الملف السياسي

هل تظل «حماس» رقما صعبا في المعادلة ؟

15 مايو 2017
15 مايو 2017

علاء الدين يوسف -

,, ليست حماس أول جماعة أو منظمة «نضالية» في سبيل تحرير الأرض على الصعيد العالمي تلجأ إلى تغيير مرجعيتها السياسية والفكرية لمواكبة الكثير من التغيرات الإقليمية والدولية، فقد حدث مرارا وتكرارا في مناطق متفرقة من العالم أن اضطرت أو اختارت أكثر من منظمة تحرير وطني التخلي عن الكفاح المسلح والتنازل عن بعض ثوابتها على أمل تحقيق مكاسب عاجلة أو عدم الخروج من المعادلة الإقليمية على أقل تقدير ,, 

لن نذهب بعيدا في هذا المضمار، فمن المعروف أن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها سبقت حركة حماس وقبل سنوات عديدة في هذا التوجه، ولا يزال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على أبواب الإليزيه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ماثلا في الأذهان عندما أعلن أن «ميثاق المنظمة أصبح من الماضي» مستعملا كلمته الفرنسية الشهيرة «كاديوك»، وبهذه الكلمة أسقط عرفات نهج الكفاح المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية معلنا عن مسار سياسي جديد لتسوية الصراع، وأغلب الظن أنه من رحم هذه الكلمة ولدت الكثير من الاتفاقيات السياسية بين المنظمة وإسرائيل على غرار اتفاقيات اوسلو وغزة وأريحا أولا ثم سلسلة من الاتفاقيات المتتالية بهدف الوصول إلى تسوية مقبولة.

ولاشك في أن مثل هذا التحول أسفر عن بعض المكاسب كظهور السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة لكيان فلسطيني آخذ في التشكل، وأصبح هناك رئيس لهذه السلطة وحصل المواطن الفلسطيني على جواز سفر معترف به، وأصبح لياسر عرفات مكانة دولية مكنته على سبيل المثال من دخول البيت الأبيض بعدما كان يعامل كشخصية «إرهابية»، بينما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة لتعود كاملة للادارة الفلسطينية، وكان من المفترض أن تؤدي هذه التطورات إلى نتائج إيجابية تنقل الفلسطينيين إلى مراحل أفضل من السلام والاستقرار، إلا أن شواهد وأحداثا عديدة تؤكد ان ما تعرض له الفلسطينيون من قتل ومذابح ودمار وخراب وحروب وتنكيل وتشريد على أيدي الحكومات الإسرائيلية المتتالية منذ هذا التاريخ لا تقل في بشاعتها وخطورتها عما تعرض له الفلسطينيون قبله، بل إن عنصرا تخريبيا جديدا أكثر خطورة فرض نفسه على الساحة الفلسطينية تمثل في حالة الانقسام الكبيرة التي شقت وحدة الصف الفلسطيني بعدما قررت حركة حماس خوض غمار السياسة ولكن بعقلية الثوار والمناضلين ، مما أعطى الصهاينة حججا كاذبة على مدار سنوات عديدة بأنهم لا يجدون شريكا للسلام على الطرف الآخر!

وهذا ما يدفع بالفعل إلى منح شيء من المنطق لهذا التساؤل؛هل ستظل «حماس» رقما صعبا في معادلة التسوية بعد وثيقتها الجديدة، وهل كانت كذلك بالفعل منذ ظهورها على الساحة الفلسطينية لأسباب موضوعية أم ان الجانب الإسرائيلي عرف كيف يستفيد بموقف ناشئ ومستجد على الجانب الفلسطيني وأدى في نهاية المطاف إلى إثارة الفرقة وشق وحدة الصف الفلسطيني،تماما كما تستفيد الآن من الحروب الأهلية في أكثر من بلد عربي؟ لاشك في أن هناك أكثر من قراءة لوثيقة حماس الجديدة والتداعيات المتوقعة لها في ضوء الاستعراض التاريخي السابق والذي يثبت أن حماس لم تكن يوما عنصرا مؤئرا وفاعلا في الاتجاه الإيجابي - على حد قول الكاتب - بقدر ما «احسنت» إسرائيل استغلالها في تخريب العملية السلمية برمتها في أكثر من مناسبة.

فهناك من اعتبر الوثيقة تحولا تاريخيا ، وهناك من اعتبرها براجماتية واقعية، وهناك كذلك من اعتبرها استكمالاً لسيولة ديمقراطية تعيشها الحركة الإسلامية منذ عدة سنوات، وفهما للأحداث الجارية في حالة من القراءة الجيدة للمستقبل القريب ، بينما نظر محللون إلى تلك «السيولة الديمقراطية» برؤية مختلفة، مشيرين إلى أن نتائج انتخابات المكتب السياسي للحركة على سبيل المثال تقول شيئا مختلفا حيث شهدت صعودا كبيرا للعسكريين في مركز صنع القرار في الحركة بعدما حاولت لعقود طويلة الفصل بين العمل السياسي والعسكري، وبعد تتويج إسماعيل هنية قائدا عاما للحركة خلفا لخالد مشعل في تغيير جلب سياسيا محل آخر أعلنت حماس أبرز أسماء أعضاء المكتب السياسي الجدد الذين يعدون إلى حد كبير قادة أو ممثلين لذراعها العسكرية « كتائب القسام» واكتفت حماس بهذه الأسماء وامتنعت عن نشر أسماء أخرى لأسباب أمنية أو داخلية، وتظهر الأسماء المنشورة - مثلما أعلن - عن وصول قائد حماس في غزة يحيى السنوار إلى المكتب السياسي، وهو أحد أبرز قادة «كتائب القسام»، وأعتبر المحللون أن وصول العسكريين إلى هذه المواقع يعود إلى شعور القاعدة الجماهيرية داخل حماس بأن المستوى السياسي أخفق في تحقيق إنجازات مقابل ما حققه العسكر من القتال ودفع الثمن وإنجاز صفقة الأسرى الأولى والحديث عن صفقة أخرى قريبة في الأفق، وقالوا «لقد باتوا أكثر سيطرة على تركيبة المكتب السياسي ، لكن ذلك لا يمثل انقلابا لأن السياسيين لم يحققوا أي إنجاز ، وربما كانت هناك مقارنة دفعت باتجاه صعود نجم العسكر على حساب السياسيين» لكن يبدو صعود «القسام» إلى قيادة حماس السياسية متناقضاً مع محاولة الحركة تجديد نفسها بإعلانها الوثيقة السياسية الجديدة المثيرة للجدل ، من وجهة نظرهم.

