1020339
1020339
المنوعات

الكاتب والصحفي طلال سلمان في حوار مع «عمان»: أزمة «السفير» أزمة مشهد عربي.. و«المال السياسي» كريم لمن يواليه

23 مايو 2017
23 مايو 2017

السفير بشّرت بالمقاومة وكانت في صفها.. وعلاقتنا بحزب الله أجلُّ من المال -

الجريدة مخلوق سياسي وإذا انعدمت السياسة فلا داعي لإصدار صحيفة -

لا يوجد حياد مطلق في الصحافة ولدينا قضية وموقف في المشهد العربي -

حاوره في بيروت : عاصــم الشيدي -

قبل عدة أشهر كتبت مقالا تمنيت فيه أن أكون في بيروت في اليوم الذي تتوقف فيه جريدة السفير.. ولا تعود تصدر ثانية، كنت أريد كصحفي أن أرصد ذلك اليوم، أن أرى عيون العاملين في جريدة السفير، وأن أرى القراء في بيروت وهم يودعون جريدة اعتادوها كل صباح، أرى المارة في شارع الحمراء وعلى مقاهيه وهم لا يحملون السفير. كنت أريد أن ألتقي رئيس تحريرها الأستاذ طلال سلمان لأسمع منه شخصيا لماذا توقف مشروع السفير وكان بين أهم المشاريع الصحفية في العالم العربي.. وتوقفت السفير ولم أستطع تحقيق أمنيتي. لكن اليوم لا يبعد فندق البريستول حيث أقيم عن مبنى جريدة السفير إلا مسيرة ثلاث دقائق سيرا على الأقدام هبوطا باتجاه شارع الحمراء.. وما زال الأستاذ طلال سلمان يأتي مكتبه في المبنى بشكل يومي.. كانت الساعة تشير بالتحديد إلى الثانية عشرة ظهرا. وكان طلال سلمان في انتظاري عند الوقت المحدد. عند المدخل من مكتبه كانت هناك صورة له وهو ما يزال شابا يصافح فيها الزعيم جمال عبد الناصر، تعود الصورة إلى عام 1959 عندما التقى عبد الناصر في دمشق بطاقم تحرير مجلة الحوادث الشهيرة التي كان رئيس تحريرها سليم اللوزي وكان طلال سلمان يعمل فيها في ذلك الوقت. جلس سلمان على مكتبه وجلست قبالته أتفحص المكتب الذي خلا من الزوار تماما، ولا يخلو مكتب رئيس تحرير من الزوار والمراجعين والصحفيين والمندوبين ومن مسودات الصفحات اليومية وخطط العمل وتوقعات الأحداث، ولكن طلال سلمان لم يعد رئيس تحرير.. والسفير لم تعد تصدر، ولم يعد لها وجود إلا في قلبه وفي الذاكرة والتاريخ. قلت له سنتحدث عن السفير وعن الصحافة الورقية وجدرانها التي توشك على السقوط. وكان هذا الحوار وهذه التفاصيل...

■ ■ رغم مضي بعض الوقت على توقف جريدة السفير.. لا زال السؤال مطروحا، لماذا توقفت السفير؟ لماذا توقف هذا المشروع الصحفي والثقافي، ولماذا في هذا الوقت؟

أزمة السفير ليست أزمة تخصنا وحدنا ولكنها تخص الصحافة المطبوعة بشكل عام، والصحافة اللبنانية بشكل خاص. الصحافة المطبوعة تعاني أزمة في كل العالم، أزمة حقيقية، أزمة وجودية مع وسائل التواصل الحديثة.. صارت وكأنها من عصر آخر. صار لكل إنسان صحيفة متحركة في جيبه وتعطيه كل أحداث الدنيا أولا بأول. وصارت الصحيفة متأخرة عن عصرها. أن تخرج في اليوم التالي لتعطيني أخبار اليوم السابق فهذا لم يعد مقبولا.. صارت الصحافة صحافة رأي، تعيش برأيها أكثر مما تعيش بأخبارها إلا ما ندر عندما يكون هناك سبق صحفي.

