1021491
1021491
المنوعات

النادي الثقافي يراجع «نقديا» أعمالا روائية عمانية وبوسنية.. والقراءات متفاوتة

24 مايو 2017
24 مايو 2017

9 روايات برؤيا مختلفة -

كتب ـ عاصم الشيدي -

تباينت القراءات واختلفت مستوياتها في الجلسة القرائية النقدية في روايات عمانية وبوسنية التي نظمها النادي الثقافي مساء أمس الأول، ففي حين نحت بعضها إلى تقديم قراءات أكاديمية سيميائية اكتفت أخرى بتقديم قراءات انطباعية.

وشارك في الندوة 6 باحثين اثنين منهم من جامعة سراييفو وأربعة باحثين عمانيين. حيث شارك من جامعة سراييفو الباحث والأكاديمي الدكتور منير مويتش وقدم قراءة في ثلاث روايات عمانية هي «الباغ» لبشرى خلفان، و«ذاكرة الكورفيدا» للخطاب المزروعي، و«اسمها هند» لمحمد بن سيف الرحبي. فيما قدم الدكتور ميرزاسارايكتش قراءة في روايتي «سندريلات مسقط» لهدى حمد، و«القناص» لزهران القاسمي.

وقدم الكاتب محمد اليحيائي ورقة حول الرواية البوسنية «هادئا يتدفق أونا» للروائي البوسني فاروق شيخ، وقدم الدكتور حمود الدغيشي قراءة في رواية «الشهيد» للروائي زلهاد كلوتشانين، والدكتور علي المانعي قدم قراءة في رواية «سربرينيتسا» للروائي إسنام تاليتش، واختتمت الجلسة الدكتورة عزيزة الطائية بقراءة في رواية «القلعة» للروائي محمد ميشا سليموفيتش.

ورغم تنوع موضوعات واشتغالات الروايات العمانية التي قدمت فيها قراءات من قبل الباحثين البوسنيين إلا أن الروايات البوسنية التي قرأها الباحثون العمانيون تناولت في الغالب ثيمة الحرب، الحرب البوسنية.. كانت الحرب حاضرة في كل الروايات أو إنها لم تفارقها أبدًا.

بشرى خلفان «الباغ»

في حديثه عن رواية «الباغ» لكاتبه بشرى خلفان وصف الدكتور منير مويتش الرواية التاريخية بأنها رواية ملء فراغات، يملأ بها الكاتب الفراغات في كتب التاريخ، مشيرًا إلى أن كتب التاريخ برمتها لا تهتم بالشخصيات العادية ولا بالتفاصيل اليومية، وهذا ما تقوم به الرواية.

ورأى الباحث في قراءته للرواية أن بشرى خلفان تتعامل مع الحكي بطريقة لا يمكن معها عزل العالم الداخلي للرواية عن العالم الخارجي للحياة الاجتماعية والواقعية، أو بمعنى آخر أنها توازن «بنجاح» بين سعة الخيال والسياقات والدلالات التاريخية والاجتماعية والثقافية المعقدة والمتنوعة. ويذهب الباحث إلى القول: إن «الباغ» يلتقي فيها الأفق الأدبي والأفق الذي يجمع بين الجوانب التاريخية والاجتماعية والثقافية، كما ينصهر فيها الخطابان: الخطاب الفني الأدبي والخطاب التاريخي المحايد أو بعبارة رولان بارت تلتقي «اللغة الاصطلاحية» مع «اللغة الإنسانية».

ويتحدث منير مويتش عن الدرامية في الرواية التي تنبثق من الفرق بين السعي والمسعى على حد تعبيره .. ففي بداية القصة نجد جملة يقولها راشد عزما لأخته ريا وهما أمام الماء الغاضب: «نخوض، ويا نوصل رباعة يا يشلنا الوادى رباعة». هذه الجملة هي جملة ختامية في الرواية ـ في المشهد الأخير تسمعها ريا من بعيد وهي تشعر بتدافع ماء الوادي وهو يرتفع... (هي تموت). هذه الجملة الافتتاحية والختامية في الوقت نفسه هي أقوى شفرة في الرواية كلها. لكن رغم ذلك فإن الباحث يرى أن دلالة العبارة تختلف بين البداية والنهاية فلا تعني نفس المعنى. وليس من المصادفة أن تنتهي الرواية بلقاء ريا وأخيها راشد واستذكارها كلماته «نخوض، ويا نوصل رباعة يا يشلنا الوادي رباعة» ففي هذه المرة هي تشعر أن الماء يغلب، والروائي تشتغل هنا موتيف «الموعد في سامراء/‏‏ الموت في سامراء» وكما أنه لا مفر من الموت هكذا لا مفر من الواقع. الواقع يسكن في كل مكان والعبور إلى «ضفة أخرى» لا يعنى نجاة حتما.