وإذا كانت الوثيقة قد أثارت الكثير من ردود الفعل في أكثر من اتجاه إلا أنه من المهم قراءة ذهنية وردود فعل الطرف الأكثر تأثيرا على عملية التسوية برمتها والذي يمكن أن تؤدي مواقفه إلى منح الوثيقة أهمية ملموسة أو نسفها من جذورها وتفريغها من محتواها، وهو بكل تأكيد الطرف الإسرائيلي صاحب أول رفض للوثيقة، حيث هاجم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وثيقة الحركة قبل أن يلقيها في سلة المهملات معتبرا أن «وثيقة حماس الجديدة تلفيق كامل للحقيقة» على حد زعمه، متهما الحركة بأنها تسعى إلى استخدام الدولة الفلسطينية «لتدمير إسرائيل»، وفي السياق ذاته فان البندين الخاصين بحركة الإخوان المسلمين وحدود الرابع من يونيو ، نالا اهتماما كبيرا من المجتمع الصهيوني، واعتبرا أن «الحركة الإسلامية» ترغب فى المراوغة والخداع وكسب تعاطف العالم ، حيث تحاول استدرار عطفه في وثيقة وبنود جديدة تحسن من شكلها وصورتها أمام المجتمع الدولي ككل، سواء في الداخل الفلسطينى نفسه أو في خارجه!!

والأمر ذاته كررته وسائل الإعلام الصهيونية على اختلاف توجهاتها بوصمها الوثيقة بالخداع، كونها تراوغ في بنود تتناول مدى تدمير المجتمع الصهيوني وتبقى عليه خصوصا أن الحركة لم تعترف علانية وصراحة ومباشرة بدولة «إسرائيل»، وهو ما تريده تل أبيب. لذلك سارع المحلل السياسي للموقع الإلكتروني الإخباري الاسرائيلي «واللا» بالقول: إن ما خرجت به الحركة من بنود يعني تدمير إسرائيل، فهي دعوة صريحة ولم يحدث أي تغيير حقيقي في ثوابت الحركة منذ تكوينها في عام 1988 مع استمرار حالة خداع المجتمع الدولي وإن قطعت العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين الأم.

وفي الوقت ذاته اتفقت صحيفة « يسرائيل هايوم » مع ما ذكره موقع «واللا » من أن وثيقة حماس مجرد خداع للمجتمع الصهيوني؛ بدعوى أن الحركة الإسلامية ما تزال تتبع النهج الثقافي والسياسي الإرهابيين، حيث كتبت أن حماس خادعة ببنودها الجديدة خاصة دعوتها لتدمير إسرائيل وحالة التماهي حول حدود الرابع من يونيو 1967 مع الدعوة إلى الانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين، وذكر محللها السياسي أن وثيقة حماس الجديدة لم تقدم الجديد وإنما أصرت على ما سبق ونشرته في بيان تأسيسها بأنها ترغب في إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، وفكرها القائم على «الجهاد المقدس»، ولم تختلف القناة العاشرة الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني عن « يسرائيل هايوم » أو «واللا»، فقد كتبت أن حركة حماس لم تعترف بالدولة الإسرائيلية وحقها فى الوجود،.. تلك النغمة هي السائدة داخل الدولة الإسرائيلية تجاه وثيقة حماس، ما يعني أن«العصف الذهني» الذي يمكن أن تقوم به إسرائيل نحو تسوية حقيقية للصراع القائم في المنطقة لا وجود له، ومن ثم فلا وثيقة حماس ولا مواقفها ، وقبل ذلك مواقف منظمة التحرير الفلسطينية بتفضيل الحل السلمي والنهج السياسي لها تأثير كبير ما دامت الهيمنة الإسرائيلية قائمة ومستمرة، ومن هذا المنطلق فإن وثيقة حماس لن تؤتي أكلها، لأنه بالفعل وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف على دورها وظروف نشأتها ، فان حماس لم تكن يوما، وأغلب الظن أنها لن تكون كذلك رقما صعبا في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي ، يوم يقرر القائمون على الأمر والقوى المؤثرة تسويته بشكل نهائي، ويكفي أن نتذكر أن العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص قدموا على مدار السنوات الماضية من التنازلات وفرائض حسن النيات ما يعادل أضعاف ما جاء في وثيقة حماس الجديدة، وبرغم ذلك كانت الأمور دوما تزداد سوءا وتراجعا للخلف.