الملف السياسي

آفاق بلا حدود .. لتوظيف قدرات وطاقات هائلة

22 مايو 2017
22 مايو 2017

علاء الدين يوسف -

,, تدرك سلطنة عمان جيدا الفرص التي يجلبها التوجه نحو الشرق وتتطلع لتحقيق التنويع الاقتصادي من خلال التكنولوجيا المتقدمة والمبادرات الصينية، حيث يمكن للتكنولوجيا المتقدمة وتأهيل الموظفين المجيدين ومعايير الصناعة المتكاملة أن تلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة ’’ 

وعلى صعيد آخر يمكن للسلطنة أن توظف إمكاناتها اللوجستية والجغرافية المتميزة لخدمة مبادرة « الحزام والطريق» بآفاق لا حدود لها خاصة وأن العلاقات الصينية العمانية بلغت مراحل متقدمة جدا من التعاون في مجالات عديدة، تمثل في حد ذاتها قوة دفع هائلة لضمان القيام بأدوار متبادلة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العليا للمبادرة، ومن حيث المبدأ هناك أهمية كبرى للمناطق الساحلية والدول المتشاطئة في رسم خريطة العالم خاصة إذا ما كانت تشغل وضعية استراتيجية على الممرات المائية الدولية وطرق التجارة العالمية، ولا شك في أن السلطنة واحدة من تلك المناطق التي يسري عليها هذا الامتياز.

وبرغم أن حقائق الجغرافيا تتسم غالبا بالثبات إلا أن ذلك لا يحول دون تغير الأوضاع الاستراتيجية نتيجة حقائق وتطورات سياسية أو اقتصادية أو تجارية في ضوء الظروف الدولية المتغيرة، ولعل ذلك ما دفع محللين وخبراء إلى التأكيد على أهمية موقع السلطنة وموانئها ومناطقها الاقتصادية الواعدة خاصة مشروع الدقم مع الأخذ في الاعتبار أنه في حال استمرار النمو السكاني وتطور الآفاق النظرية للنمو الاقتصادي في الهند وشرق أفريقيا، يمكن للمحيط الهندي أن يصبح مركزا جيوسياسيا واستراتيجيا أساسيا للمرحلة المقبلة، ما يدفع إلى التأكيد على أن السواحل العمانية ومنطقة الدقم تحديدا في المرحلتين الحالية والمستقبلية هي العنوان الأبرز للاقتصاد القائم على حقائق وأوضاع « جيو - ستراتيجية» بحيث تلعب دورا مؤثرا في المبادرة الصينية التي تضم عشرات الدول.

وإذا كان الحديث يدور منذ فترة على الصعيد الدولي عن تحرك مركز الثقل العالمي في اتجاه الشرق الآسيوي وتحديدا نحو الصين والهند واليابان وكوريا باعتبارها كتلة سكانية وبشرية رهيبة ومساحة أرضية هائلة وقدرات إنتاجية متنوعة تستحوذ على حصة ضخمة من حجم الإنتاج العالمي مع توقعات قوية لتجاوز الصين الولايات المتحدة من حيث القدرات الاقتصادية لتنفرد بالمركز الأول عالميا في غضون سنوات قليلة، فإن وضعية المكان للسواحل والموانئ العمانية يمنحها أهمية استراتيجية فريدة من نوعها للاستفادة بهذا الموقف الناشئ وبالتالي يهيئ لها الفرصة لإحداث تنمية اقتصادية كبيرة، وأغلب الظن أن السلطنة تضع ذلك في اعتبارها جيدا حتى تتمكن من تقديم الدعم اللوجستي لحركة التجارة العالمية بين الشرق والغرب عبر المحيط الهندي وبحر العرب وصولا إلى قناة السويس فأوروبا وشمال أفريقيا أو شرقها، وهي خطوط وممرات مهمة جدا في «الحزام والطريق».

وتتزايد أهمية تلك الحقائق كون عمان تطمح إلى أن تصبح منطقة لوجستية استراتيجية ومركزا محوريا مهما للتجارة والصناعة والاستثمار في منطقة تحظى بموقع استراتيجي مميز يجعل لها أهمية خاصة للقوى العالمية في ظل النظام العالمي الجديد المتجه نحو المحيط الهندي وتتفرع منه ممرات مائية مؤثرة، هذا المشروع الحيوي لا يمثل مفتاح نهضة سلطنة عمان القادمة فحسب، بل يعزز دورها الدولي في منطقة إقليمية حساسة للغاية، ثم تعتبر مفتاح الحركة على المحيط الهندي وتوفر دورا لها بالنسبة للتجارة العابرة من الغرب إلى الشرق وبالعكس وكذلك لتصبح منطقة يستند وجودها على عوامل ليست اقتصادية فقط ولكنها أيضا « جيو - ستراتيجية» ستلقي بظلالها الإيجابية على المنطقة والعالم.

ولاشك في أن المدينة الصناعية الصينية - العمانية تمثل فصلا جديدا من التعاون بين البلدين في إطار مبادرة « الحزام والطريق» إلى جانب توقيع تسع اتفاقيات مع عدد من الشركات الصينية لتنفيذ مشاريع متنوعة في المدينة، وكما هو مقرر يقام مشروع المدينة الصناعية على مساحة تبلغ 11.7 كيلومتر مربع ويقدر إجمالي الاستثمارات التي سيتم ضخها فيها 67 مليار يوان صيني (أكثر من عشرة مليارات دولار) في مجال البتروكيماويات ومواد البناء والتجارة الالكترونية وغيرها من المجالات التسعة الاخرى، وستضم المدينة الصناعية الصينية العمانية خمسة وثلاثين مشروعا تتوزع بين الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، بينها مشاريع بتروكيماوية وطاقة شمسية ولوجستية ومشاريع تجميع السيارات ومرافق خدمية متنوعة تشمل مركزاً للتدريب ومدرسة ومستشفى ومكاتب ومركزا طبيا، وغيرها من المشاريع واللوجستيات الاخرى.

