1019982
1019982
إشراقات

خطوات الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك.. «2»

25 مايو 2017
25 مايو 2017

نســتقـبـلـه بالــتــوبة -

المصدر: موسوعة النابلسي -

صعد النبي صلى الله عليه وسلم منبره، فلما صعد الدرجة الأولى قال: آمين، فلما صعد الدرجة الثانية قال: آمين، فلما صعد الدرجة الثالثة قال: آمين، بعد أن انتهى من خطبته سأله أصحابه يا رسول الله علامَ أمنت؟ قال: جاءني جبريل فقال لي: رَغِمَ أنف عبد أدرك والديه فلمْ يدخلاه الجنة، فقلت آمين، ثم جاءني، وقال: رَغِمَ أنف عبدٍ ذُكِرتُ عنده فلم يصلّ علي، فقلت آمين، ثم قال: رَغِمَ أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له.

إن لم يُغفر له في رمضان فمتى؟

ما ذكرت هذا في مطلع قدوم مطلع شهر رمضان إلا لأنني أعلم من خلال ما يحيط بي من البيئة التي نعيشها، من العادات والتقاليد التي نألفها أن شهر رمضان شهر السهرات، شهر الولائم، شهر المسلسلات، شهر الأعمال الفنية التي تصنع خصيصاً لرمضان، إكراماً لهذا الشهر، وهذا الشهر أراده الناس على غير ما أراده الله عز وجل، إنه شهر عبادة، إنه شهر إنابة، إنه شهر تقوى، إنه شهر القرآن، إنه شهر الإنفاق، إنه شهر القرب، إنه شهر الحب، هكذا أراده الله عز وجل ، إنه فرصة، فرصة ثانوية، تصطلح فيه مع الله، تفتح مع الله صفحة جديدة.

«عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيْماناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

هذه العادات تكبّلنا، وتعيق انطلاقنا إلى الله عز وجل، انه ينبغي أن تصوم كما أراد الله، ينبغي أن ترقى كما أراد الله، هذا شهر يصوم فيه الناس، وبعض الناس يصومون أحياناً صوماً لا معنى له، لا يدعون قول الزور ولا العمل به، لا يكفون عن غيبة ولا عن نميمة، لا يغضون أبصارهم عمَّا لا يحل، هم عاديون، إلا أنهم حولوا الوجبات النهارية إلى وجبات ليلية فقط، هم هم، لذلك هذا الشهر شرعه الله لنا كي نتابع الرقي إلى الله، هذا مستوى، وقد شرعه لنا كي ندافع التدني، فإما أن تتابع الترقي، وإما أن تدافع التدني، لكن الشيء الذي لا يعقل أن يصوم الإنسان كالناقة حبسها أهلها، لا تدري لِمَ حبستْ، ولا لِمَ أُطلِقَت، إذاً نحن على أبواب عبادة شعائرية، والعبادات الشعائرية في الإسلام مرتبطة بالعبادات التعاملية، فحينما تضبط لسانك، وحينما تضبط عينيك، وحينما تضبط أذنيك، وحينما تضبط يديك، وحينما تضبط رجليك عن السير إلى مكان لا يرضي الله، وحينما تقيم الإسلام في بيتك وحينما تضبط دخلك وإنفاقك، وحينما تقرأ القرآن، وحينما تؤدي العبادات في إتقان شديد، عندئذٍ يسمح الله لك أن تتصل به، وعندئذٍ تذوق من حلاوة القرب، تذوق معنى التراويح، تذوق معنى قيام الليل، تذوق معنى أن الله معك، تذوق معنى أن الله غفر لك، وأنّ الله طهرك.

للعبادات الشعائرية شأنٌ كبير، إذا صحبها التزام دقيق، صحبها طاعة لله، صحبها ضبط للأمور، صحبها إقامة الإسلام، صحبها إقبال على الواحد الديان، عندئذٍ تصح هذه العبادات وتقطف ثمارها، ولكن لن أقول ولن أقول ولن أقول لمن يؤدِّي عباداتٍ شعائريةً أداء شكلياً: لا تؤدِّ هذه العبادات، أقول أضف إليها طاعة الله عز وجل، أضف إليها ضبط اللسان، وأن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى.

رمضان فرصة ذهبية سنوية تصطلح فيه مع الله، بماذا أمرك الله في رمضان؟ أن تَدَع الطعام والشراب، أن تدع ما هو مباح لك في الليل، فأنت حينما - لا سمح الله ولا قدر - تفعل شيئاً من المعاصي يختل توازنك، لقد تركت المباح، فَلَأَنْ تدع المحرَّم من باب أولى، فهذا الذي يغتاب، هذا الذي يشهد شهادة زور، هذا الذي يحلف أيماناً كاذبة، هذا الذي يطلق بصره في رمضان، هو ممتنع عما هو مباح خارج رمضان، فلأَنْ يكون ممتنعًا عن الحرام من باب أولى، يختل توازن الصائم، حينما يدع ما هو مباح، ويقترف ما هو غير مباح.

