1009430
1009430
الاقتصادية

المجالس المحلية تحاول سد فجوة تمويل خدماتها بتوظيف قروض رخيصة في الاستثمار العقاري

12 مايو 2017
12 مايو 2017

استثمارات الحكم المحلي في بريطانيا.. هل تقود إلى  فقاعة عقارية؟

جون بليندر - ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

1009463

حين يستعد المجلس المحلي في جزيرة وايت قبالة الساحل الجنوبي لبريطانيا للمقامرة بمبلغ 100 مليون جنيه استرليني في سوق العقارات التجارية فمن المؤكد أن شيئا غريبا يحدث. ولكن هذا القرار(بالمقامرة) الذي اتخذ أوائل هذا العام في تلك الجزيرة الأرستقراطية التي كانت موطنا للملكة فيكتوريا في شيخوختها وأيضا للشاعر الفريد لورد تينيسون ليس قرارا فريدا. بل في الواقع سيكون قدوم جزيرة وايت لحفل عقارات مجالس الحكم المحلي متأخرا. لقد اكتسب هذا الحفل زخما كبيرا في الآونة الأخيرة. فقد شرعت المجالس المحلية حول المملكة المتحدة إما في اقتحام سوق العقار التجاري أو تطوير عقارات سكنية بغرض البيع أو التأجير للاستخدام الخاص. يقول مدير صندوق استثمار في ذهول «إنهم يقامرون مثلا بحارة سكارى على طول البلاد وعرضها.» القوة التي تدفع بهذا النشاط الاستثماري الذي يحدث على غرار نشاط صناديق التحوط هي نفسها تلك التي دفعت الحكومات المحلية في اليابان لشراء عقارات في فقاعة أعوام الثمانينات وتدفع الصين الآن إلى تشجيع هوس بلدياتها بالتطوير العقاري. إنها الحاجة إلى سد الفجوات في موازناتها بعد أعوام من خفض الحكومة المركزية لمخصصاتها التمويلية.  

مضاربات ومراجحات

فالمجالس المحلية في بريطانيا منخرطة في ما يعرف في اللغة المالية المتداولة وسط مديري صناديق التحوط بتجارة الفائدة carry trade «المضاربة في تفاوت أسعار الفائدة أو معدلات العائد على الأصول- المترجم.» وهي شكل من أشكال المراجحة. فالمجالس تقترض عند أسعار فائدة منخفضة كثيرا عن الأسعار التي يمكن أن يحصل عليها مقترضو القطاع الخاص ثم تستثمر الأموال المقترضة في العقارات التي تدر أرباحا أعلى بكثير. إن الأموال التي يتم اقتراضها بفائدة 2.5% أو نحو ذلك تذهب عادة إلى تشييد عقار يحقق عائدا تتراوح نسبته بين 6% إلى 8%. ما تختلف فيه بريطانيا عن اليابان في أثناء فترة فقاعتها العقارية هو مصدر تمويل «سكرة» الاستثمار العقاري. إنه أساسا القطاع العام. وإذا أمكن لسلطات المجالس المحلية التفوق على كل المشاركين الآخرين في سوق العقارات التجارية فذلك لأنها يمكنها الحصول على تمويل رخيص ومرن من «مجلس قروض الأشغال العامة» الذي يشكل ذراعا لوزارة الخزانة ويساعد سلطات الحكم المحلي في تمويل إنفاقها الرأسمالي منذ عام 1793. فأسعار فائدته مربوطة بتلك الموجودة في سوق القروض الممتازة والتي ظلت عند مستويات منخفضة على نحو استثنائي منذ الأزمة المالية في عامي 2007 و2008. وبحسب وكلاء العقارات «كولييرز إنترناشونال» كان في مقدور المجالس المحلية عند نهاية عام 2016 الحصول على قرض لمدة 45 عاما من هذه الهيئة العريقة عند سعر فائدة ثابت هو 2.45%. يذكر هذا الوضع البعض،على نحو مزعج، بالإخفاقات الاستثمارية السابقة التي شهدتها المملكة المتحدة، خصوصا خلال الأزمة المالية. « مقامرة المجالس البريطانية في العقار (أشبه) بحادثة ستقع حتما. وهي فقط تنتظر لحظة وقوعها،» يقول اللورد أوكيشوت، رئيس شركة أوليم للعقارات التي تدير استثمارا بقيمة 650 مليون جنيه استرليني في العقارات التجارية لمصلحة صناديق تقاعد وجمعيات خيرية وصناديق استثمار. ويضيف اللورد أوكيشوت قائلا «هاهنا تتردد أصداء حقيقية (لحادثة بنك) نورثورن روك حين أقرض (البنك) العديد من المقامرين «كامل قيمة» شراء العقار وكذلك فضائح البنك الآيسلندي حين دخلت المجالس في سوق لأتفهمها من أجل جني مكاسب في الأجل القصير.»

