1013596
1013596
الرئيسية

زخرفة المحاريب في المساجد الأثرية العمانية القديمة.. تاريخ طويل وقيمة معمارية استثنائية

16 مايو 2017
16 مايو 2017

حصر 344 مسجدا وجامعا أثريا -

نزوى – محمد الحضـرمي -

تعد المحاريب في المساجد الأثرية العمانية إحدى روائع فن التنقيش، والذي ابتدأ خلال القرن السابع الهجري، وكثر استخدامه خلال القرن العاشر، وامتد إلى القرن الثالث عشر، ومن خلاله عُرفت مجموعة من النقاشين العمانيين تمرسوا في هذه الصنعة الفنية، وظهر منهم عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي، ومشمل بن عمر بن عمر بن محمد المنحي، وابنه طالب بن مشمل، وحفيده علي بن طالب بن مشمل وأولادهم بعد ذلك، وعيسى بن عبدالله بن يوسف، وغيرهم، ما تزال آثارهم شاخصة في كثير من محاريب المساجد الأثرية، ما تزال باقية إلى اليوم، صمدت رغم عوادي الزمان، كما في مساجد ولايات منح وبهلا ونزوى ونخل وغيرها، وما بقي من المساجد يعد قليلا قياسا باتساع التجربة، إذ يتناقل الأهالي عن اندثار الكثير من المساجد ذات المحاريب المزخرفة، وكثير منها بسبب التحديث وإعادة الإعمار، مما تسبب في انطماس كثير من المحاريب في الجوامع والمساجد.

زخرفة المحاريب القديمة

خلال الأيام الماضية نظمت وزارة التراث والثقافة ممثلة في دائرة القلاع والحصون ومركز نزوى الثقافي بمحافظة الداخلية، فعالية حول «زخرفة المحاريب في عمان»، أقيمت الفعالية في مسرح المركز الثقافي وشارك في تنفيذها علي بن سعيد العدوي رئيس قسم التراث بمحافظة الداخلية، الذي ألقى محاضرة حول المحاريب الجصية، كما شاركت بدرية البوسعيدية التي ألقت محاضرة حول المساجد التاريخية والأثرية في السلطنة، قدمت الورقتان تطوافا رائعا في إبداعات فن التنقيش، وأعادت بالحضور مجد الآباء قبل قرون ماضية، وإسهام النقاشين العمانيين في زخرفة المحاريب، لتبدو اليوم تحفا فنية. قال العدوي في محاضرته: إن المساجد العمانية تتميز بالمحاريب الجصية، ووجود مكان لتبريد المياه، وبئر لتوفير الماء، ولم تعرف بوجود قباب، كما امتازت بالبومة، وهي أشبه بقبة صغيرة تبنى في أحد أركان المسجد، ينتهي عندها درج الصعود إلى السقف، وامتازت أيضا بالمنابر.

أما المحاريب الجصية في المساجد العمانية فقد انتشرت في الفترة الثانية من حكم أسرة النباهنة، واستمرت من 906 -1034هـ /‏‏‏1500-1624م، تميز عصرهم بالرفاهية والفخامة.

خلال هذه الفترة ظهرت مجموعة من المساجد بها محاريب بنقوش جميلة، ومن خلال تطور المساجد في عمان فقد مرت بجانب من الاهتمام في بناء المحاريب الجصية، ويعتبر سلسلة من التطور العمراني في عمارة المساجد الذي استمر الاهتمام به حتى يومنا هذا، وهو زخرفة المحاريب وإتقانها في مرحلة من مراحل التطور في بناء المساجد، كانت بداية فن التنقيش في القرن السابع الهجري، وازدهرت في القرن العاشر الهجري وامتد إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري.

مدرسة من النقاشين

ويعد الصانع عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي، والصانع مشمل بن عمر بن محمد وولده طالب مدرسة لهذا الفن، وهؤلاء الثلاثة من «ولاية منح»، حيث يعرف حتى اليوم بيت من بيوت حارة البلاد الأثرية في منح ببيت الهميمي.

إذ ازدهرت على أيديهم فن النقش على المحاريب، وتتكون النقوش من آيات قرآنية كريمة والشهادتين بخط كوفي جميل، مع تواريخ الإنشاء، وأسماء من قاموا بتمويل البناء، والصناع الذين صنعوا هذه المحاريب، إضافة إلى نقوش هندسية بديعة تتحلى بها تلك المحاريب، ولا زال عدد لا بأس به موجودا حتى اليوم، يقاوم عوامل الاندثار والتهدم.

كما تتميز المساجد في عُمان بالروحانية المرهفة، والبساطة في البناء، والجمال في التكوين، ولا غرابة في ذلك، إذ أن اهتمام العُماني كان منصباً على الغاية من تلك المساجد، وهي عبادة الله وأداء الصلاة فيها.

زخارف هندسية ونباتية وكتابية

من جانب آخر، فإن محاريب المساجد الأثرية ظهرت بزخارف يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع، وهي زخارف هندسية ونباتية وكتابية، فالهندسية أبرزت تشكيلات هندسية رائعة، باستخدام الدوائر والمثلثات، والبروز والضمور داخل جسم المحراب، والتدرج في أحجام الخواتم، فيما أبرزت النقوش النباتية أشكالا زهرية رائعة، وأظهرت الزخرفة الكتابية فن الخط العربي في كتابة الآيات القرآنية وغيرها داخل المحراب.

