rajab
rajab
أعمدة

تحقيق معادلة الاستهلاك الغذائي فــي رمضــان

23 مايو 2017
23 مايو 2017

د. رجب بن علي العويسي -

تطل علينا نفحات شهر رمضان المبارك، بما يحمله لنا من سلوك الاتزان ، وقيم الخير والعطاء ، وسعة منابر البر والنفقة والصدقة ، وما يتيحه من فرص الذكر والدعاء والأجر والثواب وقراءة القرآن ، والذي ينبغي أن تتجه فيه النفوس إلى تعظيم قدره واحترام حدوده والوقوف عند حرماته، ومع ذلك تبقى ممارسة الناس الاستهلاكية في رمضان علامات استفهام  في ظل ما تتجه إليه من البذخ المذموم والاستهلاك السلبي والهدر للموارد والصحة ، حتى أصبح في أكثر الأحوال فرصة لعرض المنتجات وأصناف المأكولات ، ومع ذلك فإن مسألة التعامل مع هذا السلوك ليست بالأمر الهين، لما تحتاجه من تكاتف الجهود، وقناعة النفس بإعادة صياغة جديدة لهذه العادات، والنظر في هذه الممارسات في إطار تحقيق المسؤولية الاجتماعية المشتركة، عبر التزام الجميع بثقافة الترشيد في الاستهلاك ، بالطريقة التي يراها مناسبة وفق قاسم الوفاء بالمسؤولية المشترك المتفق عليه بين أبناء المجتمع، وتعميق البعد القيمي والديني والأخلاقي واستقراء الواقع المعيشي لكثير من الأسر والعائلات، كمدخل  في التعامل معه، وما يرتبط به من  تعزيز برامج التوعية والتثقيف والحوار والنقاش والتناصح والتواصي بين الناس، في ظل الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي كالواتس أب وغيرها في نشر الأفكار الراقية في التعامل مع هذا الواقع، والأساليب المبتكرة المصحوبة بالتجارب المعززة للاستهلاك الرشيد، بالشكل الذي يُبقي الأسرة كخط أول في تطبيق معادلة الاستهلاك عبر منهجيات تخطيط متفق عليها، تؤمن بالمراجعة والتصحيح، وتدرس الوضع المالي للأسرة  كعامل مهم في تقليل مسألة الاستهلاك غير المبرر، كما تقرأ مسألة المقارنات في الرغبات والطموحات، وعادة التقليد والتباهي التي تتناقلها الأسر حول هوس الإكثار من أصناف المأكولات الرمضانية.

من هنا كانت الحاجة إلى ضمانات تبني على هذا التناغم موجهات العمل، ومساحات تفتح باب الأمل نحو التغيير في عادات الاستنزاف الاستهلاكي في رمضان، وإدارة متطلباته بمهنية، فإن تغيير هذه العادات، يتطلب سلوكا اجتماعيا رشيدا، وقرارا ذاتيا واعيا، وتناصحا وتكاملا بين الأهل والجيران والأصدقاء، ليشد بعضهم بعضا، تبني روح المسؤولية في سلوك الجميع، وترسّخ قيمة المساءلة نحو هذا السلوك، لبناء ممارسة أفضل تقترب من المحتاجين والمعسرين والأسر محدودة الدخل في المجتمع، وتعكس قيم الإسلام العظيمة وعادات المجتمع العماني القائمة على التكافل والتعاون والتضامن، بما يتوافق مع سلوك الذوق الرفيع ، ويترفّع عن كل العادات التي تتجافى ونُهُج الإسلام المعتدلة ، الداعية إلى الاعتدال في النفقة، والاستهلاك الرشيد ، ومنع الإسراف والتبذير، والاستفادة من قصص النجاح، وأفضل الممارسات المجيدة في التعامل مع مسألة الاستهلاك الرمضاني، بما يضمن أن هذه الأفكار والممارسات الإيجابية سوف يكون لها أثرها في الاستجابة والتطبيق، وبالتالي يمكن الانطلاقة من مدخل القيم وترقية مفهوم التحول من خلالها، كمدخل مهم في إقصاء مسألة الاستنزاف وتحجيم دورها وأثرها السلبي على الأسر، وإدخالها في دوّامات الديون وغيرها.

ومع أهمية التكامل في تطبيق معادلة الاستهلاك اليومي في رمضان، إلا أن التأكيد على أسلوب معين يجب على الجميع التقيد به قد لا يكون متيسرا، عدا أن يكون الاستهلاك ضامنا التزامه معايير محددة، كاستخدام الحد الأدنى من المأكولات بحسب طبيعة الاحتياج نفسه وعدد أفراد الأسرة، واختيار نوع المأكولات والأصناف التي يكثر استهلاكها، وتقنين كمية المحدد منها من كل صنف، وتنظيم عملية الإفطار لتتم على فترات ومراحل مختلفة من الليل، وتقليل مسألة الاستنزاف السلبي الوقتي في صناعتها، ومراعاة تناسب هذه المأكولات مع الفئات العمرية، بما يقلل من مستوى تأثيرها على الأطفال أو حديثي الصوم من الأولاد والبنات، وبأن الأصناف المقدمة تتناسب وطبيعة الذوق الاجتماعي ، وتراعي الخصوصية الاجتماعية التي يراها البعض في أهمية تنوع هذه المأكولات ، على أن مراعاة هذه المعايير وتفهّم الأسرة لها ووضعها ضمن إطار مكتوب واضح يتفق الجميع عليه، وبناء فرص حوارية مع الأبناء بشأنها ، وإدارة هذه الممارسات بشكل يضع حدًا لعملية رميها في مخلفات القمامة أو غيرها، سوف يضمن قدرة الجميع على تبني سلوك استهلاكي رشيد، بحيث تدرك الأسر من خلاله مسؤوليتها في الالتزام به، بدون تكّلف، تقرأ السلوك الاستهلاكي في ظل أوضاع الناس واحتياجهم، وليتحقق هدف رمضان ، شهر الطاعة والعبادة، والذكر والقراءة، والبر والإحسان، فهل نحن جاهزون لذلك؟ .