أفكار وآراء

خسارات الفلسطينيين

13 مايو 2017
13 مايو 2017

ماجد كيالي -

كاتب فلسطيني -

احتسب الفلسطينيون ضمن الخاسرين في عالم ما بعد الحربين العالميتين، إذ لم يستطيعوا الفوز بكيان مستقل أسوة بمجتمعات المشرق العربي، التي حصلت على كيانات مستقلة آنذاك. وربما حال الفلسطينيين، في هذه المنطقة، أكثر شبهاً بحال الأكراد، من هذه الناحية، كما من ناحية إدمان الخسارات، مع فارق وحيد أن حرمانهم من دولة مستقلة جاء لمصلحة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، أي لمصلحة جماعة استيطانية غريبة جاءت من الغرب أساساً، وأقامت دولتها على حسابهم.

فيما بعد، ومع كل التغيرات والتطورات في البيئات السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، لم يستطع الفلسطينيون تحقيق الفوز على إسرائيل، لا عسكرياً ولا سياسياً، لأسباب تتعلق، في الأساس، بالفجوة في موازين القوى، وضعف أحوال العالم العربي، وتردي واقع النظم السياسية فيه، إضافة إلى تمتع إسرائيل بحماية وضمانة الدول الكبرى لأمنها وتفوقها. هكذا، خسر الفلسطينيون في زمن «الحرب الباردة»، باستيلاء إسرائيل على بقية أرضهم، أي الضفة والقطاع (1967)، كما تم إجهاض مقاومتهم المسلحة، بفعل الغزو الإسرائيلي للبنان (1982). هذا حصل، أيضا، بعد انتهاء زمن الحرب الباردة، مع انهيار الاتحاد السوفياتي (السابق)، إذ تم التضييق على كيانهم السياسي المتمثل بمنظمة التحرير، لدفعهم نحو التوقيع على اتفاق أوسلو (1993) الذي نص عموما على إقامة كيان حكم ذاتي لجزء من الشعب على جزء من الأرض، مع وعود أخرى.

الآن، وفي زمن «الربيع العربي»، بما له وما عليه، يواجه الفلسطينيون خسارات جديدة، تضاف إلى خسائرهم الناجمة عن إخفاق مجمل خياراتهم السياسية، المتعلقة بالانتفاضة أو المفاوضة، أو المتعلقة بالتسوية أو بالكفاح المسلح. ويبدو أن إحباطات الثورات العربية، وارتداداتها العكسية أو السلبية، أقله في المدى المنظور، تشتغل أيضاً في المجال الفلسطيني، وهو ما يمكن تلمسه في ثلاثة مجالات:

أولها، يتعلق بتراجع مكانة القضية الفلسطينية في سلم الأولويات العربية والدولية. ومع الأخذ بالاعتبار انكشاف حقيقة مفادها أن كل الكلام السابق عن مركزية القضية الفلسطينية كان بمثابة شعار للاستهلاك، أو للتوظيف، على الأرجح في بعض الأحيان على الأقل، إلا أن الوقائع أكدت، أيضاً، أن العالم العربي بالغ الهشاشة، من ناحية بناه الدولية والمجتمعية، وأنه مليء بالمشاكل، فضلاً عن أنه منقسم على ذاته.

أما من ناحية إسرائيل فتبدو في معسكر الفائزين، ففي تلك الفترة حصل انهيار في أقوى دولتين في المشرق العربي، أي العراق وسوريا، مع خروج جيشيهما من معادلات الصراع ضد إسرائيل، لسنوات قادمة، ناهيك أن هذه الدولة بدت كأنها الأكثر استقراراً ورشداً في المنطقة، وأن مقولاتها عن أن أسباب مشاكل العالم العربي تنبع منه، وليس من وجودها أو من احتلالها أرض الفلسطينيين.

وثانيها، يتعلق بتفسّخ أو تآكل الحركة الوطنية للفلسطينيين، التي حملوها كل آمالهم، وقدموا في سبيلها تضحيات باهظة. فبعد النكوص عن الفكرة الوطنية، باختزال معنى فلسطين إلى مجرد جزء من أرض في الضفة وغزة، واختزال شعبها بفلسطينيي الأراضي المحتلة (1967)، والانقسام المشين بين سلطتي الضفة وغزة، وبين « فتح» و«حماس»، وتحوّل هاتين الحركتين الى مجرد سلطة في الضفة وغزة، تبدو الوطنية الفلسطينية في أسوأ أحوالها. فالكيانات السياسية الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل) تبدو اليوم كأنها ميؤوس منها، فهي لا تبدو قادرة، وربما غير راغبة، في استنهاض أحوالها، للخروج من حال الجمود الذي تعانيه، وكأن الشيخوخة دبت في أوصالها. والمشكلة أن الطبقة السياسية المهيمنة على هذه الكيانات، منذ قرابة نصف قرن، والتي لم يعد لديها ما تقدمه أو تضيفه، لا فكرياً ولا سياسياً ولا نضالياً، متمسكة بخياراتها السياسية، التي ثبت عقمها، وفوقه فهي متمسكة أكثر بالحفاظ على وجودها، بحيث باتت تشكل عبئاً وقيداً على أي محاولة لإيجاد بديل، أو حتى لانتشال الكيانات الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل) من حال العجز والتآكل والموات الذي يعتري بناها.

أما ثالثها، فيتمثّل بتفكّك مفهوم الشعب الفلسطيني، وضمور مجتمعات الفلسطينيين في مناطق اللجوء والشتات، وهي التي حملت عبء النهوض الفلسطيني المعاصر، وصاغت مفهوم الهوية الوطنية. هكذا، فبعد اعتبار فلسطينيي 48 خارج مفهوم الشعب الفلسطيني، أو خارج معادلاته وكياناته السياسية، تم إخراج مجمل مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين من هذه المعادلة، بعد توقيع اتفاق اوسلو (1993) كما تم تهميش المنظمة لمصلحة السلطة، التي اعتبرت بمثابة كيان سياسي لفلسطينيي الضفة وغزة فقط.

فوق كل ذلك، فقد تعرضت مجتمعات الفلسطينيين اللاجئين، في لبنان والعراق وسوريا، للتآكل، إذ تركت هذه لمصيرها، من دون أي عنوان تمثيلي، بعد تهميش منظمة التحرير، وغياب أي وسائط عمل أو إطارات تربطهم بكياناتهم. لكن الأخطر في كل هذا الأمر، بدا مع تفكك مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهجرة ألوف العائلات إلى الدول الأوروبية خاصة.

باختصار، الفلسطينيون مجددا في موقع الخسارة، والمشكلة انهم في كل مرة يتجاهلون ذلك، أو يتجاهلون مفاعيله على قضيتهم وعلى أحوالهم كشعب، كما على حركتهم الوطنية، لا سيما انهم لا يفعلون شيئا لتدارك هذا الأمر أو التخفيف من مخاطره.