ثانيا: الصحيفة مخلوق سياسي، وإذا انعدمت السياسة فلا مجال لإصدار صحيفة ناجحة، صحيفة تكتب أخبار استقبل وودع!! أولا هذه أخبار من سقط المتاع، ثانيا لا ضرورة لإصدار صحف لهذا الغرض فالتلفزيون والإذاعات تقوم بهذا الدور وكفى . الصحيفة صحيفة رأي وموقف وصحيفة تغطية جدية للأحداث.. والتغطية ضمنا ليست محايدة بالمطلق، أنا لا أستطيع النظر للحرب في سوريا بنظرة خبير أجنبي . أنا قتيل وجريح في سوريا وأنا قتيل وجريح في اليمن، وأنا قتيل وجريح في العراق، أنا مهموم، وهذا همي. لا يمكن أن أتعاطى مع موضوع فلسطين وكأن هذه الأحداث في نيكاراجوا، أو في آخر الدنيا.. هذا في بيتي وفي غرفة نومي.. هؤلاء أطفالي وزوجي وزوجتي وأهلي.

إذا تناقص دور الجريدة المطلوب منها في التأثير والتأثر ما أهميتها.. أنا ليس دوري المهني أن آتي بتصريحات المسؤولين وأرتبها جنبا إلى جنب وأصور مناظر من الشارع وأضع تعليقا باهتا فقط ، أنا أتعاطى مع كلمة تعبر عن قضية وموقف. بالمعنى العام، مع الأسف، دور الصحافة الورقية يتراجع وفي بلدنا يتراجع أكثر لأن في بلادنا تكاد تنعدم السياسة. وأعطيك مثالا، رغم أنه مثال سخيف ولكنه معبر، منذ شهرين يشتد في لبنان جدل حول قانون الانتخابات، وهو جدل سخيف بطبيعته لأنه في بلاد العالم قانون الانتخابات ثابت بعد ان تتفق عليه الأحزاب والمفكرون والسياسيون خلاص لا جدال عليه، لكن معنا في كل دورة انتخابية يظهر نقاش يستمر شهورا حول قانون الانتخاب، ويعدل في كل مرة إكراما لطائفة من الطوائف أو توجها من التوجهات وآخر هم القانون هو المواطن أو الناخب فهو ينظر لطائفته ولا ينظر له باعتباره مواطنا بل يلغيه كمواطن . لو تصفحت الصحف اللبنانية ستلاقي الخبر الرئيسي فيها حول قانون الانتخابات وكلها ثرثرة بلا معنى.. وعلى المستوى العربي، مع الأسف، انعدمت السياسة في الوطن العربي، بمعنى كانت السياسة تعبيرا عن حركة صراع وعن تباين في وجهات النظر والأفكار وآراء تطرح وتستقطب أو تحاول استقطاب الرأي العام، أما الآن الأخبار عموما في المنطقة العربية عن الملوك والرؤساء.. تعقد القمة العربية فلا نعرف ماذا دار فيها.. صور بالألوان للاستقبالات وبيان ختامي مكتوب بلغة جليدية لا يعبر عن حقيقة ما دار فيها، ولا يشير إلى الخلافات والاتفاقات، الصراع مع العدو الإسرائيلي يكاد يكون خارج الذاكرة.. بالعكس الكلام كله عن التسوية مع العدو وكأن هذا أمر مشروع وطبيعي وبديهي.. إضراب الأسرى وصل شهرا ولا اهتمام ولا أي مسؤول عربي فتح فمه بكلمة واحدة تعاطفا أو تأييدا أو تضامنا مع هؤلاء المضربين الرائعين . وكأن الأحداث تدور في مكان آخر غير عالمنا العربي.

