكشف عنها التحقيق حول هذه المسائل قضائيا». وأخيرا، وربما ماهو أكثر أهمية أن روزينستاين اختار شخصا صاحب مقام وخبرة مناسبين لأداء دور المدعي الخاص. فمولر الضابط السابق في سلاح البحرية عمل مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي في الفترة من 2001 إلى 2013. وعلى الرغم من أن تعيينه مديرا للمكتب تم بواسطة الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش إلا أنه يعتبر على نطاق واسع شخصية غير سياسية. وفي تمظهر لافت لإجماع الحزبين مساء الأربعاء (16 مايو)، مدح الديمقراطيون والجمهوريون على السواء تعيين مولر. فقد كتب جيسون شافيتز الجمهوري ورئيس لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي بالكونجرس على تويتر يقول إن «مولر اختيار عظيم. مؤهلاته لا تشوبها شائبة. يجب أن يكون مقبولا على نطاق واسع». أما تشاك شُومر، زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ الأمريكي، فقد أصدر بيانا ورد فيه ان «المدير السابق مولر هو بالضبط ذلك الشخص الذي يصلح لهذا العمل. أنا الآن لدي ثقة كبيرة في أن التحقيق سيتعقب الحقائق أينما اتجهت». ولا تكاد تكون هنالك حاجة تقريبا للقول إن شافيتز وشومر غير معتادَين على الاتفاق فيما بينهما (حول أي مسألة) ولكن بعض زملاء شومر كانوا أقل حماسا بعض الشيء تجاه الإجراء الذي قامت به وزارة العدل.

فنانسي بيلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب صرحت بأن تعيين «مستشار خاص هو الخطوة الأولى. ولكنها لا يمكن أن تكون الأخيرة». ومضت إلى القول ان تعيين مولر «لا يمكن أن يحل محل لجنة خارجية ومستقلة حقا ومتحررة تماما من تدخل إدارة ترامب» تلك ملاحظة وجيهة أدلي بها أيضا آدم شيف النائب الديمقراطي والرجل الثاني في تراتبية لجنة الاستخبارات بمجلس النواب. ومن جهة أخرى، لم تثمر التحقيقات التي يقودها الحزب الجمهوري في الكابيتول هل (الكونجرس) الكثير حتى الآن.

وربما قد يجد بعض الجمهوريين إغراءً في التعلل بتعيين مستشار خاص للإبقاء على بطء هذه التحقيقات بل وحتى إبطاؤها أكثر. يجب عدم السماح بحدوث ذلك. ولكن بعد أن قلنا ما قلنا فإن النبأ الجليل حقا هو تولي شخصية مستقلة تحقيقا جنائيا من الممكن جدا أن يقرر مصير رئاسة ترامب. فبإقالته كومي، بعد الزعم بأنه ضغط عليه كي يوقف التحقيق مع فلين، يكون ترامب من وجهة نظر البعض، قد أساء استخدام السلطة بشكل واضح وشن هجوما خطيرا على مؤسسات الديمقراطية الأمريكية. ويوم الأربعاء، جاء الرد (على هذا الهجوم) من إحدى هذه المؤسسات (وزارة العدل) وهذا شيء يدعو إلى الشكر والعرفان.