كما حفلت هذه المحاريب بالتوقيعات التي وثقت العمل، جمعت التوقيعات بين النقاش والقائم بالعمل مع توثيق التأريخ، التي مثلت مفتاحا لمعرفة زمن التنقيش، وعمر كل محراب واسم صانع المحراب.

هويّة المجتمع وتاريخه

وتحدثت بدرية بنت مبارك البوسعيدية أخصائية نظم معلومات جغرافية بوزارة التراث والثقافة، عن المساجد التاريخية والأثرية في السلطنة،قائلة : إن العمارة العُمانيّة الدينيّة القديمة تمثل شكلا فنيّا يعكس هويّة المجتمع وتاريخه، ولهذا ارتبطت عمارة المساجد القديمة بأنماط وأساليب البناء القديمة المتكيّفة والمتماشية بشكل خاصّ مع بيئة البلاد وطبيعتها.

وأضافت: إن المساجد العمانية القديمة تتميز ببساطة بنيانها، وغياب المنارات، والقباب فيها أغلب الأحيان، كما تنفرد بارتفاعها عن مستوى سطح المباني المجاورة لها، وبالنقوش الخشبيّة والجصيّة، ولذلك تعدّ بعض هذه السمات السابقة من الخصوصيات التّي تنفرد بها المساجد العُمانيّة.

وقسمت الباحثة في دارستها مساجد عُمان إلى صنفين رئيسين هما: مساجد الداخل ومساجد الساحل، حيث تتكون مساجد الداخل من قاعة صلاة مربّعة أو مستطيلة الشكل، توجد بها أعمدة أحيانا حسب مساحة المسجد، وبها محراب ضحل العمق، يبنى بيسر في سمك الجدار، دون أن يكون له بروز في هيكل المسجد الخارجي، وتخترق جدرانه جملة من «الروازن» استغلت غالبا لحفظ المصاحف ومختلف الكتب الفقهيّة، كما تعلو جدرانه كوى تهوية وإضاءة.

«البومة» تحل مقام المنارة

أما المنارة فهي ليست معروفة في عُمان، وهي نمط معماريّ مستحدث، لم يكن في عصر الإسلام المبكّر، تتميّز بها المساجد العُمانيّة حتّى تلك التّي بُنيت خارج عُمان». ونلاحظ أنّ ما اصطلح على تسميته «البومة»، يقوم مقام المنارة وتمثل برجا صغيرا مدبّبا.

ويتمركز عادة داخل قاعة الصلاة في أحد ركنيها الجنوبيّ أو الشماليّ سلّم مستقيم أو حلزوني صاعد إلى سطح المسجد ينتهي بشكل مثَّلث يستعمل للوصول إلى السطح ولنداء حيث كان النداء للصلاة يتم من فوق السطح.

أما المساجد الساحلية فتتصف عمارتها في أغلب الأحيان بالضخامة، وبانتشار الزخارف والنقوش في مختلف وحداتها، وخاصة المآذن المنمّقة، منها الأسطوانية كما في مساجد قرية أبو بقرة الساحليّة بولاية شناص، والمئذنة المربّعة الشّكل كما في مسجد الزواوي.

ستة أنواع من المساجد

وتتفرّع عنهما أشكال مختلفة من المساجد باختلاف وظائفها ومواقعها، ويمكن تقسيمها إلى ستّة أنواع مختلفة، وهي: مساجد الفروض (مساجد الحارات): تتميّز مساجد الفروض بصغر حجمها وانتشارها، والجوامع وهي المساجد التّي تقام بها صلاة الجمعة فضلا عن الصلوات الخمس، ومساجد المزارع/‏‏‏ ومساجد البيادر/‏‏‏ التي توجد في الضواحي، وهي مساجد صغيرة الحجم، محدودة المساحة، قليلة الارتفاع، وتنتشر قرب واحات النخيل.

أما مساجد العُبّاد فهي مساجد مخصّصة للعبادة والتأمّل والانقطاع عن الحياة ومشاغلها، وتتميّز بالتقشف والبساطة في البناء، وتقع عادة في أطراف المدينة وخارج أسوارها.

وهناك مساجد داخل القلاع والحصون، تنتشر بجوار أو داخل القلاع والحصون، وهي ذات الأهميّة السياسيّة والدينيّة، وتستخدم كمدارس وجامعات بحسب حجمها.

أما المُصَلّيات كمصلى العيد فخصّصت لصلاة العيد، وهي عبارة عن فضاءات مكشوفة يحيط بها جدار قليل الارتفاع، تبنى عادة خارج القرى والأحياء، ومصلى المقابر: تؤدى فيها صلاة الجنائز، وتكون بالقرب من المقابر أو داخلها.

344 مسجدا وجامعا أثريا

وتحدثت الباحثة في ورقتها عن حصر جميع المساجد والجوامع الأثرية في السلطنة، وبلغت 344 مسجدا وجامعا، وكذلك عن مشروع توثيق المساجد العمانية والأثرية، الذي بدأ في عام 2015، وشمل توثيق المساجد والجوامع ذات الأهمية التاريخية والقيمة المعمارية الاستثنائية.