■ ■ بهذا المعنى قضية السفير هي قضية مشهد سياسي عربي أو ثقافي أو حضاري وليست قضية أن المال السياسي خانكم؟

المال السياسي مؤثر دون الدخول في التفاصيل.. أثرياء النفط والغاز كرماء مع من يواليهم ويروجون لهم... وأنت عليك أن تأخذ قرارك أن تكون مستقلا وحرا وتعبر عن قناعاتك التي ترى أنها أقرب إلى وجدان الأمة أو أن تكون مع المال السياسي. وإذا اخترت الأول فلن يكون مرحبا بك في هذه العواصم. ثم من المؤسف أن هؤلاء صادروا الإعلان العربي أيضا.. تحكموا في السوق الإعلاني وأغلقوا حدودهم عن كل الصحف اللبنانية.. كنا نصل إلى بغداد وإلى الكويت وقطر والإمارات وكانت لنا مبيعات ومع ذلك أيضا علاقات تجارية من خلال الإعلان وهذا كله أُقفل تماما. كنا أيضا ندخل سوريا، وسوريا تكاد تندثر الآن، مع الأسف، كان فيه حيوية سياسية في المنطقة، فيه صراع بين القومية والكيانية والطائفية والتقدمية، مع الأسف، هذا كله يكاد يكون قد اندثر.. الآن العروبة في حالة يرثى لها، صارت تهمة. إذا تحدثت عن العروبة كأنك تحكي عن زمن مضى في حين هي المستقبل من وجهة نظري. وقبل أن نصل إلى هذه التداعيات السياسية صار هناك صراع عربي إيراني بدون مبررات مقنعة، مصر عزلت نفسها وصارت بعيدة عن أي تأثير بل العكس صار يُؤثر عليها من دول وكأنها نقطة على الخارطة.. المعايير اختلفت والمقاييس اختلفت في العالم العربي. الأفكار القومية والتقدمية والتفكير في المستقبل يتراجع والواقع العربي البائس يسيطر على الناس. صرنا في لبنان نتحدث هل أنت من الجنوب أو من الشمال، وأيدينا على قلوبنا هل تقسّم سوريا، وهل يقسّم العراق، والله أعلم بحال اليمن، وليبيا اندثرت تماما، ومصر والجزائر غائبتان عن الوعي العربي.

■ ■ إذن من كان يمول السفير من عام 1974 حتى لحظة اقفالها.. نعرف أن الإعلان في كل الصحف وليس في العالم العربي فقط مورد غير كاف لتمويل جريدة تعمل بمهنية؟

مرت علينا فترات ازدهار أيام كان وضعنا جيد.. عندما صدرنا كانت ظروفنا صعبة ولكن نجحنا نجاحا لافتا وكانت الجريدة بزخم وبهُوية واضحة حتى أن أهم وكيل للإعلانات في لبنان هو من جاء إلينا طالبا أن يأخذ إعلانات السفير وإلى حد كبير بشروطنا.. ثم كان هناك سوق قراءة ممتاز، وصلنا في لحظات كنا نوزع فيه 50 ألف نسخة في اليوم.

أيضا كان العالم العربي مفتوحا ليس للتوزيع ولكن للإعلان أيضا، كان يمكن تمويل ملحق إعلاني عن قطر أو عن الكويت، أو عن الإمارات وكان هذا يشكل سندا ماديا جيدا، ثم إن النجاح أيضا يشكل عاملا مهما، عندما تصبح الصحيفة مؤثرة يراعونك أكثر خاصة قبل أن تجتاحنا الديكتاتوريات وقبل أن تقفل الحدود بين الدول العربية.. «يضحك» لو كان فيه مال سياسي كنا كملنا.

