Untitled-1
Untitled-1
روضة الصائم

حياة وحكاية لنقاط نور مضيئة من الزمان العماني الجميل

26 مايو 2017
26 مايو 2017

روائع المساجد الأثرية العمانية -

محمد بن سليمان الحضرمي -

ما أكثر الجوامع والمساجد التي يؤمها المصلون في كل مكان، ولكن للتي سنتحدث عنها طيلة أيام شهر رمضان حكاية خاصة، سوف نسردها ما توصلنا إلى معرفتها، نسرد حكايتها وتفاصيل الحياة حولها، باعتبارها نقاط نور مضيئة من الزمان العماني الجميل، تؤكد ذلك تلك المحاريب المزخرفة، التي بقيت صامدة رغم حركة الزمان، ومعه تتحرك كل الأشياء الثابتة، بقيت هذه المساجد الطينية أو الجصية بمحاريبها الأخاذة، لتقدم أنموذجا من روائع أساتذة فن التنقيش على الطين المحروق، وما أبدعته أناملهم من لوحات فنية تختلف شكلا وحجما، بحسب ظهورها في أزمنة مختلفة؛ أقدمها يعود إلى القرن السابع الهجري، وقد يعود فن التنقيش إلى أبعد من هذا التاريخ، إذ ما أكثر المحاريب التي جار عليها الزمان وعاث بها الناس، كانت يوما ما تحفا فنية وتراثا ثقافيا رائعا.

بين عامي 1976 – 1986م، أقام الباحث المعماري والمؤرخ باولو كوستا من جامعة بولونيا بإيطاليا في السلطنة، وعمل على حصر وجَمْع المعالم الأثرية الدينية، وثقها في كتابه (مساجد عمان .. وأضرحتها التاريخية)، ترجمه إلى العربية د. عبدالله بن ناصر الحراصي، صدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عام 2006م.

دراسة كوستا أظهرت وجود حوالي مائة مسجد وجامع أثري في عمان، تمتد ويستمر صمودها على مدى ألف عام، وبلغت العوامل الجمالية دورا أكبر في مساجد وجوامع الساحل، لكن المساجد والجوامع القديمة الباقية في الداخل أكبر عددا.

وبلا شك فإن تقصي الجوامع والمساجد الأثرية في عمان يفضي إلى رقم أكبر مما ورد في كتاب كوستا، خاصة وأن كثيرا منها قد اندثر، وأضحت مجرد أطلال متداعية، وضاعت بما تحمله من جماليات في العمارة أو قطع من فن التنقيش على المحاريب أو المنابر أو الأسقف، وباندثارها ضاع تاريخ كان مكتوبا في اسطواناتها، وواقع الحال يقول: إنها أصبحت أثرا بعد عين.

أعقبتها دراسة أخرى للدكتور إيروس بلديسيرا من جامعة البندقية بإيطاليا، تمت دعوته من قبل وزارة التراث والثقافة، خلال عامي 1986م، و1993م، فتخصص في قراءة ووصف المحاريب المزخرفة في الجوامع والمساجد الأثرية، في الوقت الذي كانت فيه تلك النقوش أشبه بالطلاسم، حيث يصعب قراءتها، وفك رموزها وتحليل نقوشها، وهذا الجهد وثقه في كتابه (الكتابات في المساجد العمانية القديمة)، صدر عن وزارة التراث والثقافة 1994م.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك دراسات أخرى كتبها باحثون عمانيون، تخصصت في هذا الجانب ولكن بصورة إعلامية موجزة، أذكر منها التي كتبت عن الولايات العمانية بعينها، فجاءت بمثابة مفاتيح تعرف الباحث على هذه الصروح الدينية.

وفي هذا الملحق الرمضاني «روضة الصائم»، الذي دأبت جريدة عمان على إصداراه سنويا خلال هذا الشهر، سوف نعيش يوميا مع بعض من هذه الجوامع والمساجد الأثرية، تعرفنا عليها من خلال تطوافنا داخل الحارات القديمة، لنكتشف تراثا هائلا من الإرث المعماري العظيم داخل هذه المدن، لذلك سوف نختار 30 جامعا ومسجدا أثريا، نستأنس بالحديث عنها، ونذكر القارئ بها، فلعل مثل هذه الاستطلاعات قد تُحْدِثُ فهما لدى الناس، أن لا يهدموا ما تبقى منها، لأنها جزء من التراث الثقافي للوطن، وقطع فريدة نقلتها القرون المتلاحقة إلينا، فلا يصح أن نفرط فيها، هكذا بين عشية وضحاها، ولديهم الأمكنة الذي يمكن أن يبنوا فيها معالم دينية حديثة العمران، دون المساس بهذه المعالم الأثرية.

30 حلقة بدءا من اليوم، ستتواصل يوميا في هذه الصفحة، نطل من خلالها على إبداعات الإنسان العماني في هذه الكائنات الطينية والجصية الجميلة، التي تنادينا من أعماق صحونها الداخلية أن نكتب عنها، ونقيم لها رسائل ودراسات.

ولأننا لا نستطيع أن نستوفي كل المساجد العمانية المهمة في محافظات السلطنة، فإن الاختيار سيقتصر فقط على القديم منها، وعلى المدهش في البناء، والعجيب في التكوين، وإن كان أغلبها من محافظة الداخلية بسبب كثرتها فيها، لنستمتع معا مع روائع المساجد الأثرية العمانية: (حياة وحكاية)، ولتكون في حياتنا نقاط نور مضيئة.