abdullah
abdullah
أعمدة

رماد: الذكريات

17 مايو 2017
17 مايو 2017

عبدالله بن محمد المعمري -

[email protected] -

مضت الأيام، ولا تزال الذاكرة متخمة بتلك الأحداث التي يصعب نسيانها، تلك التي لا يمر على العقل يوم إلا ويتذكر بعضًا من تفاصيلها، ذلك أنها مرتبطة بالعاطفة والوجدان، وبالقلب الذي هو محرك الروح وسر الحياة فيها. لتتحول الذكرى طيفًا يمر على القلب ليراها تتكرر أمام ناظره، ويستعيد معها تفاصيل أصحاب تلك الذكريات.

وإن تعدد أسباب تكون الذكريات، وإن صاحبها حنين واشتياق، فهي ذاتية الحدوث لأسباب كونتها من الفراق أو الرحيل أو الغياب، فتعددية الأسباب لعدم وجود من صنعوا تلك المواقف والأحداث الجميلة في حياتنا، أو حتى السيئة، ومدى الارتباط بهؤلاء الراحلون تكون قوة الذاكرة، والتذكر المتكرر كلما حدث موقف مشابه، أو سمعنا صوتا مشابها، بل وحتى إن ممرنا بذات المكان أو الطريق، أو شممنا ذات الرائحة، فكل الحواس تترجم للذاكرة ما قد مضى، وتعيد لها شريط الأحداث ولكأنه حدث بالأمس.

وترافق الذكريات لحظات من الحزن تارة، ومن الغصة تارة، ومن البكاء تارة، ومن الغضب تارة، بل ومن ارتسام البسمة على الوجه تارة أخرى، فلكل موقف أو صورة تحرك المشاعر، وتزيد من تدفقها لذات الموقف المتكرر في الذاكرة، ليسري في ذلك الجسد أحاسيس بواقع ما قد حدث.

ومع أن أصحاب تلك المواقف أو القابعون في الذاكرة قد رحلوا، أينما كان نوع هذا الرحيل أو حتى أسبابه، إلا أن صاحب الذاكرة هو وحده فقط من يعيش لحظات التذكر، ويستقطع من وقته، بل وربما تؤثر على ما قد هو مقدم على فعله أو القيام به في حياته الواقعية، فالذكريات إما أن تكون حجر عثرة في طريق صاحبها، وإما ان تكون محركا ودافعا له للمضي في ذلك الطريق.

إلا أنه ومع كل هذه التأثير، السلبي كان أو الإيجابي، على الإنسان منا أن يصفي ذاكرته، ويحاول أن يوجد في تلك الذاكرة مساحة للنسيان، وإن لم يستطع، فعليه أن يتصنع النسيان، حينما يكون للذكريات ضرر على مشاعره، وتوقف حياته أو إعاقة تقدمها، فالواقع أجمل مما قد مضى بروح تحب الحياة.