صحافة

الأيام: حكاية بنت اسمها فاطمة حجيجي

12 مايو 2017
12 مايو 2017

في زاوية آراء كتبت سما حسن مقالا بعنوان: حكاية بنت اسمها فاطمة حجيجي، جاء فيه:

كانت في السادسة عشرة من عمرها، أي أنها في سن ابنتي، أصغر أولادي، والتي تلقى الكثير من الدلال. كنت أعتقد أن ابنتي لا تعرف سوى الموضة وألوانها، والمسلسلات التركية وأبطالها، واكتشفت أنها حفظت تاريخ فلسطين، وعلقت صورة غسان كنفاني والكثير من أشعار محمود درويش فوق سريرها، وأنها تحفظ من أقوالهما وأشعارهما عن فلسطين المحتلة وعن الغربة والتهجير أكثر مما أحفظ . وفكرت كثيرا بالسبب الذي جعل ابنتي موسوعة متنقلة وصغيرة ورقيقة تحوي كل ما تود معرفته عن فلسطين، حتى قراها الصغيرة والبعيدة فهي تعرفها، وأدركت أن بوصلة قد تحركت في قلب الصغيرة فتتبعت كل ما ينشر عنها، وهي لم تغادر غزة في حياتها، لقد شاهدت كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيديوهات المحمولة من موقع «يوتيوب» بفعل بوصلتها الداخلية. انها ذات البوصلة التي تحركت في قلب الشهيدة المغدورة فاطمة حجيجي والتي قتلت غدرا بعشرين رصاصة في باب العامود في القدس بحجة محاولتها تنفيذ عملية طعن، فقررت بعد خبر استشهادها- ومن المؤكد أن الآلاف قد فعلوا مثلي- زيارة البروفايل الخاص بها على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» وقد كان الذهول هو أول شعور اعتراني، وقد أشعرتني بالخجل بعد أن تراجع الذهول قليلاً. فاطمة ذات الستة عشر ربيعا خصصت حسابها الشخصي للتضامن مع فلسطين، نعم فلسطين، فما بين مناسبة وأخرى كانت تتابع كل مجريات الأحداث في الوطن، خاصة بعد اعتقالها لمدة شهر قضته مع عميدة الأسيرات الفلسطينيات لينا الجربوني، والتي أفرج عنها مؤخرا، وحيث كتبت أنها تعلمت منها الكثير عن حب الوطن والصمود والتحمل في السجن. كانت فاطمة تشجع أقرانها على التضحية، وكأن الأمر روتين مطلوب من كل فلسطيني وليس عملا يعني أن ترحل عن العالم وتترك كل شيء خلفك: دموع أمك وكتبك وغرفتك ومدرستك، وأحلامك. أعتقد أن فاطمة لم تكن تحلم بأكثر من أن ترى فلسطين حرة. هذه البنت الصغيرة دقت جرس الانذار في قلبي وأنا أرى صغيرتي تفعل مثلها، وهي تتمنى الموت شهيدة وتدعو الله أن تنال الشهادة، وكلما سمعتها تدعو هذا الدعاء وهي تسجد في صلاتها كنت أرد عليها ضاحكة: بعد عمر طويل، ربما تكتب لك الشهادة وأنت في السبعين من عمرك، لم أتخيل أن تتركني الصغيرة، واليوم أتخيل حال أم فاطمة التي كانت تنتظر حفل نجاح ابنتها البكر في التوجيهي، ولم تكن تتخيل أن يشيعوها شهيدة. لو فكرنا قليلا بتاريخ فلسطين وأمهاتنا وبناتها منذ عقود خلت لأدركنا أن فاطمة سارت على درب الكثيرات، فاطمة هي نفسها كل شهيدة وكل بطلة كان حب فلسطين أكبر من أي حب في قلبها، فاطمة الصغيرة ماتت بعشرين رصاصة، رصاصات فاقت سنوات عمرها، كانت هي مخيفة لهم، هي مبهجة لقلوبنا، تأخذنا نحو حقيقة راسخة أن لا خوف بعد اليوم على هذا الجيل، فالجيل الذي يمضي وقت فراغه أمام شاشات الهواتف الذكية لن ينسى فلسطين مهما تخيل عدونا ومهما اتخذ السبل للنيل من قناعاتهم. شكراً يا فاطمة، فحكايتك هي حكاية كل بنت فلسطينية، فمهما كانت فاجعتنا بفقدك، ومهما أوجعنا رحيلك الغادر، لكنك الأمل الذي فتح نافذة، وطار إلى السماء بجناحين من نور بعد أن أبقى على الأرض شيئاً من نوره.