مصدر غير حكومي لتمويل الخدمات

لقد بلغت فورة الإنفاق في مجال الاستثمار العقاري أشدها في مراكز التسوق. فمجلس «سَرِي هيث» أنفق في العام الماضي 86 مليون جنيه استرليني على مركز تسوق (ذى مول) في كانبرلي. واشترى مجلس «كانتربيري سيتي» نصف مركز هوايت فرايرز في المدينة الكاتدرائية بقيمة 79 مليون جنيه استرليني. كما حصل مجلس «ستوكبورت» على مركز ميرسي واي في المدينة مقابل 75 مليون جنيه. هذا في حين أنفق مجلس منطقة «ميد ساسكس» 23 مليون جنيه على شراء مركز آخر في هيواردز هيث. أيضا انهمكت هذه المجالس في شراء البنايات المكتبية ومستودعات تجارة التجزئة والحدائق الصناعية ومزارع الطاقة الشمسية والفنادق والجراجات والأندية الريفية. ويمتد هذا النشاط الاستثماري المضارب باطراد خارج حدود المجالس. فهذه المجالس التي هي أساسا جهات مستثمرة من القطاع العام الإنجليزي تشكل الآن قوة في السوق. وبحسب مات أوكلي، المسؤول بشركة الوكلاء العقاريين سافيلز، لقد اشترت ما قيمته 1.2 بليون جنيه استرليني من العقارات في عام 2016 وأنفقت ما لا يقل عن 221 مليون جنيه (في ذات النشاط التجاري) بحلول أواخر مارس هذا العام. ويتحدث الوكلاء العقاريون عن صفقات حالية تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الجنيهات. الدافع وراء هذه الاستثمارات هو الدافع نفسه في كل مكان. إنه توليد إيراد إضافي لسلطات المجالس المحلية من أجل الاستمرار في تمويل الخدمات التي تقدمها من إسكان لكبار السن ومراكز للأطفال ومكتبات عامة والخدمات الأخرى التي قد تتأثر (بدون ذلك) من تقليص وزارة الخزانة «الوحشي» لمخصصات الحكم المحلي. هناك عامل تحفيزي آخر هو التغيير الذي حدث في قواعد تمويل الحكم المحلي. فاعتبارا من عام 2020 سيسمح لسلطات الحكم المحلي الاحتفاظ بنسبة 100% من إيراداتها الضريبية من مؤسسات الأعمال بدلا من نسبة ال50% التي يمكنها الاحتفاظ بها في الوقت الحالي. والقصد من ذلك تعويضها عن الانكماش في حجم المنح التي تحصل عليها من الحكومة المركزية. فهو يعطيها حافزا قويا لتعزيز النمو في اقتصاداتها المحلية من أجل توسيع قاعدتها الضريبية في قطاع الأعمال.

