أفكار وآراء

وثيقة حماس الجديدة.. دلالات وأبعاد

14 مايو 2017
14 مايو 2017

د . واصل القعيطي -

كشف الستار عن الوثيقة السياسية الخاصة بحركة حماس، بعد سنوات عدة انهمكت فيها الحركة في إعدادها، وأخضعتها للتدقيق السياسي، وترجمتها لأكثر من لغة، وقبلت خلالها لأول مرة بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس. وتضمنت الوثيقة 42 بندًا مقسمة على 11 عنوانًا، تتحدث فيها «حماس» عن تعريف نفسها ومشروعها ورؤيتها لمشروع التحرير والنظام السياسي، وتحمل مبادئ أساسية بالقضية بالفلسطينية ووحدة الشعب والأرض والقضية وتعريف النظام السياسي.. ثلاثة عقود مرت دون أن تجري (حماس)، على ميثاقها الأول أي تعديلات جوهرية، لكن المياه الكثيرة التي جرت في نهر الحركة على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، جعلتها تقدم وثيقة سياسية جديدة تتجاوز الرياح التي تتعرض لها من كل جانب.. ولا بد -في البداية- من دراسة الوثائق الرسمية لهذه الحركة، ونقاش المفاهيم والمقولات السياسية الصادرة عنها، وإخضاعها لعلم السياسة وقواعد العمل السياسي الجارية في الحركات والأحزاب السياسية لاستجلاء مضمونها وتحديد المواقف والتصرفات السياسية منها.

إنَّ الحقيقة غير القابلة للتغيير في البحث والدراسة السياسية لحركة حماس هي الوثائق الصادرة عنها، وفي المقدمة منها والأساس هو ميثاق الحركة، والذي يعتبر الإطار الجامع لها والمصدر لكافة المفاهيم والمقولات السياسية الصادرة عنها، والتي على أساسها تصف نفسها بأنها تمثل كيانًا سياسيًا متكاملًا في إطار المجتمع الفلسطيني.

لقد خرجت وثيقة الحركة الجديدة لتُؤكد تمسكها بخيار المقاومة وانتماءها إلى المحور المقاوم. فالحركة التي بدأت مسيرتها عام 1987 وأطلقت وثيقتها الأولى عام 1988، تعود لتُطلق وثيقة جديدة، لتؤكد على الثوابت الأصيلة لها في الصراع مع إسرائيل. في حين أقفلت بوضوحها، النقاش الدائر حول الخيارات الفلسطينية، ومجالات إعادة إحياء المشاريع والمبادرات الهادفة –حسبما ترى هي- لتصفية القضية الفلسطينية من قِبَل بعض الأطراف العربية. فهمت حماس أنه قد طرأت تغييرات، وأن سر الحركة، التي كافحت من أجل بقائها، يكمن في مرونتها السياسية، وملاءمتها للظروف، فعدة دلالات يمكن الخروج بها، ومن جملتها إن الجديد في الوثيقة التأكيد على الاختلاف في الرؤية والتعاطي تجاه الاحتلال الإسرائيلي واليهود، حيث إن الحركة كونها مُقاومة وذات مرجعية إسلامية تعتبر -وكما يؤمن المسلمون- أن اليهود هم أهل ديانة يجب أن تُحترم. فيما الصراع هو مع الصهيونية والكيان الإسرائيلي كأحد أوجهها. كما أنها أنهت النقاش حول انتماء الحركة لمحور المقاومة واعتبارها جزءًا أساسيًا منه لا سيما على الصعيد الفلسطيني. وهو ما أثبته تركيزها على استمرار خيار المقاومة حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتأكيدها العمل على تطوير العمل المقاوم. أما من ناحية التوقيت، فقد أكدت الحركة، ومن خلال فحوى ومضمون الوثيقة رفضها للمشروع الذي تُعدُّه بعض الدول العربية حاليًا والهادف للتقريب بين مصالح دول عربية وإسرائيل، والذي يُؤثر في أبعاده ونتائجه على الصراع العربي الإسرائيلي القائم.. إذًا، أعادت حماس تأكيدها على خيار المقاومة.

وأعادت بالتالي تمييز نفسها عن الأطراف التي تحمل رؤية غامضة وملتبسة تجاه تحديات المنطقة. وإن التغييرات في حماس، لا سيّما عند مقارنتها بالجمود السياسي لدى خصمها التاريخيّ - حركة فتح، نجحت في تغيير قادتها ونص مبادئها مجددًا، رغبة منها في بدء العمل على علاقاتها مع العالَم العربي وتحسين صورتها، فقطاع غزة محتاج إلى الهواء، وإلى منفذ إلى العالم والمنفذ الوحيد المحتمل هو من جهة مصر، عبر معبر رفح، وهو الذي دفعها إلى القيام بخطوة استثنائية والانفصال عن الحركة الأم، الإخوان المسلمين.. ولعل هذه الوثيقة يُراد بها أن تُثبت الخطوط العامة لـ«حماس» ومواقفها السياسية عبر وثيقة مكتوبة لأول مرة، فمن جهة، تُريح نفسها من الضغوط الدولية المستمرة والهادفة إلى جرها نحو مواقف سياسية لا تُحمد عُقباها لا سيما الاعتراف بإسرائيل. ومن جهة ثانية، يتبين أنها معنية جدًا بتسويق نفسها للغرب عبر القول إنها «براجماتية» و«مُنفتحة». حتما دوافع حماس وفي هذا التوقيت بالذات تريد أن تثبت للجميع إنها أضحت حركة فاعلة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي، وهذا يفرض عليها أن تترجم هذا الدور إلى رؤية تتفق مع الواقعية السياسية، وقد يكون دافعها في النهاية هو إرباك الرئيس الفلسطيني الذي التقى مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، وسيلتقيه مرة أخرى على الأرجح خلال زيارة ترامب للمنطقة، وما قد يتمخض عن ذلك من تحرك على أساس أحياء حل الدولتين الفلسطينية – الإسرائيلية.