■ ■ البعض يقول إن أزمتكم ناتجة عن أن حزب الله أوقف دعمه أو أنه وجه دعمه لجريدة الأخبار فقط؟

مع الأسف الشديد أنا أعتبر هذا الكلام إهانة لحزب الله ولنا.. لنا لأننا كنا مع المقاومة في لبنان وفي غير لبنان قبل حزب الله، أيام الحزب الشيوعي والقومي اللبناني المقاوم ثم جاء حزب الله وواكبنا مسيرته من المرحلة الأولى، واكبناه لا نطلب جزاء ولا شكورا، هذا موقفنا، يمكن أننا بشّرنا بالمقاومة قبل أن تولد، قضية فلسطين كانت قضيتنا من قبل ومن بعد قضية التحرير، قضيتنا من قبل حتى ظهور المقاومة.. راجع أعداد السفير كنا مبشرين ومطالبين بالمقاومة ونروج لها. طبعا عندما بدأت المقاومة ارتفع الشهداء الشيوعيون وشهداء الحزب القومي في الصفحة الأولى، وعندما جاء حزب الله كان طبيعيا أن نواكبه، وأنا أعتز، ويشرفني، أن لنا علاقة مع الشيخ حسن نصر الله، وما تزال حتى اليوم، ومع حزب الله عموما، ولكن العلاقة بيننا، بين حزب الله والسفير، أجلّ وأكبر من أن تكون علاقة بالدولار والفلوس، نحن نجله ونقدره تقديرا عاليا وتضحيات حزب الله، وهو يتعامل معنا باحترام وبتقدير.

■ ■ أجريتم معه حوارات عديدة.

نحن الجريدة الوحيدة التي أجرينا معه أكثر من 6 حوارات، كان في كل سنة لنا معه حوار مميز، عملنا كتابا عن حرب تموز «يوميات حرب تموز» كنا مواكبين للمقاومة ولذلك هذا الكلام مسيء لنا كثيرا ولهم أيضا.. ولا أتحدث عن علاقتهم بالصحف الأخرى.

■ ■ البعض الآخر قال إن موقفكم في الأيام الأولى من «الثورة السورية» وأضع الاسم بين قوسين أثّر على تمويل السوريين لكم؟

هذه تهمة مضحكة.. لأن سوريا أفقر دولة في المنطقة، وأفقر دولة في التعامل مع الصحف، سوريا تقدم لك دعما معنويا ولكن ليس ماديا.. أنا لست موافقا على تعبير الثورة السورية.

■ ■ ولا أنا.. ولذلك قلت لك أنني أضع المصطلح بين قوسين.

أنا لدي ملاحظات كثيرة على سلوك النظام في مواجهة «الانتفاضة» أو «الحراك» أو «الاعتراضات» وبعضها شرعي وبعضها مرفوض، وأبسط دليل أنني 6 سنوات لم أذهب لدمشق.

■ ■ من بداية الحراك؟

نعم لم أذهب. ويمكن منعونا من دخول سوريا لكن هذا موضوع ثان، وهذا لم يؤثر على الموقف.

■ ■ ألم تتلقَ دعوة منهم؟

يمكن تلقيت، ولكن ليس مناسبا أن أتباهى بعدم ذهابي.. لم أذهب لأن لدي اعتراض، صحيح أنا ضد تنظيم القاعدة وضد النصرة وداعش بالتأكيد وكل التنظيمات المتوحشة هناك التي لا علاقة لها بالسياسة ولا بالوطنية وبالتأكيد ليست شريفة بالمطلق، لكن أيضا لدي اعتراضات جوهرية على النظام وسلوكه، كان يمكن للنظام أن يتعاطى برحابة صدر مع الأحداث في البدايات الأولى، وكان يمكن معالجتها بحكمة وبحرص على سوريا وعلى وحدة الشعب السوري.

