أفكار وآراء

أزمة المياه والحلول المفقودة

20 مايو 2017
20 مايو 2017

سالم بن سيف العبدلي -

[email protected] -

ما إن يحل الصيف بحرارته الشديدة إلا وتظهر معه العديد من الأزمات وتنكشف الأخطاء التخطيطية التي تظل في بيات شتوي أثناء فصل الشتاء المعتدل فارتفاع درجة الحرارة يكشف المستور وتظهر معه بعض القضايا رويدا رويدا خاصة أزمتي الكهرباء والمياه التي تبرز معهما العديد من الأمور بسبب الخطط غير المدروسة وبعض القرارات غير الموفقة والتي أدت إلى تراكم المشكلة وظهور أخطاء من تركة الماضي والتي نجني ثمارها حاليا وهذه الأمور تمس المواطن مباشرة وبالتالي تجدها عندما تتفاقم تصاحبها ردة فعل مباشرة من قبل المجتمع في زمن أصبحت وسائل التواصل والتعبير عن الرأي متاحة للجميع.

ونحن نتحدث هنا تحديدا عن أزمة المياه الخانقة التي تعيشها بعض المناطق خاصة في محافظة مسقط فعلى سبيل المثال قبل أيّام تم قطع المياه عن عدد من الأحياء السكنية كالموالح والخوض والمعبيلة دون سابق إنذار مما اضطر معها المستهلكون الذهاب إلى محطات تعبئة المياه من أجل الحصول على المياه وهنا يقعون تحت رحمة أصحاب التناكر الذين يستغلون مثل هذه المواقف في رفع قيمة الصهريج لتصل إلى عشرة ريالات أو أكثر. طبعا هذه المشكلة من المتوقع ان تستمر وتزيد خاصة أننا ما زلنا في بداية الصيف والجميع يتذكر الأزمة التي عاشتها العديد من محافظات السلطنة ومن ضمنها محافظة مسقط العام المنصرم في هذا الوقت نفسه والتي استمرت لأكثر من شهر وهي متوقعة ان تحصل في أي وقت. وقد انتشرت في حينها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة صورا لطوابير المواطنين والمقيمين الذين ينتظرون دورهم أمام صهاريج المياه من أجل الحصول على قطرة الماء في أوان بلاستيكية ، طبعا هذا المشهد لم يكن ليحصل لو كان هناك تخطيط استراتيجي بعيد الأمد يراعي احتياجات الحاضر والمستقبل لذا لا نريد ان يتكرر ذلك المشهد مرة أخرى.

قضية الأمن المائي لا تقل أهمية عن قضيتي الأمن الغذائي والأمن الصحي بل هي تأتي في المقدمة فبدون توفر المياه الصالحة للشرب لا يمكن ان يعيش الإنسان، والدول ملزمة بتوفير هذه السلعة من أجل ضمان أمنها المائي في كل الأوقات، وأزمة المياه الحالية أصبحت حديث الناس في كل مكان ونعتقد أن هذه الأزمة تقف خلفها الكثير من الأمور التي نحن لا نعرف عنها ابتداء من تحويل وزارة الكهرباء والمياه إلى هيئة مستقلة والتي كان من المفترض أن تعمل بشكل مغاير عن السابق ومن ثم العقد الذي تم توقيعه في السابق مع شركة فرنسية لإدارة هذا القطاع الحيوي المهم ولا نعرف سر اختيار تلك الشركة؟ وهل هي مسؤولة عما يحصل من شح ونقص للمياه والتي كان ينبغي ان تؤخذ في الحسبان؟ فهذه الأزمة متوقعة خاصة في ظل زيادة الاستهلاك خلال فصل الصيف إضافة إلى تضاعف عدد السكان وزيادة الأنشطة السياحية والعقارية والصناعية والتي كان من المفترض أن تكون قد عمل لها ألف حساب.

هناك العديد من المبررات التي ساقتها الهيئة العامة للكهرباء والمياه حول أسباب انقطاع المياه والتي من أهمها تأخر المقاول في تسليم الأعمال الإضافية في محطة الغبرة إضافة إلى صيانة محطات التحلية أو توقفها المفاجئ وتارة بسبب انفجار الأنابيب ونقص الضخ ولأسباب فنية وغيرها من الأسباب غير المقنعة للمستهلك الذي يريد الحصول على المياه ولا تهمه هذه الأسباب.

من هنا فإننا نستنج بأن لدينا مشكلة حقيقية في إدارة هذا القطاع الحيوي المهم هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإن ما حصل يؤكد لنا بأنه ليس لدينا إدارة للأزمات فمثل هذه الظروف قد تحصل في أي وقت فإذا كان هكذا الحال في الأوقات العادية والظروف المواتية فكيف يكون الحال عند حصول أزمة لا قدر الله كأنواء مناخية أو ظروف غير مواتية؟. لا نعتقد انه لدينا مشكلة عدم توفر المياه فهناك مصادر مائية جيدة لو أحسن استغلالها لما وصلنا لهذه المرحلة فالبحر ينضح من حولنا لماذا لا تقام المزيد من محطات التحلية عليه؟، كما أن حوض سد وادي ضيقه بولاية قريات به كميات كبيرة من المياه على مدار العام يمكن ان يغذي محافظة مسقط وما حولها إضافة إلى أن مياه الأمطار والأودية تذهب سدا ولا يتم استغلاها فإما ان يكون مصيرها إلى البحر والبعض منها يتبخر والقليل منها يغذي الخزان الجوفي. فماذا لو تم تخزين الأمطار من خلال إنشاء خزانات كبيرة تحت الأرض مثلا بحيث تستخدم عند نقص المياه كما ان هناك نظاما ما يسمى بالسدود تحت الأرض وهي ناجحة في العديد من الدول وقد رأيناها في اليابان بحيث يتم إنشاء أنفاق او سدود تحت الأرض تخزن المياه الناتجة عن الأمطار والتي تمر تحت الأرض وقبل وصولها الى البحر ومن ثم يتم ضخها عند الحاجة.

وأخيرا نقول بأن لدينا أزمة إدارة وليست أزمة مياه لذا فقد حان الوقت لإصلاح هذا القطاع إداريا وماليا وإعادة هيكلته وتفعيل استراتيجية المياه والتي تم إقرارها حتى عام 2040 وربما من المناسب أن يتبع هذا القطاع مؤسسة سيادية واحدة تستطيع ان تديره بشكل مناسب وتحت كل الظروف ويتبعه كل ما يخص استخدامات المياه كما هو الحال في العديد من دول العالم والتي من بينها دول متقدمة.