شركات عقارية أولا وسلطات حكم محلي ثانيا

أضخم رهان من جانب السلطات المحلية في مجال العقار التجاري حتى الآن هو شراء مجلس «سبيلتثورن» مجموعة مكاتب شركة برتش بتروليوم النفطية في «سانبري أون ثيمس» مقابل 360 مليون جنيه، حسبما ذكر. وتم تقديم تمويل شراء العقار الذي يتكون من 11 بناية مكتبية بواسطة مكتب قروض الأشغال العامة من خلال 50 قرضا بفترات سداد تتراوح من عام واحد إلى 50 عاما وبلغ إجماليها 377.5 مليون جنيه استرليني. وبحسب المجلس، يغطي هذا المبلغ تكاليف المعاملة مثل رسم الدمغة وكذلك سعر الشراء. وتتراوح أسعار الفائدة على هذا القرض الذي يعرف باسم «المدفوعات السنوية المدمجة» بين 0.83% على القروض القصيرة الأجل إلى 2.26% كحد أقصى للقروض الطويلة الأجل. وبموجب عقد بيع وإعادة تأجير، ستكون الشركة النفطية «بي بي» مستأجرة لهذه البنايات من المجلس لمدة أقلها 20 عاما. لقد امتنع مجلس سبيلتثورن عن كشف حجم العائد الأولى لهذا الاستثمار. وفي بيان صحفي يشرح فيه شراءه لما يعتبر أكبر مبنى مكاتب مملوك ملكية خاصة في المملكة المتحدة، ذكر المجلس أن المخصصات المالية التي يحصل عليها من الحكومة المركزية سيتم سحبها تماما في العام المالي 2017-2018. لذلك وجد نفسه مجبرا على البحث عن طرق مبتكرة لتمويل الخدمات وتوليد إيرادات جديدة. كما أنه يشجع أيضا التنمية الاقتصادية في المدينة بهدف تنشيط النمو في المعدلات الضريبية التجارية. هذه هي نفس العوامل التي تكمن وراء اندفاع باقي مجالس الحكم المحلي لحيازة العقارات. وبالنسبة لمجلس سبيلتثورن تعتبر قيمة قروضه التي بلغت 377.7 مليون جنيه ضخمة مقارنة بإجمالي أصوله البالغة 87.7 مليون جنيه وصافي أصوله (39.7 مليون) وإجمالي دخله في العام الماضي (73.9 مليون جنيه.) لذلك فإن شراء مكاتب شركة بريتش بتروليوم تغير من طبيعة المجلس. فمن ناحية الموازنة يعتبر مجلس سبيلتثورن الآن شركة عقارية لها نشاط إضافي أو هامشي يتمثل في توفير خدمات الحكم المحلي. وهذا الرهان خطر جدا حتى إذا كانت وراءه أفضل الدوافع. يطلق مسؤولو الحكم المحلي على التمويل من مجلس قروض الأشغال العامة وصف «الاقتراض الحصيف». وهي عبارة تشتمل على كلمتين متناقضتين بالنظر إلى المخاطر المقترنة لزوما بالرهانات الكبيرة. إن ماضي نشاط الحكومات المحلية في السوق لا يبعث على الاطمئنان. فمعظم رهانات المدن اليابانية في أعوام الثمانينات نتجت عنها خسائر ضخمة في التسعينات مما ألحق ضررا بالغا بالخزينة العامة. وفي الولايات المتحدة قادت مثل هذه المضاربات إلى الإفلاس. وأوضح ما كان ذلك في مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا التي اضطرت إلى إعلان إفلاسها عام 1994 بعد أن خسرت 1.6 بليون دولار في تجارة المشتقات المالية.