وتحدث الباحث عن التحولات التي شهدتها حيوات الشخصيات راشد/‏‏ريا، فراشد الذي ذاق طعم العبودية تحت أثقال الزكائب وصراخ صاحب العمل أصبح عسكريا في جيش السلطان وقيادة الضابط البريطاني، وريا أصبحت معلِمة تعلم القرآن .. زاهر ابن ريا، أصبح قوميًا في الكويت، يتأمل خريطة العالم العربي، يستمع إلى «صوت العرب»، يشجع عبد الناصر، وبعد النكسة أصبح شيوعيا وانضم إلى ثوار ظفار.. التحولات لا تنام أبدًا ولا ترحم أحدًا. في البلاد التي هرب إليها راشد وريا منها كان كل شيء بسيطا، حتى العدل والظلم والحرية (كان قطع النخيل قمة الظلم). خارج البلاد في العالم الحقيقي تتشابك عوالم مختلة، وتسودها الحيرة. في لحظاتها الأخيرة تستذكر ريا زاهرا في الباغ. وسيميائية هذا المكان (الباغ) تصور الهروب من العالم الخارجي من عالم التحولات.

ويرى الباحث أن الرواية تكونت من فصول مرتبة بطريقة المفارقة الزمنية، وتجنبت الروائية التوافق بين الترتيب الذي يحدث فيه الأحداث والتتابع الذي تحكى فيه مما يجعل انتباه القارئ دائما في حالة اليقظة. تمثل كل فصل في الرواية الواقعة الاسترجاعية ويعود بنا إلى مدى معين من الماضي. السارد في الرواية يحيط بكل شيء مما أعطى ذوقًا تسجيليًا للسرد، وفي نفس الوقت لا يخلو النص من التقنية السيكولوجية التي تتحقق في أماكن مختلفة بشكل الحوار الأحادي المسرود.

ذاكرة الكورفيدا

بعد ذلك قدم الدكتور منير مويتش قراءة في رواية «ذاكرة الكورفيدا» للخطاب المزروعي، معتبرًا أن الفرق بين القصتين المتوازيتين للشخصيتين الرئيستين في الرواية: مرزوق وعثمان يكاد يبلغ حد التناقض.

البطل الرئيسي هو مرزوق ويمكن القول إن الرواية هي صورته، أما شخصية عثمان فهي ليست إلا مرآة تنعكس فيها صورة مرزوق. راصدًا بعض الملاحظات التي أجملها في: كل منهما يحمل عبء ذاكرته: عثمان رجع من الجيش وجسده مجروح ومرزوق رجع من السجن ونفسه مجروحة، جرح عثمان من عدو مجهول بينما مرزوق أصيب من أمه وجاره، عثمان يقبل أن يعيش مع ذاكرته أما مرزوق فيصارع معها في كل لحظة، عثمان -وهو عاجز عن الزواج لطبيعة إصابته- يقول «أريد أن أتزوج» ومرزوق قد كتب وصيته. عثمان غلب عليه الحزن؛ لأنه كان عاجزًا في مواساة أمه بعد أن حدثت له مأساته ومرزوق لم يكن قادرًا أن يغفر لأمه ورآها سبب مأساته، تمرض عثمان من الديدان عندما دخلت جسمه، وكان هذا تهديدا لحياته. ونجح مرزوق في أن يعالجه. أما مرزوق فتمرض من «ذاكرة الغراب» ولم ينجح عثمان في أن يعالجه.

ومن وجهة نظر الباحث فإن الخطاب المرزوقي نجح أن يواري في النص الرموز والدلالات والإشارات التي يمكن للمتلقي أن يأخذها وحدات تويلية يستنطق بها النص. وأعطى بعض الأمثلة: إن مرزوق وهو سجين لأجل ذنب لم يقترفه رأى «غرابا يحوم في الأفق»، ولم يكن من حظه أن يتعلم من غرابه هذا كيف توارى السوءة في تراب النسيان بل تعلم منه «درس الذاكرة» أي تعلم كيف أن يحوم حول السوءة. أما عثمان فإنه بعد أن نظر في بطن أكبر الدعاميص يشبه نفسه بالدعاميص: «ما الفرق بيني وبينها».