■ ■ أنت اليوم مع النظام بعد أن تغيرت المواقف وظهرت هذه التنظيمات على حقيقتها؟

أنا ضد هذه التنظيمات بالمطلق، وانتقاداتي الشديدة على سلوك النظام باقية.. أعتقد أنه أساء تصرفاته ففاقم الأزمة، كان يمكن أن يحتويها لكن بعدين، خلاص، صارت الأزمة دولية.

لكن أنا من المؤمنين بعروبة الشعب السوري وبوطنيته ومن المؤمنين أن الشعب السوري ليس عميلا لأحد ولديه اعتراضات جوهرية على النظام وعلى طريقة ممارسته للحكم.

■ ■ عفوا.. هل تقصد كل الشعب السوري بما فيه المنتمون لداعش وللنصرة وغيرها من الجماعات؟

الشعب السوري بشكل عام .. المعارضة في البداية كانت وطنية ومقبولة، سلوك المعارضة وسلوك النظام نحو العنف ضيّع الموضوع ، وصار الصراع دوليا... وآخر من يهمهم هو الشعب السوري.

■ ■ أكمل معك حكاية السفير.. هل توقفت السفير لأنك كنت صحفيا ولم تكن تاجرا.. أعني هنا تاجرا بالمعنى الاقتصادي وليس بالمعنى السياسي.

شكرا لأنك تراني صحفيا ولست تاجرا.. لو كنت تاجرا بالمعنى السياسي كان عندي عمارات وقصور.. الحمد لله عشت للمهنة وبالمهنة.

■ ■ كيف تنظر اليوم لتجربة السفير بعد 44 سنة من الصحافة ومن النضال لمبادئكم التي تؤمنون بها؟

بدون غرور أعتز بتجربة السفير، على المستوى الشخصي أعتز أنني ومجموعة من الزملاء الكتاب والمفكرين أصدرنا صحيفة متميزة، صحيفة ذات خط وطني قومي تقدمي صريح وواضح من اللحظة الأولى: صوت الذين لا صوت لهم. لعبنا دورا ـ يشهد به الغير قبلنا ـ في الحركة الفكرية العربية والحركة الثقافية العربية وفي الوضع الوطني اللبناني بقدر ما استطعنا، بقدر الجهد الذي معنا، والكفاءة التي معنا. لست نادما على التوقف، بمعنى لدي إحساس ويقين أنني عملت بأقصى جهد أستطيعه أنا وزملائي.. عملنا تجربة ناجحة في الصحافة العربية عموما واللبنانية بشكل خاص، وبعدين في اللحظة التي أحسسنا أننا نكاد نضعف في أداء هذه المهمة توقفنا.. أعتز بتجربة السفير بالمعنى المهني والوطني والقومي. طبعا ارتكبنا أخطاء مثل أي شخص يعمل.. أحيانا تطرفنا قليلا، أخذنا الحماس أحيانا، لكن بالمجمل أعتقد أننا لعبنا دورا لا بأس به في حدود

الحركة القومية بشكل عام، ولكن الأحداث أكبر منا بكثير.

■ ■ إذن بعد هذا العمر ماذا أعطتك الصحافة وماذا أخذت منك؟

أعطتني الكثير أعطتني الفرصة لأصل للناس، أنْ أحاول فهم شعبنا وأمتنا، وأن أحاول التعبير عن ضمير الأمة بهذا القدر أو ذاك من النجاح، لا أدعي أنني كنت دائما ناجحا، ولكن السفير كانت ناجحة، طبعا هذا جهدي وجهد مجموعة كبير من الزملاء كانوا معي، وهناك زملاء عرب من كل الأقطار العربية تقريبا وكان للسفير رصيد عربي مميز.. وعندما اتخذنا قرار الإقفال انهالت علينا برقيات ورسائل بعضها عبر وسائل التواصل الحديثة دلت على أهمية السفير كجريدة عربية مع أننا لم نكن نوزع في البلاد العربية لكن، بالتراكم، كان لنا دور تاريخي. كنا نعبّر عن ضمير الأمة وبالتالي أي وطني قومي تقدمي في مختلف أرجاء الوطن العربي يشعر أن السفير تعبّر عنه بهذا القدر أو ذاك، بهذا المعنى كان لنا معنوية أكثر بكثير من توزيعنا.

