fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج: مهاتير يأسر قلوب الشباب

17 مايو 2017
17 مايو 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

لا نشك أن التجربة الماليزية بقيادة مهاتير محمد كانت ناجحة إلى ما في بلد مثل ماليزيا، وكانت كل الظروف مهيأة لجعل ماليزيا متفوقة صناعيا تضاهي الدول المتقدمة، ولا نستغرب من هذا الرجل الذي بلغ اليوم اثنين وتسعين عاما أن يتحلى بهذه المواصفات، حيث بدأ حياته من الصفر واعتلى أعلى المنابر في بلاده التي قادها بكل عزيمة وإصرار وتحدّ إلى الرقي والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، وهو الذي أصرّ على أن تكون تجربته مختلفة تماما عن كل التجارب، فبدأ يفكّر وهو في بداية حياته العملية في التجارب الناجحة أمامه واستقى منها طريقة النجاح بعد البحث في أسبابه، وعمل على توظيف قدراته الفكرية والذهنية والعملية إلى جانب التزامه بالقوانين الصارمة لإحداث هذه النقلة النوعية في الحياة العامة.

نحن اليوم منبهرون بالتجربة المهاتيرية الرائدة التي حوّلت ماليزيا من بلد عادي إلى بلد رائد، وهذا واقع لا يشك فيه أحد، ولكن انبهارنا لا يكون بالشخصية ذاتها بل بالطريقة التي اعتمدها وهو يشقّ طريق نحو الريادة، والأسلوب الذي اعتمده وهو يفكر في جعل بلاده واحدة من المراكز الصناعية رغم محدودية الثروات الطبيعية، إلى جانب الإدارة الجيدة والتخطيط السليم والتنفيذ الأمين، وقبل ذلك كله التوكل على الرحمن الرحيم، كل هذه العوامل هي التي تصنع الإنسان من الصفر إلى أعلى الأرقام، وتؤدي بالإنسان إلى التعلم من التجارب الناجحة التي تمر في العالم مرور السحاب، وليس مهاتير محمد الرجل الوحيد الذي قاد بلاده نحو النجاح الفائق، فهناك تجارب كثيرة حولت البلدان من دمار إلى أعلى عمران، ولا أدل ذلك التجربة اليابانية التي تأثر بها مهاتير محمد نفسه وعرف أسباب نجاحها وفقه مداخليها ومخارجها، وعرف كيف يوظف القدرات البشرية والثروة الإنسانية في تحقيق المجد.

نحن لا يعنينا مهاتير الشخص بقدر ما يعنينا مهاتير التجربة، ولا نحاول أن نسقط تجربته على أي دولة، فقد تفشل في تحقيق ما حققه هو في بلده، فلكل بلد ظروفه ومعطياته وقدراته، وما حصل من تعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي حول ضرورة إسقاط التجربة الماليزية على بعض الدول خطأ استراتيجي كبير من جميع النواحي، فليست هناك ضمانات مؤكدة للنجاح إلا بعد دراسة ما في البلد من إمكانات، وعليه كانت التعليقات خارجة عن الإطار لأنها تبحث عن الجانب السلبي من الواقع المعاش دون محاولة للبحث في الأسباب، ولأننا نرى أنفسنا غير إيجابيين فنحن نساهم في عدم التحول نحو الأفضل، وكان ينبغي على الشباب دراسة التجربة المهاتيرية التي هي ليست وليدة اليوم بل منذ أكثر من 20 سنة مضت.

فإذا كنا فعلا نريد أن نحقق ما حققه مهاتير محمد علينا البحث في أسباب النجاح العامة، وما توفر لدينا من قدرات، وما المجالات التي يمكن أن نقفز من خلالها إلى هذا العالم، ثم نباشر العمل دون انقطاع، فالرجل ناضل من أجل ذلك، وتحمّل الصعوبات والمشاق، وكرّس تفكيره لخدمة البلاد دون أن يفكر أن يخدم مصالحه الخاصة والشخصية على مصلحة العباد والبلاد، وكانت كل هذه الهواجس التي تأسر الإنسان العادي لم تجد لها مكانا عنده، لذلك نجح في مهمته، واستطاع بما عنده من قدرات أن يخرج ببلاده من طور الاستهلاك إلى طور الإنتاج.

تجربة في محلها لكن لا نبقى نتغنى بمجدها، بل علينا العمل من أجل تحقيق مثلها مع الفوارق في الموارد الطبيعية والبشرية، فبناء الإنسان هو الأساس في أي استراتيجية للنمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي، وهذا يتطلب إعداد خطط واسترتيجيات على المديين القريب والبعيد مع الجدية في التنفيذ حسب ما تمليه الظروف.