ويضيف الباحث في قراءته للرواية: الباعث الأساسي في هذه الرواية كما هو مشار إليه في العنوان هو الذاكرة وهي الذاكرة السير ذاتية أو بعبارة أصح هي المصارعة المقتلة مع اللامنسيِ. غموض معنى كلمة الكورفيدا في العنوان يثير الفضول ويشترط من القارئ الانتباه بما أنها لا تذكر إلا مرة واحدة في الرواية (الكورفيدا نوع من الغراب له ذاكرة قوية). أصبح مرزوق معجبا بالغراب حينما صوره أثناء مسابقة في التصوير بين السجناء. ومن هذا «اللقاء التصويري» ولدت «اللعنة الغرابية» أي إحساس تماهي مرزوق مع الغراب ـ «الذاكرة الغرابية» ـ التي لا تسمح له اللجوء إلى رحاب النسيان.

ويرى الباحث أن الروائي يؤجل «لذة النص» بعناية.. تغوينا مهارته السردية حتى نهاية النص أن نقرأ النص من خلال منظور المأساة الكلاسيكية، المنظور الشيق والمقبول دائما. لكن الصراع في المأساة لا يبدأ صراع بين الخير والشر بل صراع بين العدلين الشخصيين أي بين ما يراه مرزوق حقا له وبين ما يراه سعيد بن مبروك حقا له، وهو نفس الشيء: حب عائشة. والبطل المأساوي، أي مرزوق، يخضع لقانون هامارتيا، وهذا حين وقع في الحب مع عائشة، خطيبة سعيد بن مبروك، بعد لقاء المصادفة بها. وهذه المصادفة أو «قصر نظر البطل في موقفه» أي عدم فهمه للعواقب جعله يقع في السجن ويأخذ سعيد بن مبروك حبيبته. وفي النهاية يكشف الروائي لنا أن نفس سعيد بن مبروك هذا كان من خرج من غرفة والدي مرزوق في صباه عندما كان أبوه غائبا. هنا ندرك أن ما يذكره ويستذكره مرزوق بذاكرة الكورفيدا ولا يمكن أن ينساه ليس مأساة بل أشد منها وهو الشر لم يستحقه بأي شيء ولا عن طريق المصادفة.

اسمها هند

بعد ذلك تحدث الباحث عن رواية محمد بن سيف الرحبي «اسمها هند» .. المكتوبة، وفق الباحث، على شكل المواصلة الإلكترونية بين الكاتب وامرأة «مطلقة» تدعي أن اسمها هند.. تتكون الرواية من أبواب تحمل كلها عنوانين «اسمها هند» أو «اسمي هند» بالمناوبة باستثناء الباب الأخير وعنوانه «ربما اسمها ليس هند». الأبواب التي عنوانها «اسمها هند» تحتوي على مونولوجات الكاتب ورسائله الإلكترونية التي يكتبها إلى هند أما الأبواب التي عنوانها «اسمي هند» فهي تحتوي على رسائل إلكترونية تكتبها هند للكاتب.

ويرى الباحث أن الموضوع الأساسي في الرواية هو تسخير ذكورية الثقافة وقبل كل شيء من حيث تفكيك كتابة الأدب كتابة ذكورية. القصة تجري كتجربة تريد هند أن تعرف منها هل يقدر الرجل أن يكتب الكتابة النسوية؟!!

تطلب هند من الكاتب أن يكتب رواية عنها: «لديك كلمات ولدي حكاية». وهذه المسلمة يبدأ منها تسخير صورة الكتابة كشيء يعلو فيها دائما صوت الرجل، ومع أن النص مليء بالتداعي الذي يؤكد أن هندا لها وعي نسوي قوي فإنها تترك كتابة حكايتها للكاتب وتجبره على أن يكتب هو وأن يكون صوتها صوتا مسموعًا.