مخاطر ائتمان من نوع جديد

تتمثل مشكلة المجالس التي لا تجد ما يكفي لتمويل أعبائها الخدمية في المملكة المتحدة بحسب جينفر ينج، نائبة رئيس شركة موديز للتصنيف الائتماني في لندن، في أنها تدخل مجالا «مختلفا تماما بالنسبة لسلطات الحكم المحلي فيما يتعلق بالمخاطر.» فالمجالس المحلية معرضة لمخاطر ائتمان من نوع جديد لأن الإيرادات المتحصلة من العقارات غير مضمونة أصلا. كما تواجه أيضا في استثمارها في سوق العقارات السكنية نفس مخاطر «المرحلة الأولى للبناء» التي يواجهها مطورو العقار في القطاع الخاص. وعند إكمال البناء تكون العقارات عرضة لتقلبات السوق. إن أكبر المخاطر توجد في العقارات التجارية وتتعلق باستخدام الرافعة المالية التي بموجبها يعظم الاقتراض إما الأرباح أو الخسائر المحتملة التي تنتج عن التغيرات في القيمة السوقية للأصل العقاري. وتزعم مصادر السوق العقارية أن العديد من هذه المجالس المحلية تتعجل سداد قروضها وتمول مشترياتها العقارية بقروض تغطى قيمتها الكاملة (على أساس قرض يعادل 100% من قيمة العقار.) وتوجد قروض عديدة من مجلس قروض الأشغال العامة التي تمتد لفترات أطول كثيرا من العقود الإيجارية التي اشترتها المجالس. لذلك فهي قد تواجه غرامة مقابل السداد المبكر للقرض. إن اقتراض القيمة الكاملة للعقار مغر على نحو خاص. فالاقتراض بمعدل أقل من ذلك (أقل من 100%) يعني أن الاستثمار في العقار قد يقلص من حجم الإنفاق على الأولويات الاجتماعية بالنظر إلى أن أية دفعة مقدمة سيتم سدادها خصما من الموازنة القائمة. يمكن للعقار،عند اقتراض قيمته الكاملة الكاملة، أن يقدم على الفور مساهمة إيجابية لموازنة المجلس المحلي حيث يمكن للمجلس الاستفادة من الفرق بين تكلفة الاقتراض والعائد الابتدائي الأعلى للعقار. السؤال هو: هل ستستمر هذه المساهمة الإيجابية؟ فمن الممكن أن يفلس المستأجرون أو قد تتدهور قيمة العقار بعد انتهاء مدة الإيجار. أما في أسوأ السيناريوهات، فتشتري المجالس المحلية عقارات كبيرة جدا مقارنة بقدراتها الإيرادية ثم يتضح أنها استثمارات عديمة القيمة ويصعب تسييلها. ومع تأثر الوضع المالي للمجلس بالخسائر العقارية قد يكون الارتفاع المطلوب في الإيرادات أو التقليص اللازم في الخدمات لمقابلة التزامه القانوني بضبط موازنته «غير مألوفين» بحيث لا يمكن تجنب تدخل الحكومة المركزية لإنقاذه ماليا. يدل هذا الحافز للاقتراض المفرط على أن وزارة الخزانة تساهم في تكوين فقاعة ائتمان بالقطاع العام هي الآن في أولى مراحل تشكلها. كما أنه يشير في ذات الوقت إلى تكريس ثقافة المخاطرة غير الحذرة لدى سلطات الحكم المحلي . فالحصول على قرض مكتب قروض الأشغال العامة يستلزم قدرا أقل من الدراسة الوافية للاستثمار العقاري بالبنك التجاري. بالإضافة لذلك لا يطبق المكتب ضوابط تقرير معدل القرض إلى قيمة العقار والتي بموجبها يوضع سقف للقروض عند نسبة مئوية معينة من سعر شراء العقار. لدي المكتب مجال واسع للسخاء لأن قروضه غير المسددة التي بلغت قيمتها 65.3 بليون جنيه في مارس 2016 مسموح لها بموجب اختصاصه الحالي أن ترتفع إلى 95 بليون جنيه. كما تتجه المجالس المحلية الأكبر الآن إلى أسواق رأس المال حيث يمكنها باعتبارها جهات مقترضة سيادية إصدار دين مرتبط بمؤشر وفق شروط أفضل حتى من تلك التي يقدمها مجلس قروض الأشغال العامة. حتما سيأتي يوم الحساب في الوقت المناسب. فمنذ استفتاء خروج بريطانيا كانت الضحية الواضحة في القطاع العقاري هي مراكز التسوق والتي تضررت بشدة أيضا من انتشار تجارة التجزئة عبر الإنترنت. ويري مايك برو، مسؤول العقارات ببنك الاستثمار جيفريز إنترناشونال أن ما يحدث كارثة تتشكل على مهل.