1017484
1017484
المنوعات

8 شعراء عمانيين فقدوا أبصارهم يظهرون في إصدار مكتوب بلغة «برايل»

20 مايو 2017
20 مايو 2017

سماء عيسى: الكتاب إنجاز سيحمله الكفيف معه قارئا للتراث الشعري العماني الخالد -

العمانية: إصدار يحمل بين طياته سيرة وقصائد ثمانية شعراء عمانيين فقدوا أبصارهم لكن لم تخفت بصيرتهم وملأوا الدنيا شعرًا وحكمة وأشعلوا لمن أتى بعدهم مشاعل الإبداع غير أن تلك السيرة المختصرة والقصائد في كتاب «المبصرون في الشعر العماني» كُتبت بلغة «برايل» للمكفوفين فكان الإصدار فرصة لعبور حدود اللغة إلى عالم أوسع وأكثر فائدة.

وفي حفل تدشين الكتاب الذي نظمته مؤسسة بيت الزبير احتفت المؤسسة وجمعية النور للمكفوفين ومعهد عمر بن الخطاب للمكفوفين بحضور معالي محمد بن الزبير بن علي مستشار جلالة السلطان لشؤون التخطيط الاقتصادي بإصدار الطبعة الأولى من الكتاب الذي يقع في ثلاثين صفحة وتناول سيرة مختصرة وقصائد لثمانية شعراء عمانيين مكفوفين من حقب مختلفة وهم الشاعر راشد بن خميس الحبسي، والشيخة عائشة بنت عيسى الحارثية، والشاعر صالح بن سعيد الزاملي، والشاعر عبدالله بن عامر العزري، والشاعر ثابت بن قطنة العتكي، والإمام نور الدين السالمي، والشاعر الربيع بن المر الرستاقي والشاعر الصلت بن خميس الخروصي.

وقال الدكتور محمد بن عبدالكريم الشحي المدير العام لمؤسسة بيت الزبير: إن الكتاب جاء بمبادرة من مختبر الشعر الذي يعد من المختبرات الثقافية والأدبية التي دشنها بيت الزبير للمساهمة في رفد الحركة الثقافية والمشهد الثقافي في السلطنة وتتضمن هذه المبادرة مختبرات في مجالات الفنون التشكيلية، المسرح، الشباب، والطفل، وتضم نخبة من الفاعلين في المشهد الثقافي.

وأضاف لوكالة الأنباء العمانية: إن مختبر الشعر حرص منذ انطلاقته على تعزيز حركة الفعل الثقافي وابتكار روافد وبرامج مستدامة تسهم في إيجاد مشروعات ذات أهداف ومحتويات تخدم قطاعات مهمة في المجتمع وتتفاعل معه ومن بينها معرض الخط العربي الذي أُقيم تحت عنوان «رَشْفاً مِنَ الدّيَمِ» وتضمن عددًا من اللوحات المستقاة من الشعر العماني في المديح النبوي لثمانية خطاطين أظهرت مدى التكاملِ بين الشعرِ وفنونٍ أخرى، وتنفيذ مبادرة «سفر فني في الشعر الروحي العُماني» والتي استوحيت من خلالها لوحات فنية قام بها عدد من الفنانين التشكيليين من خلال زيارتهم للأماكن التي عاش فيها عدد من الشعراء العمانيين ومسابقة «من روح أطلال المدن» التي أُقيمت تزامنًا مع معرض مسقط للكتاب حيث تم اختيار صور فوتوغرافيَة مستوحَاة من نصوص شعرية عُمانية بالوقوف على الأمكنة المنسيّة والأطلال العُمانية، ومبادرة «ثلاثين سدرةً تحرس الجبل» التي سيتم تدشينها قريبًا وهي عبارة عن ثلاثين قصيدة لثلاثين شاعرًا عمانيًا ستتم ترجمتها إلى اللغة الألمانية وأفكار أخرى قادمة.

ومن جانبه قال الشاعر سماء عيسى المشرف على مختبر الشعر الذي يضم أيضًا الشاعرة عائشة السيفية والشاعر خالد المعمري: إن مختبر الشعر بمؤسسة بيت الزبير يهدف إلى رفع الذائقة الشعرية إلى درجات من الحِس الجمالي الذي يربط الشعر بروح الطبيعة العمانية المتنوعة وبمختلف أشكال التعبير الفني والثقافي كالتصوير الضوئي والخط العربي والفن التشكيلي والنحت والموسيقى والسينما والمسرح وغيرها.