الكتاب الرجال ـ تدعي النسويات ـ وفق الباحث هم ممثلو المجتمع الذكوري يحتل فيه الرجال مكان المرسل والمرسل إليه ودائما يغيب صوت المرأة. عن طريق لعبة المراسلة تبدل هند الأدوار وتصبح هي المرسل والمرسل إليه .. ولا تثق هند باللغة «اللغة أيضا هي لغة الرجال» ولأجل ذلك تقول: إنها لا تسعى الأشياء كما تجري العادة بمسمياتها المعروفة. ويناقش الروائي حسب الباحث مشاكل أخرى تعالجها النظرية النسوية، من بينها ثنائية ما هو الطبيعي وما هو الثقافي، وإن غيرية المرأة وأفضلية الرجل أمر ثقافي ومكتسب، هذه الغيرية ترهقني كثيرا. وتستغل هند أيضا التسخير أداة تقوم على قلب يتم من خلال عكس للتمثل، والملفوظ لديها دائما يبدو شيئا آخر لا الذي تقصده. ورأى الباحث أن الرواية تثير الانتباه لشيء خاص، وهو أنها تبدو رواية نسجت على منوال الكتابة النسوية، وتأتي من قلم رجل!! ولكن بين «اسمها هند» و«اسمي هند» اختار الكاتب «اسمها هند» عنوانا لهذه الرواية مع أن هندا ‏امرأة تبتغي أن تكون الرواية حكايتها. خططت هند كل الحكاية بانتباه ونسيت العنوان والإمبراطورية الذكورية لا تنسى أبدا أن ترد كتابة.

بعد ذلك قدم الكاتب محمد اليحيائي قراءة في رواية «هادئا يتدفق أونا» للكاتب البوسني فاروق شيخ حملت عنوان «هادئا يتدفق أونا.. الرواية سرد الذات، وسيرة الحدث». وأكد الباحث منذ البداية أن العمل الذي يقدم فيه قراءة هو روائي إبداعي وظفت فيه التجربة الذاتية للكاتب توظيفا فنيا لا توظيفا توثيقيا تقريريا.

ومن جهة أخرى، فإن الرواية يمكن تصنيفها، وفقا للباحث، أنها من أدب الحرب رغم أنه يعتبر هذا التصنيف تصنيفا شكليا هدفه فهم أعمق لمنطلقات الحكاية ومادتها وفهم أعمق للسياق التاريخي للحدث الروائي وعلاقته بالمكان والزمان.

لا تروي الرواية سيرة حياة الكاتب/‏‏ الراوي أثناء الحرب، ولا تروي لنا يوميات الحرب، لكنها تسرد الاثنين معا، في صور حيوات مركبة، طبقات، الواحدة فوق الأخرى وفي صور ذوات تقف على جرف الهاوية، تقاوم السقوط والفناء وفي صور ذاكرة متشظية بين أزمنة يتدخل فيها الوعي بالحلم بالواقع، كما يتداخل الماضي بالحاضر.

يرى الباحث أنه من ناحية الشكل فإن الرواية قسمت إلى ما يمكن اعتباره مدخلا.. هذا المدخل قسم بدوره إلى خمس حكايات، وأما جسد النص فتوزع على خمسة وأربعين فصلا «حكاية» أو لوحة. وهذه الفصول توضع في مسار تسلسل تصاعدي.

على صعيد الشكل والحكاية يرى الباحث أن زمن السرد أو زمن الحكاية لم يتحرك من صفر إلى عشرة، كما في كتب السيرة الذاتية في العادة، ولكنه تحرك وفقا للذاكرة، من النهاية إلى البداية والعكس، ومن المنتصف إلى البداية إلى النهاية إلى المنتصف والعكس. بل إن الباحث يرى أن الزمن في هذه الرواية مغامرة فنية متقنة، خاصة في لعبة كسر الإيهام التي قام بها السارد في بداية الرواية، وبناء جسر من التوقعات لدى القارئ.

ثم تحدث اليحيائي عن «الرواية من زاوية أدب الحرب، أو سيرة الحدث» مشيراً إلى أنه لا أحد يعيش في زمن الحرب وفي دائرة عنفها دون أن يكون شريكا فيها، فاعلا أو مفعولا به، قاتلًا أو مقتولًا، مدمرًا أو مدمرًا. لكن بالنسبة للكاتب الحرب أكثر من موضوع عنف وقتل عابر، إنها اللحظة التي يعاد فيها اكتشاف الذات القاتلة أو الذات المقتولة، الذات التي تتحول، في متوالية الحرب وفي توازي وتساوي حظوظ الحياة مع حظوظ الموت، إلى مجرد رقم، رقم ناعم وأنيق، لكنه مجرد رقم يبقى وقد يمحى.

