الملف السياسي

بين المراجعة الجوهرية والتراجع البراجماتي

15 مايو 2017
15 مايو 2017

عبد الله العليان -

منذ فترة عرض خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحماس في مؤتمر صحفي ،وثيقة جديدة لحركة حماس، وتعتبر هذه الوثيقة هي الأولى منذ 30 عاما، أي منذ تأسيس حركة حماس كحركة مقاومة فلسطينية في الداخل، ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقال خالد مشعل ما نصه في هذا المؤتمر عن الوثيقة «إن الوثيقة تقدم نموذجا لانفتاح حماس على التعامل مع الواقع دون الإخلال بالثوابت. وتمسكت حماس بعدم الاعتراف «بشرعية الكيان الصهيوني»، وبعدم «التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال»، لكنها اعتبرت أن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 «صيغة توافقية وطنية مشتركة». وأضافت هذه الوثيقة إن «مقاومة الاحتلال بالوسائل والأساليب كافة،حق مشروع كفلته الشرائع السماوية،والأعراف والقوانين الدولية، وفي القلب منها المقاومة المسلحة التي تعد الخيار الإستراتيجي لحماية الثوابت واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني». لكن إسرائيل رفضت هذه الوثيقة، فقد أصدر مكتب رئيس حكومة الاحتلال في إسرائيل بنيامين نتانياهو بيانا قال فيه «إن وثيقة حماس هي محاولة لتضليل العالم من قبل الحركة مؤكدا أنها لن تنجح» وقد عكس هذا البيان الخوف والقلق والمتابعة الحثيثة من قبل الحكومة الإسرائيلية للوثيقة التي أعلنت في أهم بنودها وهو البند العشرون «إن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم.

ولا شك أن حماس في هذه الوثيقة لم تأت بجديد، يختلف عن نهجها منذ عقدين تقريباً، في الاعتراف بالواقع الجديد، المتمثل في إقامة سلطة قائمة في ظل ما هو متاح للشعب الفلسطيني في ظل تلك المرحلة، صحيح أن حماس تمسكت ببرنامجها السياسي، من الجانب الفكري فقط ،مثلها مثل حركة فتح والجبهة الشعبية، والديمقراطية الخ:، لكنها تعاملت مع الواقع في الضفة والقطاع، إذ اعترفت بالسلطة الفلسطينية، ودخلت انتخابات المجلس التشريعي في عام 2006،وهي بلا شك كانت انتخابات سياسية بكل المقاييس، التي حققت فيها فوزاً كبيراً، وهذا الأمر يعد اعترافاً بالواقع،ولذلك فإن الوثيقة الجديدة، هي خيار جديد للتعامل مع الواقع كما هو قائم، والبعد عن ما هو مثالي، فالظروف العربية المحيطة، في غاية الصعوبة، والأزمة الداخلية الفلسطينية، تواجه تحديات وخلافات، وهذه التغييرات في التوجه السياسي، حاجة لابد منها لمواجهة ما هو واقع على الأرض، وهذا يراه البعض نوعا من البراجماتية في حدودها القائمة والبعض يراها تنازلاً، وهذا ما حصل للكثير من حركات التحرر الوطني، عندما تجد أنها في ظروف سياسية وعسكرية واقتصادية ضاغطة، وهذا الأمر ليس لحماس فقط ، فقد حصل للكثير من الحركات الوطنية ،كما أن حماس واجهت الكثير من الضغوط الدولية، للإذعان لما يراد لها أن تسير عليه، منها تراجع الدعم المالي الخارجي. ووضعت على قائمة الإرهاب، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وهددت إسرائيل السلطة الفلسطينية، أن التعامل مع هذه السلطة المنتخبة، سوف تضطر إسرائيل إلى اعتبار من يتعامل منها، كياناً إرهابياً، كما أن الولايات المتحدة، رفضت التعامل مع أي حكومة، تكون حماس شريكة فيها، ودفعت باللجنة الرباعية إلى وضع شروط مشددة للقبول بالاعتراف بهذه الحكومة التي ترأسها حماس، منها نبذ العنف،و الالتزام بالقرارات الدولية الموقعة مع إسرائيل،والاعتراف بإسرائيل، والالتزام بما تم الاتفاق عليه في خارطة الطريق، كما حوصرت حركة حماس ووضعت في الزاوية، ولم تستطع السلطة أن تواجه هذا الموقع الدولي الضاغط على نتائج الانتخابات، واستجابت لهذه الضغوط ، وهي مضطرة لهذا الوضع، لكن حماس تمسكت بموقفها بعد هذه النتائج، لكن بعد ما جرى في 2011، ازدادت الظروف الضاغطة على حماس من كل مكان، إلى جانب الخلافات الداخلية القديمة/‏‏ الجديدة، وسبب هذا الحصار المالي إلى أزمة كبيرة للمواطنين الفلسطينيين في غزة،أن الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر انتقد بشدة هذا الحصار باعتباره عقابا للأبرياء من الشعب الفلسطيني،قائلاً «إن الإدارة الأمريكية أصبحت القوة الدافعة والمحركة لاستمرار هذه الجريمة التي أدت إلى حرمان عامة الناس وجمهور المواطنين الفلسطينيين من الحصول على دخلهم المالي، ومنع التواصل مع العالم الخارجي وتأمين احتياجاتهم الحياتية والأساسية». فالحصار الاقتصادي الذي تم فرضه على السلطة المنتخبة، أدى إلى أزمات كبيرة،مسببة تفاقم الأمراض والأوبئة، وتدني نشاط الحركة التجارية،ولا شك أن الظروف تقدر بقدرها، وأن المراجعة للأفكار والأطروحات، مسألة طبيعية، عندما نكون هناك متطلبات تدعو إلى ذلك، وبصرف النظر، كما يقول الكاتب ساري عرابي، «عن الأسباب التي دعتها من موقعها حركة رافضة لانحدار الحركة الوطنية؛ للتعاطي الإيجابي مع هذه الفكرة، أو لتقديمها في صيغة المبادرة، سواء كانت لدفع العدمية عن نفسها، أو حينها اقتناعا منها بإمكانية تحويل الفكرة إلى برنامج سياسي، أو لتعبيد الطريق أمام حركتها السياسية وعلاقاتها الإقليمية والدولية، فإنها كانت عموما إجراء سياسيا لا مبدأ سياسيا.

فالبعض يرى أن هذه المراجعة متوقعة، حتمتها الظروف والمعطيات القائمة، لكن حركة حماس في هذه الوثيقة، لم تذهب بعيداً عن الخطوط العامة لما كانت تبرزه في وثائقها السابقة، لكنها، حاولت أن تخفف الكثير من بعض المواقف القوية، ومنها الاعتراف بدولة فلسطينية على أرض 1967، فهل هذا تراجع عن فكرها السابق ورؤيتها السياسية؟ أم هو تكتيك مرحلي وبراجماتي للتعامل مع ما قائم وضاغط؟ الأشهر القادمة ستكشف هذه التوجهات.