وأشار الى أن كتاب «المبصرون في الشعر العماني» يعد انجازًا سيحمله الكفيف معه قارئًا لتراث له يُشار إليه بالبنان من الشعر العماني الخالد يمثل نخبة مختارة لشعراء من حقب تاريخية مختلفة وتمت الاستعانة بجمعية النور للمكفوفين ومعهد عمر بن الخطاب لتحويله إلى قصائد مكتوبة بلغة «برايل» للمكفوفين.

وقالت الشاعرة عائشة السيفية لوكالة الأنباء العمانية: إن هذا المشروع «جاء في إطار عدة مبادرات سعت للخروج بمشروعات مختلفة نوعيًا تتعدى حدود القاعات المغلقة والفعاليات المؤقتة إلى مشروعات طويلة المدى وذات أثر بعيد» مشيرة إلى أن الكتاب الذي تم الاحتفاء به جاءت فكرته «من منطلق تجسير الشعر مع شرائح المجتمع ومن بينها شريحة المكفوفين المهمة ولكي نرسل رسالة مفادها أن الحياة لا تتوقف وفقدان البصر لم يُوقف هؤلاء الشعراء عن التحليق في عالم الخيال وجنون الشعر وجماله ونأمل أن يكون هذا الإصدار فرصة أولى لنعبر به حدود اللغة ولنحمل سيرة ثمانية شعراء من هؤلاء الخالدين ودهشة قصائدهم إلى أبعد من القارئ العماني وحدود المكان والذاكرة العمانية ونريد أن نقول طوبي لأولئك الذين يخرجون من العتمة حيوات وشخوصًا قمرًا وسحابًا يخرجون منها الاخضرار والشجر وكرنفالات من المشاهد المتحركة والخيالات التي لا تخبو جذوتها».

ووضحت أن جذوة الشعر «هي ذاتها التي تشتعل في نفس الشاعر من أي جغرافية جاء، ومن أي أرض بُعث، ولعلها تصبح أكثر أصالة وحساسية عندما ينطفئ شيء منه فيحاول رتق فراغه بالانصراف إلى الشعر».

وأضافت «طوبى لأولئك الذين ينامون على العتمة ويستيقظون عليها ولكنهم يرون الله فيها ويهجسون ويشكلون طرق أرواحهم وسط الفراغ الذي يملأونه بالكثير من شعر الحكمة والتأني الذي اكتسبوه وهم يتحسسون بأياديهم الهواء والماء والطريق والإنسان مما يجعلهم أكثر ارتباطًا منا نحن المبصرون بالمكان والإنسان فإذا ما انتفى الأنس حولهم وودعهم الراحلون كتبوا أجمل القصائد حيث يقول الإمام نور الدين السالمي على فقد أحد أحبته:

صبرًا على مضض المصارع فـالدهر للأعمار قاطع هون فإن العمر في الإنـسان من بعض الودائع كف المدامع أن تسيل فما عسى نفع المدامع وأعلم بأن الدهر لا يُصغي لحالٍ منك جازع فـصبر وإن مضت الأفاضل في التراب وفي البلاقع من عصبة كانوا قديـمًا نورهم في الخلق ساطع محوا الضلالة بالجموع وبالبراهين القواطع أجلوا حناديس دجنها بوقائع تتلو وقائع أحيوا رسوم المجد من بعد انطماس كان فاجع».

وتحدث إبراهيم بن حمدون الحارثي رئيس مجلس إدارة جمعية النور للمكفوفين عن أهمية مثل هذه المشروعات للجمعية وضرورة تكامل الجهود الثقافية بين المؤسسات الأهلية والحكومية والخاصة وقال: كتاب المبصرون في الشعر العماني يتحدث عن كوكبة مضيئة في التاريخ العماني لم تقف الإعاقة حائلا بينهم وبين الإبداع وتحقيق ما يصبون إليه بل أمدتهم بطاقة متجددة فجرت فيهم روح التحدي وتحقيق إنجازات عظيمة عجز عن تحقيقها أقرانهم من المبصرين.

وأضاف: «الإصدار يعتبر مفتاح التعاون بين الجمعية وبيت الزبير الذي لم يدخر وسعًا في تبني الفكرة وقام بإعداد الإصدار وجمع مادته وقامت الجمعية بتحويله إلى لغة برايل ليتسنى للمكفوفين تصفحه والنهل من معينه بكل سهولة ويسر حيث تمت طباعة 500 نسخة منه سيتم توزيعها داخل السلطنة وخارجها».