ويذهب الكاتب إلى القول: إن الرواية التي يقرأها رغم تصنيفها «أدب سيرة ذاتية» و«أدب الحرب» ورغم صواب الرأيين إلا أن الرواية داخل هذين التصنيفين وخارجهما، فكان الكاتب قد خاض الحرب متطوعا مدافعا عن الذات، وعن الحياة، وعن الأرض وعن الهوية، وأصبح شاهدا أصيلا لأحداث الحرب، ليومياتها وتحولاتها، وإذا كانت الرواية تتناول موضوع حرب البوسنة فإنها لم تسجل الحرب كأحداث ووقائع، وإنما كحالة من حالات التيه الإنساني، وحالة الفقد للأمان النفسي والاجتماعي، وللهوية الوطنية الجامعة التي تبعثرت وأصبحت بفعل الحرب هويات.

وحسب الباحث فإن الكاتب لم يكن معنيا بتسجيل يوميات الحرب قدر عنايته بالذاكرة التي وشمتها الحرب، الذاكرة الشخصية والذاكرة الجمعية، وقدر اهتمامه باستعادة المكان الحميم «بيت الجدة على نهر أونا» هذا البيت الذي عاش تاريخا من الانهيار والنهوض، فقد احترق أثناء الحرب العالمية الثانية عندما قصف الحلفاء البلدة عام 1942، وبعدها كنست الريح الرماد وذرته فوق نهر أونا، ثم أعيد بناؤه بيتا جديدا من الحجارة.

سندريلات مسقط

بعد ذلك تحدث الدكتور ميرزا سرايكتش وقدم قراءتين في روايتي «سندريلات مسقط» لهدى حمد و«القناص» لزهران القاسمي.

وفي حديثه عن رواية «سندريلات مسقط» قال الباحث: إن الرواية فضاء عجيب تتفوق فيه ثماني نساء، تتفاوت تجاربهن وأصولهن. تمتلك «سندريلات» القوة السرية من الجِنيات وهي الحكي. تريد السندريلات بهذه القوة المذهلة إزالة الهموم والأحزان من الناس من ناحية والابتعاد من مشقة وأعباء الحياة اليومية التي تحولت إلى روتينية مرهقة من ناحية أخرى. هذا الإطار للقصة يختلف كثيرا عن حكاية السندريلا الأصلية المشهورة. الاختلاف بين حكاية السندريلا الأصلية وحكاية سندريلات مسقط يعقد شبكة التناص ويثير عدة قضايا متعلقة بتشويه النص الأصلي.

يمثل هذا الفضاء لسندريلات مسقط مكانًا خياليًا يتضمن المدينة الفاضلة النسوية والعالم المعكوس في آن واحد. وفقا لهذا، حسب الباحث، تجمع المؤلفة بين الكشف عن عالم النساء المثالي وانقلاب العالم الذكوري بالطريقة الساخرة. لكن لكل حلم ولكل طوباوية جذور مرة في الواقع تنتبه إليها الساردة بعد المقدمة الفانتازية للرواية. هكذا لا بد لسندريلات مسقط أن يخلعن ستائرهن الجينية، وأن يرجعن إلى بيوتهن مع انسلاخ الليلة الاستثنائية.

يتولد هذا الاندماج بين الاستثنائي والاعتيادي سردًا روائيًا متلونًا بالواقعية السحرية إن صح هذا التعبير والتفكير تكون هذه الرواية قابلة للوقوع إلى درجة ما. وقد يكون هذا إحدى رسالات هدى حمد للقراء عموما وللمجتمع العربي بصيغة خاصة. وتحدث الباحث عن التشابه بين شهرزاد والسندريلات فى وظيفة الحكي كطريقة للبقاء علي قيد الحياة وفن تفكيك الصور النمطية المنحرفة قد انتشرت بين الرجال. كما تحدث عن تعدد الأصوات في الرواية وبأنها توسع اكتشاف فضاء المرأة العمانية ويلفت النظر إلى اختلاف أحوالهن وتنوع مجاهدة الأعباء اليومية.

ويرى الباحث أن كل صوت يمثل حكاية السجينة الهاربة من قسوة الحياة والذكريات.

بعد ذلك قدم قراءة في رواية «القناص» التي رأى أن ملامحها تتأرجح بين المدح النثري للجبال العمانية والسعي الداخلي للقناص المسن.

