randa-s
randa-s
أعمدة

عطر : أنتِ آخر معاقل الطيبة

17 مايو 2017
17 مايو 2017

رندة صادق -

[email protected] -

هل نعرف حقا من نتعامل معهم؟ هل تصلنا أفكارهم وأحلامهم؟ هل ندرك تقلباتهم؟ هل نعلم أنهم يخشوننا، هل نتمكن من فهم ابتساماتهم ولغتهم؟ هل نتعايش لأننا محكومون بتاريخ وجودنا، أم تجمعنا جغرافية قدرية لا تتفق مع طموحاتنا؟

تساؤلات ازدحمت في رأسي وأنا أسمعها تتكلم، امرأة عرفتها حين تقاطعنا على صفحات التواصل وجمعتنا العولمة في غرف الدردشة، حيث بإمكاننا أن نلبس وجوها كثيرة وان نكون من نشاء أن نكون، نتجمل حد الاكتمال، ونبالغ في الأناقة حد السقوط في رتابة التحية وشكلها رقي مبالغ فيه ووجه مبتسم دائما، نحن بخير لا تظنون العكس؟ عالم يلبسنا طقسه ويضعنا في طقوسه، بعد فترة اكتشفنا أننا من مدينة واحدة، نمر على أسفلت واحد تقرح وجهه وغارت معالمه من طول الإهمال، نعاني الازدحام نفسه، ونعيش برنامجا واحدا لانقطاع الكهرباء، نتشارك نشرات الأخبار وتصلنا أنباء الموت اليومي، في مدينة بلا حراس يحرسون طفولتها أو رعاة يؤمنون الدفء لشيوخها، مدينة كان للقناصة فيها غزواتهم وللطائفية ألف شكل وألف نافذة لتطل منها. عرفتها على مراحل وحين التقينا وتقاربنا لمست وجعها مكامن الضعف والقوة بشخصيتها، امرأة لها قلب كل النساء وبعقل كل الرجال أو هكذا كنت أظن .

غالبا تبهرنا الشخصيات المختلفة عنا، فنظن أننا أمام مساحات الجدل نطرق الأبواب المغلقة ونفتح آفاقا جديدة لعطش الحبر في أقلامنا، مرات كثيرة كنا نبحر عكس الفكرة لنقرأ المشهد الواحد من زاويتين مختلفتين، كنا نتكلم بلا رتوش ولا مساحيق خباثة، الخير الكلي والقناعة الكلية بأننا نمثل شكلا من أشكال الحياة والوعي المختلف، حديثنا الهاتفي كنا نتمنى ان نسجله فهو مادة دسمة لحوار قد نستخدمه في قصة تشبه تلفزيون الواقع ونسميها “هاتف الواقع” نتكلم لساعات بفضفضة فلسفية صوفية حينا، ومادية حينا أخرى، متطرفة حينا، ونقية حينا أخرى، نعبث مع اللغة ونلعب لعبة الذكاء المتناقض، نغلق الهاتف ونضحك، “انه جنون الكتاب”، لم أشعر يوما بأننا متنافستان ولا متقابلتان ولا حتى متوازيتان، فكل واحدة لها مسارها وطبيعة حياتها، ولكن كل منا كانت تؤمن بموهبة الأخرى، وتتمنى للأخرى النجاح، حين فكرت ان أعمل وحدي قلت سأشارك صديقتي فهي تشكو من قلة الأعمال لنجرب حظنا معا ونحاول ان نصنع اعلاما يشبهنا، ولكنها اعتذرت، وقالت انها على أبواب مرحلة جديدة وأنها قد تمضي عقدا مع شركة جديدة تؤمن لها دخلا ثابتا، ففرحت لها ولكن كعادتي أخاف على طيبتها، فأردت الاطمئنان عليها والسؤال عن تلك الشركة هل هي جديرة بالثقة وستحفظ حقوقها، خاصة أننا في زمن السرقات الفكرية ولكنها تمنعت عن ذكر اسمها، ساد صمت ثقيل على لساني نبت الصبار، وزودتني رسالة تهربها بطاقة سلبية: أخبرتِني الكثير عنكِ عن كل تفاصيلك عن عنادك وغضبك وعلاقتك بمن حولك، اعرف يومياتك وخيباتك وأحلامك، تفاصيل كثيرة أهم من اسم الشركة، ولكن ما أضحكني هو تبريرها أن الشركة طلبت منها التكتم عن اسمها.

كم علينا ان نحترم الشركات ونلبي أمنياتها، وكم تصبح وعودنا للمارة والعابرين أكثر أهمية من عفويتنا وتلقائيتنا، ومع هذا لم اكتب نصي هذا إلا لأقول، البعض يخشى الحسد أو يعيش بمنطق المثل المصري “داري على شمعتك تقيد”

ولكن كنت أظن أنكِ آخر معاقل الطيبة، فتبين أنك مثلهم ومثلي ومثل كل الناس تصيبك الريبة ويزعزع ايمانك الشك، خذلني حذرك، وعلمني ان لا أكون صوتا جهورا أو كتابا مفتوحا، علمني أن ألملم عفويتي فلا أحرج نفسي أو أحرج جليسي “نحن جمعتنا الجلسة لا النوايا الطيبة” لا أكثر.