يذكر أن الشاعر راشد بن خميس الحبسي (1089 -1150هـ) ولد بقرية (عين الصوارخ) بوادي العين في ولاية عبري وقد شاء القدر أن يحرم من نعمتين منذ طفولته وهما نعمتا البصر وحنان الأبوين حيث فقد بصره وهو ابن ستة أشهر ومات أبواه وهو في السابعة من عمره وعلى الرغم من ذلك فقد عوضه الله بموهبة الشعر، وقد طلبه الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي للانتقال إلى جبرين ليقوم برعايته وتربيته وتعلم في ظله علوم القرآن الكريم وعلوم اللغة فأصبح شاعرًا مجيدًا، وأديبا حاذقًا وخاض في جميع فنون الشعر، وقد ترك لنا هذا الشعر موروثًا قيّمًا في مجال الشعر مما حدا بوزارة التراث والثقافة بطباعة ديوانه المسمى (ديوان الحبسي). وهو القائل:

بالله يا معشرَ العشاقِ أسألكم

هل يعشق الصبَّ معشوقا كما عشقا

أم هل سقاه الهوى من كأسه فغدا

نشوان مصطحبًا منها ومُغْتبِقا

تملّكت نفسي الغيدُ الحسانُ

كما تملّك القومُ عبدًا بعد ما أبقا

أحبابنا هل لكم عهد أبِلُ به

قلبًا غدًا بضرام الوجد محترقا

أم هل خيال وصال يُستلذُ به

قلبي عسى من حياتي يمسك الرمقا

كما عاذل قال لي صبرًا فقلت له

أقصِر فكل اصطبار يستحل شقا.

والشاعرة عائشة بنت عيسى الحارثية أديبة وشاعرة تربت في بيت علم وحكمة، وصدر لها في 2012م كتاب «من أيامي» متحدثة فيه عن سيرة حياتها، وضمت هذه السيرة مجموعة من قصائد الشاعرة لم تردُ منفصلة بل ضمن متن السيرة بحسب الموقف أو المناسبة التي قيلت فيها القصيدة ولها أشعار كثيرة في المناجاة الإلهية منها:

ويا من إذا ناديته لمهمة

غدا القلب منها فارغًا متنعما

ومن لو توعدت الأعادي ببطشه

وكانوا على رضوى إذا لتهدما

ويا من تُحل المعضلات بذكره

أغثني مما مس جسمي فأسقما

رضيت بما ترضاه لي وتحبه

فمن ذا أرى بي منك أولى وأرحما

كما أن الشاعر صالح بن سعيد الزاملي كان قاضيًا في زمن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي والإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي وكان أيضا فقيها ورعًا ومن المتصدرين في الفتيا، أما الشاعر عبدالله بن عامر العزري فقد ولد كفيف البصر وكان تواقًا للمعرفة لذا فقد تنقل في حياته بين عُمان وزنجبار طلبا للعلم وسعيًا للمعرفة، وأيضا الشاعر ثابت بن قطنة العتكي، وهو بالإضافة إلى كونه شاعرًا كان من الفرسان الذين يُشار اليهم بالبنان.

والإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي (رحمه الله) له العديد من المنظومات والأراجيز والمؤلفات في العقيدة والأصول وأشهر كتبه «تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان».

والشاعر الربيع بن المرّ بن نصيب الرستاقي ولد في ولاية الرستاق تلقى تعليمه في مسقط رأسه حيث حفظ القرآن الكريم، ودرس أصول الدين وأصول العربية متتلمذًا على يد الشيخ محمد بن حمد الزاملي.

له قصائد نشرت ومنظومة في النحو بعنوان «العينية» ومن أشعاره ما قاله في رثاء الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري:

فها نحن في ذا اليوم نبكي حبيبنا

أخا الدين والإيمان والعلم والعمل

فتى في فنون العلم قد صار راسخًا

وفي الكل منها قد غدا مضرب المثل

هو النور من إشراقه كل مشرقٍ

ولكنه بعد الإضاءة قد أفل

أنار الدُنا بالعلم والحلم مرتقًى

وبدد ديجور الجهالة حيث حل

له منزل يعلو السماكين مُرتقى

ومرتبة من دونها موضع الحمل

ستبكيك يا بحر العلوم منابر

عليها خطيبًا قمت ترشد من غفل

أما الشاعر الأخير في كتاب «المبصرون في الشعر العماني» فهو الشاعر الصلت بن خميس الخروصي وهو فقيه وشاعر ترك لنا العديد من الأعمال منها «البيان والبرهان».

وكتاب «الأحداث والصفات» ويعد من العلماء البارزين في القرن الثالث الهجري.