معنىً آخر من معاني الصيام: أنت مفتقر إلى الله عز وجل، مفتقر في وجودك إليه، مفتقر إليه في استمرار وجودك، مفتقر في كمال وجودك إليه، مفتقر إلى هذه اللقيمات التي تأكلها، مفتقر إلى كأس الماء الذي تشربه، أنت في الإفطار تأكل وتشرب وتنام، تشعر بقوة وحيوية ونشاط، ولكن حينما تدع الطعام تشعر أنك امرؤٌ ضعيف، أنك امرؤ مفتقر في وجودك إلى لُقَيْمَاتٍ تضعها في فمك، فهذا الذي يقول أنا، ويقول أنا، ويطغى، ويتكبر، وينسى المبتدى والمنتهى، ويعلو على عباد الله هذا ما عرف حقيقة نفسه، فلعل من معاني الصيام أن تكتشف عبوديتك لله عز وجل، أن تكتشف افتقارك إليه، ودائماً وأبداً حينما تعتد بنفسك يتخلى الله عنك، وحينما تفتقر إليه يتولاك بالحفظ والرعاية والتوفيق، فنحن بين امتحانين، لعل في رمضان كشفاً لافتقارنا إلى الله عز وجل، ولعل في رمضان تقوية لإرادتنا على طاعة الله، لأننا تركنا المباح، فلأَن ندع غير المباح فمِن باب أولى، لعلنا في رمضان نصون كل جوارحنا وكل أعضائنا، وكل ما حولنا عن معصية الله.

هذا الشهر فيه عتق من النار، فيه رحمة من الله، كان عليه الصلاة والسلام جواداً، وكان أجود ما يكون في رمضان، شهر الإنفاق، أنفق بلال ولا تخشَ مِن ذي العرش إقلالا، عبدي أَنفِقْ أُنفِقْ عليك، درهم تنفقه في حياتك خير من مائة ألف درهم ينفق بعد مماتك، إنه شهر الإنفاق، شهر الجبر بتعبير العامة، شهر العطاء، شهر المواساة شهر صلة الرحم، لا شهر الفسق، لا شهر الانحراف، لا شهر الولائم التي لا ترضي الله، فيها اختلاط، وفيها نساء بأبهى زينة وهنَّ جميعًا في رمضان في تبذل وقلة احتشامٍ.

وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من قراءة القرآن في رمضان يجب أن ترسم برنامجًا لك جديداً في رمضان، دورة مكثفة، دورة من ثلاثين يوماً، لا بد من أن تخرج من رمضان إنساناً آخر.

ومن أنسب الموضوعات قبل رمضان موضوع التوبة، والإمام الغزالي رحمه الله يقول: «التوبة علم، وحال، وعمل»، هي علم لأنك إنْ لم تعرف منهج الله التفصيلي لم تعرف ذنوبك، وبالتالي لا تتوب منها، أنت لا تتوب من ذنب إلا إذا عرفت أنه ذنب، لذلك ما لي أرى الناس يغرقون في المعاصي ويقول ماذا نعمل، ما من إنسان إلا ويقول قائلُهم: أنا مستقيم، والحمد لله، أنا أحب الله، أنا أعمل للجنة، ولا ترى في عمله ما يؤكد ذلك، إما أنه يتجاهل، أو يجهل، على كلٍّ إذا أحسنا الظن به يجهل، إذاً لا بد من أن يكون لك عمل يحملك على التوبة، ثم إذا كان هناك علم لا بد من حال الندم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»

أما الشيء الخطير في التوبة العمل، فهو الذي يتشعب إلى ثلاث شعب.. إصلاحٌ لما صدر منك سابقاً.. إصلاح تابوا وأصلحوا، وإقلاع في الحاضر.. وعزمٌ في المستقبل ألاّ يعود المرءُ إلى هذا الذنب.. فعلم وحال وعمل، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لَلَّهُ أفرحُ بتوبة عبده من الضال الواجد والعقيم الوالد والظمآن الوارد «.

وما من حديث فيه شفافية بالغة عن مفهوم التوبة كحديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ»، فكل واحد منا عليه أن يعقد العزم على توبة نصوح، وعلى فتح صفحة مع الله ولعل الله سبحانه وتعالى يعتقنا من النار في آخر هذا الشهر.