أفكار وآراء

مكافحة الإتجار بالبشر

24 مايو 2017
24 مايو 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

الاتجار بالبشر (ترافكنق) من الجرائم التي انتشرت حديثا بصورة ملفتة للنظر، ويتم ارتكابها بمنهجية منظمة في العديد من الدول حتى تلك الموصوفة بـ «المتقدمة». وبكل أسف، فإن هذه الجريمة ما هي الا نوع من أنواع العبودية التي ناهضت الشعوب للقضاء عليها، ولكنها أطلت برأسها من جديد حيث يتم استغلال البشر لبعضهم البعض دون مراعاة لإنسانيتهم. وفي الغالب الأعم، فان من يتم استغلالهم يمثلون الشرائح الضعيفة في المجتمع، من الأطفال والنساء والمرضى وفاقدي العلم والعمل. وهناك «عصابات» إجرامية تمتهن هذا العمل وتسخر له الإمكانيات المتعددة للمتاجرة بالبشر كأي نوع من أنواع السلع «الرخيصة».. ويوميا تطالعنا الأخبار بشباب في مقتبل العمر وهم يفقدون أرواحهم بسبب رصاص جنود الحدود أو أولئك الذين يذهبون كوجبات دسمة للأسماك والحيتان في قيعان البحار والمحيطات...

كرد فعل للصدمة التي أحدثتها هذه الجريمة النكرة، نجد الآن وفي العديد من الدول حركة قوية في وجه هذه الجريمة. في البحرين، مثلا، قامت اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص بإصدار «نظام الإحالة الوطنية لضحايا الاتجار بالبشر (الأشخاص)». وهذا النظام الخاص والحديث، الغرض الرئيسي منه يهدف لتعزيز إجراءات مكافحة الإتجار بالبشر وأيضا العمل علي توضيح وتنظيم دور الجهات المختصة وكذلك آليات تعاملها مع أي حالة إتجار أو يشتبه في إمكانية تحولها إلى حالة إتجار بالبشر.

وكذلك تم إصدار تشريعات قوية في العديد من الدول والمنظمات الدولية، وكل هذا العمل الهمام والمهم يتم انطلاقا من أن جريمة الاتجار بالبشر تشكل مخالفة جسيمة للمبادئ العامة التي تنادي بها جميع الأديان السماوية نظرا لانتهاكها للكرامة الإنسانية التي تحرص الأديان السماوية على صونها وحمايتها. وأيضا، فان ارتكاب هذا العمل الإجرامي يعتبر مخالفة صريحة للمبادئ الإنسانية السامية التي تنص عليها التشريعات الوطنية وما تتضمنه من أحكام قانونية منصوص عليها صراحة في القانون وبما ينسجم مع الاتفاقيات والمعايير الدولية والإجراءات الصادرة من المنظمات النشطة في هذا المجال.

في رأينا، فان انسجام التشريعات الوطنية مع التشريعات والإجراءات الدولية في مكافحة قضية الإتجار بالبشر يمثل تحديًا يتطلب العمل الجاد لتطوير الجهود الوطنية. وبهذا تظل الدول خالية من هذه الجريمة العالمية بكافة أنواعها وصورها المتعددة، مع إمكانية الجادة للتصدي لها واستحداث الآليات الكفيلة بالقضاء عليها في حال ظهور مؤشرات تدل على وجودها. ولتحقيق هذا، نلاحظ أن البحرين اتخذت بعض التدابير لضمان التنسيق والتعاون بين الجهات الحكومية والأهلية لمكافحة هذه الجريمة النتنة ضمن الرؤى والآليات التي تضمنتها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر. إن قانون مكافحة الإتجار بالبشر «الأشخاص» في البحرين، يتضمن تعريف حالات الإتجار بالأشخاص ويفرض العقوبات ضد كل من يقوم بحجز حرية العامل واستغلاله والاتجار به. وتنفيذا لهذا القانون تم تأسيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص وتضم في عضويتها الوزارات والهيئات ذات العلاقة في مكافحة هذه الجريمة السوداء التي تنتهك إنسانية الإنسان الذي كرمه الخالق جل جلاله خير تكريم. وهو القائل و(لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )... الآية... والخالق جل جلاله كرم الإنسان لعدة أسباب، من ضمنها، ليرث الأرض ويعمرها .. ولكل دور خلق من أجله لتعمير الأرض لجميع من عليها...

ولمكافحة هذه الجريمة، قامت البحرين بإنشاء وحدة خاصة لدعم وحماية القوى العاملة الوافدة وتم تأسيس أول مركز شامل كمركز للإيواء وتقديم العون. والهدف الأساسي للمركز، يتمثل في تقديم الدعم وحماية العمالة وفقًا للمواصفات الدولية. وتكملة لهذا المجهود، يأتي تدشين «نظام الإحالة الوطني لضحايا الإتجار بالبشر» الذي يعد الأول في المنطقة. ومن دون شك فان تأسيس هذا المركز ونظام الإحالة، يعتبران من الخطوات المهمة لبناء منظومة متكاملة لمكافحة الإتجار بالبشر. ومعا، يتوجا الجهود لترسيخ الثقافة المجتمعية التي تقوم على احترام حقوق الأفراد والمساواة بينهم دون النظر إلى اللون والجنس والدين.

ان «نظام الإحالة الوطني» الذي تم أصداره، يتضمن جوانب تنظيمية وأجرائية. والتنظيمية، تشمل والمسؤوليات والاختصاصات وعمل اللجان والجهات المعنية ذات الصلة، والإجرائية، تشمل الخرائط التوضيحية للعمليات والمسؤول عن كل إجراء والنماذج المستخدمة في العمليات، وهذا سيسهل عملية فرز الشكاوى المتعلقة بالعمّال حسب الاختصاص سواء كانت قضية عمالية، أو اتجار بالأشخاص، أو شكوى عادية، وذلك في خلال فترة زمنية قصيرة جدا وإحالتها للجهات المختصة، ممثلة في وزارة الداخلية أو هيئة تنظيم سوق العمل أو النيابة العامة أو المحاكم العمالية، ومن ثم متابعة سير الملف في هذه الجهات وتقديم العون والدعم للضحية ومتابعة حالتها و لا يقفل الملف إلا بانتهاء جميع الإجراءات القانونية والإدارية.

مكتب الأمم المتحدة الخاص بمكافحة الجريمة والمخدرات في دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة الهجرة الدولية، عبرا عن تقدير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، للجهود التي تبذلها البحرين في إطار تعزيز بيئة العمل وحماية القوى العاملة الوافدة وتوفير الظروف المناسبة لتجنب وقوعها كضحية إتجار بالأشخاص. ومن دون شك، فإن النظام الصادر من اللجنة الوطنية البحرينية لمكافحة الاتجار بالبشر أتي كعمل إيجابي وبصفة مشتركة ظلت مستمرة لبضع سنوات وبالتناغم مع المؤسسات الأهلية والرسمية ذات العلاقة محليا وإقليميا ودوليا.. وهذه خطوات عظيمة سيكون لها مردودها.

وعبر هذه الإجراءات وما شابهها، يتم الوقوف في وجه الاتجار بالبشر ومن يرتكبه. ان الجرائم، في كافة أشكالها، لا تقف بل ستبقي مع الإنسان حتي النهاية. ولكن، وفي جميع الأحوال، علينا اتخاذ كافة التدابير القانونية لمكافحة الجريمة وكبح جماحها... وبهذا نكون ساهمنا بفعالية وايجابية في القضاء أو السيطرة عليها، وهذا أضعف الإيمان لخدمة مجتمعنا وكل العالم.