بطل الرواية صالح بن شيخان يصف بالتفاصيل الجمال الخارق للعالم الريفي في عمان. هذا الوصف يكشف عن الحب الدائم لهذه الأرض وطبيعتها. يكون هذا الحب باعثا ضخما يغطي باقي بواعث الرواية. تتبع صور الجبال الذكريات من الطفولة واحدة تتلو الأخرى. يبنى المؤلف بهذا التتبع بانوراما للعالم الريفي العماني ويؤكد هذا تأثير المكان العميق علي البطل وحلم حياته. من خلال هذا تصبح الطبيعة البطل الرئيسي في الرواية وهذا البطل يهمش حتى صالح بن شيخان ويقلل من شأنه.

ويضيف الباحث: خلف هذه البانوراما تتوارى قصة بحث صالح بن شيخان عن تيس الوعل الكبير. هذه القصة بدأت في طفولة البطل ولا تزال تتبعه في الحقيقة حتى وفاته. فتحول بحثه عن تيس الوعل الكبير من الحلم إلى الأعباء المثقل بما يدل علي التحول الدلالي ونلاحظ هذا التحول في جملة عم صالح: «ما تكون قناص إلا يوم تقتنص التيس العود» فتصبح النصيحة البسيطة هاجسا مدى حياته.

رواية الشهيد

وقدم الدكتور حمود الدغيشي ورقة حملت عنوان «الاحتفاء بالقبح .. قراءة في شهادة المكان في رواية الشهيد لزلهاد كلوتشانين». يقول الدغيشي في روقته إن الرواية التي يقرأها «الشهيد» تعد سجلا تاريخيا لوقائع بشرية وفضاءات متحققة في عالم روائي تحكمه لغة سردية متماسكة، تثير كثيرا من التساؤلات حول حقيقة العالم البشري الذي تتحكم فيه مجموعة السلاح والمال، إذ يختصر الكاتب في الرواية التاريخ البوشناقي الذي تعرض طيلة وجوده إلى محاولة طمس هويته، وتهميش ثقافته، بل ومحو وجوده؛ بسبب أيديولوجيته المشرقية الإسلامية.

وبذلك يرى الباحث أن الرواية هي رواية لمأساة البوشناق، أو إعادة قراءة لهذه المأساة بصورة مأساوية جارحة بعد أن أعيد ترتيب صورها ومكوناتها بصيغة أدبية فريدة.

كما قدم الباحث الدكتور علي المانعي قراءة في رواية «سربرينيتسا» واعتبر الباحث أن الرواية تعتبر رواية الحرب على البوسنة؛ رواية ترابطت فيها مكونات السرد الروائي لتصف العدوان الذي تعرض له أهل هذه القرية من أرض البوسنة في مرحلتين تاريخيتين؛ استطاع كاتب الرواية إسنام تاليتش أن يوثق الحرب توثيقا أدبيا تاريخيا؛ بكل تفاصيلها؛ لتصبح هذه الرواية وثيقة تاريخية كتبت بعد انتهاء الحرب مباشرة.

بطل الرواية (مرجان جوزو) شاهد العيان على الحرب الأخيرة، وحفيد (عبدالرحمن جوزو) شاهد العيان على مأساة القرية في الحرب العالمية الأولى. استطاع تاليتش أن يصف التطهير العرقي الذي تعرضت له القرية بين عامي 1992 إلى 1995؛ وهو الذي راح ضحيته أكثر من 13000 بوسني بين أطفال ونساء وشباب وكبار في السن، ويصف أشكال التعذيب الذي تعرض له الأهالي على يد الصرب والتشيتنيك على مرأى من قوات الحماية الدولية الناتو الذين تخاذلوا في ردهم عن الأهالي اللاجئين إليهم ليتم تسليمهم إلى أعدائهم.

تعتبر الرواية وصفا دقيقا لكل ما في البوسنة من أماكن وتضاريس وعادات وتقاليد؛ حتى أنك تشعر وأنت تقرأها كأنك أمام مشهد تلفزيوني لواقع مرئي لحياة البوسنيين في القرية؛ وأما الحرب فقد صورها تصويرا دقيقا يشعر القارئ بالعار من تخاذل المجتمع الدولي ومن كثرة الدماء التي أريقت بأشكال من العذاب وصلت لأكثر من 114 شكلا تعذيبيا. سربرينيتسا رواية في أدب الحرب تحكي الواقع على طريقة السرد بحلقاته المتصلة تجذب القارئ لمواصلة قراءتها وبما مزجه المؤلف من وقائع الحرب في فترتين زمنيتين تتشابه فيها كثير من المعالم وتتلاقى الشخصيات كي تصف معاناة هذا الشعب.