روضة الصائم

الجــريمة

26 مايو 2017
26 مايو 2017

د . ناصر بن عبدالله الناعبي -

هناك تعريفان قانونيان للجريمة، أحدهما شكلي بحت والآخر موضوعي . فالتعريف الشكلي هو أن الجريمة هي كل سلوك قرر له القانون الجنائي عقابا.

فيكفي للتحقق من أن سلوكا ما يعتبر جريمة تصفح قانون الجزاء للتيقن بين دفتيه مما إذا كان هذا السلوك مقررا له عقوبة فيوصف بعدها بأنه جريمة، وإلا اعتبر هذا السلوك الذي لم يقرر له عقوبة بأنه سلوك خارج عن مجال المسؤولية الجنائية.فمثلاً عدم وفاء المقترض برد مبلغ القرض في الموعد المحدد بين المقترض والمقرض، سلوك لا يعاقب عليه القانون الجنائي، بحيث إن الشكوى فيه أمام الادعاء العام مآلها الحفظ لأن القانون لا يعاقب على الواقعة، وإن كانت تستوجب تدخل القانون المدني بدعوى يرفعها المقرض ضد المقترض كي يحكم له بمبلغ القرض وبالتعويض عن تأخر رده وينفذ الحكم الصادر بذلك على أموال المقترض ولو بالتنفيذ الجبري.

والذي يقتضيه النظر القانوني بشأن التعريف الشكلي للجريمة أنه سوف يترك الدولة طليقة من كل قيد من حيث تفرض العقاب أو لا تفرضه حسب هواها في ذلك، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه أن تتحول الدولة على إثره إلى دولة بوليسية تستبد بمواطنيها دون قيد أو شرط.

وبشأن التعريف الموضوعي للجريمة من وجهة النظر القانونية فهو كل سلوك يراه المشرع مخلا بكل ركيزة من ركائز المجتمع للكيان الاجتماعي من حيث مقومات الحسن والكمال في الحياة الاجتماعية.

فمن ركائز الكيان الاجتماعي مثلا امتناع الإنسان عن السب والشتم والقذف، حيث لو تشاتم الناس بالكلام القبيح لأدى ذلك إلى إنقاص الرباط الممسك بتعايشهم المشترك في زمان ومكان معين، ويعني ذلك انهيار كيانهم المادي والمعنوي، ولو انطلق هتك العرض والاغتصاب بين الذكور والإناث لصار الناس في المجتمع مثل الحيوانات وانهار كيانهم المادي والمعنوي كذلك. وخلاف ذلك التزام الناس بالصلاة خمس مرات في اليوم ليس ركيزة للكيان الاجتماعي بدليل أن المجتمع لا ينهار إذا ما تخلف الناس عن هذه الصلاة ولا تستطيع الدولة أن تقييم رقباء على الناس يتعقبون من لا يصلي من بينهم ، الأمر الذي من أجله تركت العبادات كأمر يخص العلاقة بين المرء وربه.

والواقع أن محاربة الجريمة تكلف الدول نفقات طائلة تتمثل في رواتب رجال القضاء وتشييد السجون ومصاريف المساجين، فسيف العقاب لا مقبض له فهو يجرح الضارب به كما يجرح المضروب.

فلا عجب حينما تقتصر الدولة التجريم على المسلك المخلة بركائز الكيان الاجتماعي ودعائمها المعززة تاركة التصدي للمسالك المخلة بمقومات الحسن والكمال إلى الفروع الأخرى للقانون وعناية المربين والمدرسين وعلماء الدين.