■ ■ خلال هذه الفترة هل تلقيتم عروضا لدعم السفير وعدم توقفها؟

كانت هُويتنا كافية لتُبعد عنا هذه الشبهات. لذلك كان واضحا أننا لن نقبل العروض والحمد لله أنها لم تأت..

■ ■ اليوم كيف يقضي طلال سلمان يومه؟

تعرف أن العادة تؤثر كثيرا.. أعتدت كل يوم الصبح آتي إلى المكتب وأجلس أكتب.. صار لدي الآن موقع إلكتروني أكتب من خلاله.. ولدي حوارات متصلة مع القراء، وفيه عدد من الأصدقاء الكتاب يكتبون معي على الموقع.. وأحيانا يأتون إلى هنا وتدور بيننا حوارات.. وعندي بعض الأنشطة المحدودة؛ لأنه السياسة في لبنان مقرفة، والعمل السياسي في لبنان إلى حد كبير تافه. فلا أحبه كثيرا.

■ ■ لو عاد بك الزمان للخلف.. للخمسينات أو الستينات أيام جريدة الأحد والصياد والحوادث؟ هل كنت ستعمل صحفيا مرة أخرى؟

أكيد.. أتيت للصحافة طائعا مختارا.

■ ■ ولكن لم تكن تتصور حجم المتاعب والمآسي التي قد تواجهك في الطريق.

ولكن الذي يبرّر ويزيّن خيارك هو النجاح.. الحمد لله نجحنا على المستوى الشخصي حتى قبل السفير وبعدين في السفير كان النجاح أكبر مما توقعت، وطبعا هذا شرف عظيم، وأردّه للناس الذين دعمونا ووقفوا معنا وكان الكل يشتري السفير ويتواصل و يحيوننا ويتضامنون معنا في الأزمات التي مررنا بها أيام الرقابة والاعتداء عليّ وعلى السفير وأيام محاكمة السفير، كانت الناس كريمة معنا بشكل كبير.

■ ■ هل تكمل مذكراتك التي صدر جزءها الأول تحت عنوان «كتابة على جدار الصحافة»؟

الآن صار عندي وقت لأستطيع إكمالها.

■ ■ تعمل عليها الآن؟

أحضّر الآن كل اللوازم، كنت سابقا اعتمد على الذاكرة الآن صار لدي الأرشيف الكامل.

■ ■ ستعيد كتابة مذكراتك بشكل مختلف وليس بطريقة الحكاية التي أوردتها في «كتاب على جدار الصحافة»؟

نعم وسوف أدخل إلى الجوانب السياسية وأكتب مذكرات متكاملة.

■ ■ لو عدنا إلى «كتابة على جدار الصحافة» من هو الأستاذ الأكبر الذي تتحدث عنه ولكن لا تسمه باسمه؟

القارئ..

■ ■ هل هذا رد دبلوماسي؟

لا. القارئ هو الذي يتصل بك، وهو الذي يقول لك هذا جيد أو يقول موضوعك ناقص.. لكن على المستوى المهني المباشر هناك أستاذ جيل كامل يمكن أن يكون هو، وقد اسميته أستاذ القرن هو الأستاذ محمد حسنين هيكل.

■ ■ متى بدأت علاقتك به؟

عام 1971.. قبل ظهور السفير.

■ ■ وقبل لقائك بعبد الناصر.

عبد الناصر عام 1959 ولكن لا أستطيع أن أسميه لقاء.. كنت في الحوادث والتقيته مع طاقم المجلة.

