أفكار وآراء

الاقتصاد والسياسة في علاقات مصر وسلطنة عمان

17 مايو 2017
17 مايو 2017

مصباح قطب -

تدل معطيات كثيرة على أن العلاقات التاريخية بين سلطنة عمان ومصر بصدد أن تشهد انطلاقة جديدة، في أجواء ترتيبات إقليمية ودولية متغايرة، ومع إصلاحات اقتصادية قوية ومتشابهة في كلا البلدين، وتشير الزيارات المتبادلة بين البلدين والخطابات الصادرة عنهما الى ان التحضير جار على قدم وساق وبفهم عميق لإحداث نقلة نوعية في العلاقات التي ترتكز على تاريخ قديم وحديث من التبادل والتعاون والمصداقية والعقلانية والتجرد، وفي تقديري إننا لن ننتظر طويلا لنرى بوادر الانطلاقة التي تحدثنا عنها ليس فقط لجدية البلدين في عمليه تعزيز العلاقات وإكسابها أبعادا جديدة ولكن أيضا لأن الوقت لا يسمح بأي هدر لفرص سانحة أو لإمكانات بلدين يملكان الكثير ليقدمانه الى محيطهما العربي في وقت فوران سياسي واقتصادي وثقافي ظاهر وخطير في المنطقة، ولعل من المفيد الإشارة الى ما ورد في البيان الصحفي الشامل والصادر عن السلطنة امس بشأن العلاقات بين البلدين وما ورد فيه من ان مصر يمكن ان تكون محطة أساسية بالنسبة الى عمان لإعادة التصدير الى إفريقيا لندرك ان هناك الكثير من آفاق تطوير العلاقات مما لم يتم اكتشافه أو تفعيله بعد، وقد لا تكون مصادفة أيضا الدفعة التي تمت في العلاقات السياسية التي تمت بين سلطنة عمان وإثيوبيا منذ أسابيع قليلة لندرك أيضا ما يمكن ان تقوم به السلطنة في إفريقيا من دور لخدمة قضايا العمل المشترك بين دول حوض النيل فضلا عن أدوار أخرى في القارة التي ارتبط شرقها بشكل خاص بروابط ضاربة في القدم مع السلطنة، ويأتي الإعلان المتكرر في الأيام الأخيرة عن نهج سلطنة عمان في التعامل مع قضية الخليج العربي ومضيق هرمز والحرص البالغ على سلامة حركة التجارة والمرور الدولية في المضيق انطلاقا من سياسة حكيمة ورصينة وإقامة علاقة حوار منفتح مع الجميع لهذا الغرض لنعرف أيضا ماذا يعني ان تكون مصر صاحبة اهم ممر تجاري في العالم وهو قناة السويس وبين عمان التي تقوم على العناية بسلامة اهم مضيق بحري في العالم وهو هرمز، وقد يغيب عن كثيرين معرفة مدى ما يمكن ان تحرزه العلاقات بين البلدين من تقدم في الأيام المقبلة من جراء تحقيق التكامل في الأدوار بين ما تقوم به السلطنة في منطقة الدقم حيث العمل المخطط والواعي لإنشاء اكبر منطقة اقتصادية تنموية ولوجستية في الإقليم وبين ما تقوم به مصر وفي نفس الوقت تقريبا من تطوير ضخم لمنطقة اقتصادية بالغة الأهمية هي منطقة قناة السويس والتي تشمل أيضا من بين ما تشمله تدعيم دور الخدمات اللوجستية في المنطقة بما يجعل مصر مركزا عالميا رائدا ومحوريا في هذا المجال، واجدد هنا الدعوة التي أطلقتها منذ عام لتوقيع بروتوكول تعاون بين المنطقتين بما يزيد من القيمة المضافة لكل منهما ويقوي آليات التكامل وتبادل الخبرات والتعرف على آفاق أخرى للعمل المشترك، وكما شهدنا ونشهد فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مصر والسلطنة تسير هي الأخرى على النهج الذي تمضى عليه العلاقات الأشمل بين البلدين أي على قاعدة المنافع المتبادلة والشفافية والحرص