أفكار وآراء

عالمان إسلاميان يسعيان لمنع التطرف داخل السجون الألمانية

19 مايو 2017
19 مايو 2017

سمير عواد -

يُعتبر سجن مدينة «رمشايد» بولاية شمال الراين وستفاليا وعاصمتها مدينة «دوسلدورف»، من السجون الألمانية المحصنة، وهذه الولاية هي الأكبر بين الولايات الألمانية الست عشرة، حيث يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة، ويعيش فيها أكبر عدد من الجالية العربية والإسلامية في ألمانيا. ويعود تاريخ إنشاء سجن الولاية إلى أواخر القرن التاسع عشر. ويصف المواطنون المحليون هذا السجن باسم «البرج»، نسبة إلى ارتفاع الجدران والأسلاك الشائكة التي تحيط به وتشكل أكبر عقبة أمام السجناء إذا فكروا بالفرار.

وقال مصطفى دويموس الذي يبلغ 37 عاما من العمر، ولؤي ردهان الذي يتساوى معه بالعمر، أنهما احتاجا إلى عدة أيام، حتى تمكنا من التعرف والتعود على مكان عملهما الجديد في هذا السجن. وكلاهما عالمان إسلاميان، يقومان بمهمة تجنب انتشار التطرف الديني بين السجناء في السجون الواقعة بولاية شمال الراين وستفاليا والبالغ عددها 36 سجنا.

ولأن العالمين الإسلاميين وجدا أنه من الصعب للغاية تحقيق هدفهما بالسرعة الممكنة لأن عدد السجناء الذين يريدون الإشراف عليهم يزيد عن 16 ألف سجين، فقد اضطرا إلى تدريب موظفي السجون لمساعدتهما وقالا أنهما تمكنا خلال فترة زمنية محدودة من تدريب حوالي 100 من موظفي السجون حول التعامل مع السجناء لهدف تجنب انتشار التطرف الديني بينهم خلال تمضية عقوبة الحبس.

ووجد العالمان الإسلاميان مصطفى ديمروس ولؤي ردهان، نفسيهما أمام العديد من الأسئلة عندما فكرا بهذا المشروع وقاما بعرضه للتنفيذ على السلطات الألمانية، مثل، ما هو التصرف العادي للمسلم المتدين؟ ما هي علامات التطرف الديني؟ مَن مِن السجناء معرض لأن يصبح متطرفا؟ من يعمل في دفعه إلى التطرف؟ وهل تعبير السجين عن فرحته لدى سماعه خبر تفجير إرهابي، عبارة عن استفزاز أو ينبغي أخذ رد فعله على محمل الجد؟

ومن أبرز أسباب موافقة الجهات الألمانية على المشروع الذي تقدم به العالمان الإسلاميان مصطفى ديمروس ولؤي ردهان، هو وجود عدد كبير من الإسلاميين المتطرفين في سجون الولاية. وتم اختيار المقر الرئيسي لهما في سجن مدينة «رمشايد»، الذي يقع على مسافة قريبة من عدد من سجون الولاية التي يوجد فيها سجناء إسلاميين متطرفين، مثل سجن الشباب في مدينة «فوبرتال - رونسدورف».

وأوضح ديمروس ولؤي أنهما يقومان بمشروع ريادي، وأن هدفهما الأساسي هو منع انتشار التطرف الديني بين السجناء بنسبة مائة بالمائة، بحيث لا يغادر أحدهم السجن عند انتهاء فترة الحبس، وقد أصبح إسلاميا متطرفا، إذا لم يكن هكذا عندما دخل السجن.

وقالت كاتيا جرافيج، مديرة سجن «رمشايد» : تقوم إدارة السجن بعزل الإسلاميين الذين يحاولون إقناع سجناء آخرين بأفكارهم المتطرفة.

وقال ردهان أن أسهل الأمور هو عندما يرفض السجناء تبني هذه الأفكار، لكن بعضهم يصغي للمتطرفين، وهؤلاء بالذات هم الأشخاص الذين نحن بصدد تصحيح مفاهيمهم حول الإسلام.

ومن علامات التطرف داخل السجون الألمانية من وجهة نظر ديمروس وردهان، قيام السجناء المقبلين على التطرف على تربية اللحى وتغيير ملابسهم باللباس الذي يرتديه السلفيون في ألمانيا، ويطلبون إخلاء الزنزانة من التلفزيون والراديو ورسم علم تنظيم داعش. وقد لا تكون هذه بجد علامات بأنهم على وشك أن يصبحوا متطرفين لأن الأهم من ذلك متابعة الحديث معهم وما يصدر عنهم من آراء وأقوال بالإضافة إلى مراقبة علاقاتهم مع غيرهم مع السجناء الآخرين.

ولا يثير قلق السلطات الألمانية تبني السجناء في السجون الألمانية أفكار وأهداف تنظيم - داعش- فحسب، وأكد ديمروس وردهان أنهما عثرا للتو على مواد وأعلام ورموز، ونصوص، تابعة لتنظيم -داعش- ولمنظمات أخرى، وأشار إلى ضرورة التركيز على مراقبة هؤلاء السجناء لحمايتهم من الأفكار المتطرفة التي هناك أصابع خارجية تسعى إلى انتشارها داخل السجون.

ويتحدث ديمروس اللغتين التركية والكردية بينما يتحدث ردهان اللغة العربية ولذلك يقومان بمراقبة رسائل البريد الواردة للسجناء. وأكدت كاتيا جرافيج : إننا نستفيد كثيرا من ديمروس وردهان.

وبرأي ديمروس، يكمن الخطر في أن الأفكار الأصولية المتطرفة قادرة على الانتشار بين السجناء بصورة سريعة للغاية، الأمر الذي أسفر في السابق عن تبني الكثير منهم لهذه الأفكار على الرغم من أنهم أميون. ووصف ديمروس ذلك بالوجبات السريعة حيث لا يفكر المرء بماذا يأكل وإنما أن يملأ معدته فقط. وباعتقاده فإن الذين يشكلون خطرا هم أتباع ما يُسمى بالجهاد المسلح، الذين يسعون لتجنيد السجناء لتنفيذ عمليات انتحارية.

وتجدر الإشارة إلى أن 34 إسلاميا متطرفا موجودين حاليا في سجون بولاية شمال الراين وستفاليا، يُشتبه بممارستهم الإرهاب، و150 منهم في سائر السجون الألمانية.

ويوجد أكثر من 3 آلاف سجين مسلم في سجون ولاية شمال الراين وستفاليا، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا للعالمين الشابين ديمروس وردهان. وبينما توفر الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية عددا كبيرا من العاملين الذين يعودون السجناء والتحدث إليهم حول شجونهم، فإن عدد الأئمة المسلمين الذين يزورون السجناء متدني للغاية علاوة على أنهم لا يزورون السجناء إلا يوما واحدا في الأسبوع وهو يوم الجمعة.

والمشكلة التي تواجه ديمروس وردهان أن غالبية الأئمة الذين تنتدبهم المنظمة الإسلامية التركية «ديتيب» إلى السجون، يتحدثون اللغة التركية فقط، ولذلك أخذ ديمروس وردهان على عاتقهما مهمة البحث عن عرب ومسلمين يتولون مهمة الحديث مع السجناء العرب حول شجونهم، من أجل تخفيف معاناتهم خلال عقوبة الحبس ومساعدتهم على مغادرته وهم على استعداد للتأقلم مع المجتمع بالسرعة الممكنة.