■ ■ لكنه عرفك وحياك بالاسم؟

كنت قد صرت لحد ما معروفا من 1968 غير العمل الداخلي كنت قد زرت معظم البلاد العربية كنت التقيت بياسر عرفات في الأردن، وكل الجبهة الشعبية، وشفت صدام حسين وكنت من أوائل الصحفيين الذين التقوا به وكان ما يزال السيد النائب، بعد ذلك التقيت بحافظ الأسد، والقذافي، ثم ذهبت إلى اليمن، وغطيت مؤتمرات القمة خاصة قمة الرباط، وقمم الصمود والتصدي، كنت قد صرت معروفا في الوسط الصحفي وأقابل المسؤولين العرب، وكان من السهل الوصول لهم على خلاف اليوم.

■ ■ إذن عند مستوى من المستويات كان الأستاذ الأكبر هو الأستاذ هيكل؟

أنا أسميته أستاذ القرن، هو الصحفي الأكبر فيه بدون منازع، رغم أني أعرف الكثير من الصحفيين واحترمهم، مثل أحمد بهاء الدين احترمه احتراما كبيرا، وفتحي غانم، وفي لبنان أحترم كامل مروة رغم أننا مختلفون في السياسة ولكن كان صحفيا كبيرا.

■ ■ ماذا يمثل لك سليم اللوزي ومجلة الحوادث؟

عملت في مجلة الحوادث مرتين، المرة الأولى في بداياتي، ومرة ثانية بعد عشر سنوات من المرة الأولى. اللوزي صحفي محترف وشاطر. لكنه كان سياسيا مضطربا، بعد ذلك غلّب المصالح على الموقف السياسي. أتذكر آخر مرة عملت معه في عام 1962.

■ ■ انقلب على عبد الناصر؟

في عام 1962 دعانا إلى اجتماع أخبرنا فيه أن دعوة وصلته لزيارة الولايات المتحدة.. و«هبينا» فيه في مجلس التحرير، قلنا له ماذا تفعل في الولايات المتحدة.. كان ذلك بداية تحوله السياسي.. ثم راح بعيدا جدا جدا، رغم ذلك أنا ضد اغتياله أو اغتيال أي صحفي آخر بالمطلق.. ولكن اعتقد أن الردة عنده كانت عنيفة وغير مبررة.

■ ■ وسعيد فريحة؟

فريحة أستاذ كبير ولكن ضمن إطار معين، هو كاتب ظريف ولديه أفق كبير ونزعة عروبية، ولكن بدون ادعاءات، يعني هو ليس هيكل وليس أحمد بهاء الدين. كان ولاّدة أفكار ولكنه كاتب أكثر منه صحفي.

■ ■ ما المواضيع التي كتبها طلال سلمان ولا يستطيع أن ينساها اليوم؟ مواضيع يشعر أن بها مغامرة وجرأة؟

من الصعب حصر ذلك، أنا لدي 60 سنة خدمة في المهنة قبل السفير وفي السفير، وكتبت كثيرا.. يمكن في المقاومة الفلسطينية عملنا جهدا ممتازا وقدمنا صورة عنها في بداياتها، الحوارات مع أبو عمار ومع جورج حبش وآخرين، مع المقاتلين، مع المجاهدين، وحوارات مع صدام حسين في بداياته، وحوارات وتغطيات في اليمن وقدمنا صورة عن اليمن لم تكن معروفة بقدر كاف. في مصر كنت عندما أنتهي من الحديث مع السياسيين اذهب إلى نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومع الشعراء والكتاب لأن لدي جنوحا ثقافيا، وكنت أعود بحصيلة سياسية وثقافية، وفي مصر كنت أعرف رسامين الكاريكاتير والشعراء والمغنين الشعبيين مثل أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام.

حتى تعرف ضمير البلد لا بد أن تلتقي المثقفين وتخالط الناس البسطاء في الأحياء الشعبية أما السياسيون فهم نصابون . أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام يعبرون عن ضمير مصر أفضل من مليون سياسي.