على البناء للمستقبل فى كل خطوة دون الوقوف عند منهج صفقة بصفقة أو كيفما اتفق كما يقولون كما ان العلاقات الاقتصادية هي الأخرى محاطة كغيرها بوشائج ثقافية وتراثية وحضارية وروحية قوية ومتينة بما يعزز ديمومتها وسلامه أدواتها وأهدافها وإذ نلاحظ ان أي من البلدين لا يتوقف عند تفصيلات وبيانات التبادل التجاري ليحسب من زاد ومن نقص فإننا نلاحظ أيضا بزوغ ميل قوى الى تفضيل التعامل مع السلطنة في مجالات تبادل السلع والاستثمار كلما كان ممكنا كأولوية قبل النظر الى أي مصادر أخرى ويمكن متابعة ذلك بوضوح في تحليل علاقات رجال الأعمال من البلدين ببعضهما البعض ولدي بالفعل شواهد حية على مدى الاحترام والموثوقية في هذا النمط من التعاون بين الجانبين، ومن الظواهر الجديدة أيضا ان كل من مصر والسلطنة يعلمان أنهما قد يدفعان من وقت الى آخر ثمنا لنمط العلاقة الفريد بينهما لكن إصرارهما على عدم تغيير نهج الوضوح والأمانة والحرص على المصالح العربية ونبذ الخلافات وعدم التدخل في شؤون الآخرين هو إصرار يزيد يوما بعد آخر وسيلمس كل عربي في الفترة المقبلة ومهما كان دوي التحولات والتبدلات كيف انه في النهاية لا يصح إلا الصحيح وان الطريق الذي اختارته السلطنة ومصر هو المسار الذي يتعين ان يسلكه الجميع وفي الحد الأدنى يقدر قيمته وقدرته على الحفاظ على المصالح العربية بنزاهة وتجرد مهما كانت الأعاصير، ولا يمكن لعلاقات ان تزدهر حقا دون اختبار قوتها شعبيا وأستطيع ان أدعو أن سلطنة عمان هي البلد التي تفوق غيرها وبمسافة واضحه في نظر كل مصري عمل أو أقام بها من حيث تحضر أهلها وأمانها وحميميتها وجمعها الواثق بين الحفاظ على التقاليد وبين التحديث الرصين والفعال للحياة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعمرانية، فسلطنة عمان غرام إنساني عند كل مصري أقام بها كما يعلم العمانيون ان مصر غرام إنساني عند أبناء الأمم المختلفة ويتأسس على هذا البعد الاجتماعي للعلاقات أو يمكن ان يتأسس عليه أبعاد أخرى لتمتين الروابط وديمومتها، وقد لا يتسع المجال لسرد التحديات السابقة التي واجهها البلدان وتغلب عليها حتى تستمر علاقاتهما على نفس المستوى فالموقف الرائع لجلالة السلطان قابوس خلال أزمة مقاطعة مصر من بعض الدول العربية تحت اسم الصمود والتصدي ليس ببعيد لكن أودّ القول ان القادم ربما يكون أصعب من وجهات نظر كثيرين لان ما جرى في العالم العربي في السنوات الأخيرة وما زال يجري من حروب وصراعات وتدخلات مدمرة وتناحر وتحطيم منهجي في البنية الاقتصادية والاجتماعية ليس من السهل التغلب عليه ورد الأمور الى نصابها فما فقدناه مروع لكن الأمر عند أولي العزم يختلف ودوّل الحضارات الراسخة تعمل دائما بالمنطق الذي يجسده المثل الشعبي المصري «ياما دقت على الراس طبول» ولا تفقد مقود الدفع حتى وسط أشد الأنواء، وفي يقيني ان هي إلا فترة وجيزة حتى تعبر الأمة بفضل جهود دول كمصر وعمان ما يعوق تقدمها وعصريتها ويحفظ هويتها وتلاحمها، ومن أجل ذلك فإن تمتين علاقات مصر وعمان اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا هو مكسب لكل عربي في الحاضر الصعب وفي المستقبل المزدهر بإذن الله .