وبالفعل وقعت عشر شركات من الجانبين الصيني والعماني اتفاقيات للاقامة في المنطقة الصناعية الصينية العمانية قبل وضع حجر الأساس، ما يؤكد حماس الشركات الصينية للاستثمار في المنطقة، ومن الخصائص المهمة للمشروع وقوع المدينة الصناعية الصينية العمانية في الدقم بمحافظة الوسطى، وسط عمان بين مسقط وصلالة، مطلة على المحيط الهندي وتعتبر محطة وسيطة بين الشرق والغرب، وتمتلك إمكانات كبيرة للتنمية، وهو ما أوضحه «شا يان جو» مدير شركة وانفانج للاستثمارات الصينية والعربية بنينجشيا،المسؤول عن إدارة المدينة الصناعية بقوله إن أولوية المدينة الصناعية تنفيذ مشاريع تحلية المياه ومحطة توليد الكهرباء، والتركيز على وضع الاساس لمشاريع الصناعات الثقيلة، وأكد شا يان جو بثقة: انه في غضون ثلاث سنوات،ستحدث تغيرات مزلزلة في هذا الجزء من الصحراء، ونتطلع الى ان تصبح هذه المنطقة منطقة نشطة أخرى في الشرق الاوسط مستقبلا، وقد اغتنمت الصين فرصة طرح الجانب العماني انشاء مدينة صناعية مشتركة لتعزيز التعاون النشط، وفي عام 2015 وقع البلدان اتفاق التعاون الإطاري لإنشاء المدينة الصناعية التي بدأت ملامحها في التبلور.

ومن خلال الجهود المشتركة تم وضع حجر الأساس والاعلان عن بدء بناء المنطقة الصناعية في أقل من عامين، لتصبح أكبر المشاريع في المناطق الاقتصادية الخاصة بالدقم حاليا، مما يعكس الاهتمام الذي يليه الجانبان بالإمكانات الكبيرة والمزايا التكميلية في التنمية المشتركة، خاصة وأن سلطة عمان من المجموعة الاولى من الأعضاء المؤسسين لبنك الاستثمار الآسيوي الذي يدعم المدينة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وفي يناير الماضي وقع بنك الاستثمار الآسيوي وإدارة المدينة الصناعية الخاصة بالدقم اتفاقية قرض بـ 265 مليون دولار لتعزيز بناء الميناء التجاري ومرافق المنطقة الصناعية. وقال لي تشي جيان إن سلطنة عمان ستحقق التنمية الاقتصادية السريعة اغتناما لفرصة « الحزام والطريق» وقد بدأ تدريب الموظفين قبل بدء تشغيل المشروع بالفعل، ففي مارس الماضي وصل إلى نينجشيا 39 طالبا عمانيا للتعلم والتدريب لمدة عامين، بما في ذلك المهام الاقتصادية المهنية والإدارية، والطاقة المتجددة والبتروكيماويات وتكنولوجيا الحاسوب، ويمثل انشاء « الحزام والطريق» بالفعل منصة للتعاون العملي الشامل بين الصين والعالم العربي،آفاقه واسعة في المستقبل، والصين من خلاله كذلك تتطلع لتعاون وثيق مع السلطنة .

وقد انطلقت المبادرة من الشرق الآسيوي لتأكيد الصين القوي والمتزايد على مكانتها كقوة كبرى على الصعيد العالمي خلال السنوات القليلة الماضية، وتجلّى ذلك بالفعل في تبني الرئيس «شي جين بينج» منهجا لإظهار بلاده في ثوب القوة العظمى, يعكس صعود الصين الكبير وتحركاتها الجديدة أيضا من أجل فرض رؤيتها الخاصة للنظام العالمي المقبل وإشراك نفسها في تقديم موارد المصالح العامة الدولية، خاصة من خلال إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهذه التطورات تشكل تحولا رئيسيا عن الوضع السابق، خاصة بطرح مبادرة «حزام واحد .. طريق واحد» والهدف على ما يبدو تمثل في تقديم عبارة واحدة قد تلخص الجوانب المتعددة لدبلوماسية الصين نحو الدول المجاورة، فمبادرة « حزام واحد .. طريق واحد» تتضمن الجانب المحلي المتمثل في تجنب الإنتاج والاستثمار المفرطين ،ولكن ينظر من خلالها أيضا لتحول الصين في نهاية المطاف إلى منافس للشراكة عبر المحيط الهادئ لتحرير التجارة التي يتم تشكيلها حاليا بين الولايات المتحدة واليابان ودول أخرى في منطقة آسيا - المحيط الهادئ .

إن مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس شي جين بينج مهمة جدا، حيث تعد طريقة للتعاون عالي الفاعلية، لا لتنمية الدول الواقعة على الحزام والطريق فحسب وإنما تساعد على تنمية العالم بأكمله، كما قال رئيس البنك الدولي كيم جيم في المقابلة الصحفية التي أجرتها معه صحيفة الشعب الصينية عشية مغادرته واشنطن للمشاركة في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي عقد قبل أيام في بكين، ولا شك في أن هذا المنتدى قد منح المبادرة دفعة هائلة ومصداقية كبرى نظرا للمشاركة الدولية المتميزة في أعماله، وكلها مؤشرات على أن المبادرة يمكن أن تسفر عن منافع تنموية واقتصادية كبرى لكل الأطراف والدول المشاركة والسلطنة ليست استثناء من ذلك بكل تأكيد.