أفكار وآراء

ميركل: السياسة الدولية تخدم حملتها الانتخابية

12 مايو 2017
12 مايو 2017

سمير عواد -

لا خلاف على أن السياسة الدولية وما تتمتع به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من مكانة بارزة فيها ، تعتبر الحلبة التي تستطيع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استثمارها جيدا لتقوية فرصتها بالفوز بولاية رابعة في منصبها ، خاصة وأنها تعلم أن منافسها، مرشح الاشتراكيين، مارتن شولتس، لا يستطيع أن يجاريها ولا أن يصل إلى ما وصلت إليه فيها .  

وقد كان ذلك متوقعا من ميركل، فمعركتها المصيرية، موعد الانتخابات العامة في ألمانيا، ستتم بتاريخ 24 سبتمبر القادم ، أي بعد شهرين فقط على استضافة ألمانيا، التي تترأس مجموعة دول العشرين، القمة في مدينة هامبورج. وسوف تستفيد ميركل من الصور التي ستدخل بيوت الناخبين عبر محطات التلفزة، وهي تقف بين أبرز قادة العالم، وتطرح عليهم مبادرات السلام ومكافحة تغير المناخ وتحسن أوضاع الشعوب. وقبل فترة قصيرة، شاركت ميركل في قمة نساء قمة العشرين في برلين، وتم تكليفها بتقديم مقترحات إلى قمة العشرين، تؤدي إلى تحسين أوضاع نساء العالم.

ومع انخفاض شعبية منافسها، بدأت ميركل حملتها الانتخابية على طريقتها الخاصة، وكانت قد تعرضت لانتقادات من حزبها بعد الصعود المفاجئ والمؤقت لمنافسها الاشتراكي، بأنها عاجزة عن خوض الحملة الانتخابية. ويبدو أن ميركل تجيد هذا الدور في ممارسة دورها في السياسة الخارجية، بالنظر إلى قوة ألمانيا الاقتصادية، فهي أهم دولة في الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومن حسن حظ ميركل أن تترأس بلادها مجموعة العشرين، في وقت يساعدها في الظهور على مسرح السياسة الدولية بشكل أكبر ، خاصة وان موعد قمة العشرين يسبق الانتخابات العامة بشهرين، وتأمل ميركل أن تبقى صورها وهي تستقبل قادة العالم، عالقة في أذهان الناخبين الألمان عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في سبتمبر القادم .

وبينما كان شولتس، يشارك الألمان الاحتفالات بيوم العمال في مطلع مايو، كانت ميركل تقوم بجولة إلى عدد من أبرز قادة العالم، لتدعوهم للمشاركة في قمة هامبورج. فقد شاركت ميركل في القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل، حيث أصبحت منذ وقت الزعيمة الخفية للاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا وضعف فرنسا خلال عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولاند.

ثم توجهت ميركل إلى جدة لدعوة عاهل السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في قمة العشرين. ثم طارت إلى أبو ظبي، لنفس الغرض، وأخيرا إلى «سوتشي» للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ميركل وبوتين يعرفان بعضهما جيدا وهي تتحدث اللغة الروسية كما هو يتحدث اللغة الألمانية، لكن العلاقات ساءت جدا بينهما منذ السنوات الأخيرة بسبب الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية.

ووفرت هذه اللقاءات الفرصة لميركل كي تقدم نفسها لشركاء الحوار في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا، كزعيمة لألمانيا والاتحاد الأوروبي، وتبحث معهم أبرز القضايا والنزاعات الدولية. وهذه الفرصة لن يحصل عليها منافسها الاشتراكي، فاستطلاعات الرأي في ألمانيا التي تمت أخيرا، أوضحت أن ميركل بدأت تستعيد شعبيتها بعد صعوده الصاروخي لفترة قصيرة.

فبينما يواجه المجتمع الدولي صعوبات في إيجاد حل للأزمة في سوريا، تسعى ميركل إلى الظهور كمديرة لحل النزاعات والأزمات في العالم، والتباحث مع أبرز قادة العالم، وما يرافق ذلك من انتشار صورها وهي تمارس هذا الدور. ولم تعد ميركل تخشى الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الذي انتقدها بشدة خلال حملته الانتخابية، واتهمها بالتسبب في تسلل إرهابيين إلى ألمانيا وأوروبا مع أفواج اللاجئين. وتبين لها مدى صعوبة التعاون مع ترامب وأنه ينبغي أن يُحسب له ألف حساب. لكن إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي ومستشارته الخاصة ، لها تأثير كبير على والدها، وقد حلت لساعات ضيفة على ميركل في برلين، حيث شاركت في قمة نساء مجموعة العشرين، ويُقال أن ميركل استغلت بناء علاقات معها لتستعين بها ، كقناة مباشرة إلى الرئيس الأمريكي ترامب ، الذي بدأ يغير رأيه السلبي بالمستشارة الألمانية.

وقد تركزت الأنظار أيضا على زيارة ميركل إلى «سوتشي» في روسيا للقاء بوتين، وهي أول زيارة إلى روسيا منذ عام 2015 وأول لقاء مع بوتين بعد لقائهما في برلين عام 2016، بسبب النزاع الذي نشأ بعد ضم روسيا إقليم القرم لأراضيها وتم فرض عقوبات غربية على موسكو. وخلال هذه الفترة زادت الخلافات بين موسكو والغرب. وتم بحث الأزمتين الأوكرانية والسورية، بسبب تورط موسكو في أوكرانيا، ودعمها السياسي والعسكري للرئيس السوري بشار الأسد، الذي يجعلها قادرة على التأثير عليه. وبحسب شتيفين زايبرت، المتحدث الرسمي باسم ميركل، فإن المستشارة الألمانية قلقة من مغبة تصعيد النزاع في أوكرانيا بعد مقتل موظف في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تشرف على مراقبة وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا بين الجيش الأوكراني والفصائل الأوكرانية التي تؤيد الانفصال والمدعومة من موسكو. ورغم أن موسكو تعتبر ميركل على رأس تحالف غربي مناهض لها ويتمسك بالعقوبات ضدها وليس ما يوحي بقرب رفعها، إلا أن بوتين يعرف في قرارة نفسه أنه مضطر للتعامل مع ميركل لأنها أكثر حظا بأن تستمر في منصبها بعد الانتخابات العامة في ألمانيا في سبتمبر القادم ، رغم أنه يفضل فوز منافسها الاشتراكي، لأن الاشتراكيين الألمان يؤيدون رفع العقوبات عن روسيا.

وعلى الصعيد الداخلي وجهت ميركل عدة رسائل من خلال جولتها الأخيرة الأولى إلى الناخبين الألمان، وانه في حين أن المواطنين الألمان يقضون يوم العمال في بيوتهم وقضاء أوقات الفراغ، فإن المستشارة الألمانية تطوف العالم لترعى مصالح بلادها، وتعقد مباحثات سلام وتشجع على حصول الشركات الألمانية على مشاريع تجني مليارات طائلة خاصة في منطقة الخليج ، الشريك التقليدي لألمانيا.

الرسالة الثانية: كانت دعوتها في جدة وأبو ظبي وموسكو إلى إيجاد حل للأزمات الدائرة في ليبيا وسوريا واليمن، وهي أنه في ظل غياب المجتمع الدولي، فإن المستشارة الألمانية تريد من خلال حل هذه النزاعات، وقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا وأوروبا. وكانت قد وعدت مواطنيها بعدم تكرار الخطأ الذي قامت به في سبتمبر 2015 عندما سمحت بدخول اللاجئين دون تسجيل إلى الأراضي الألمانية مما جعل الكثيرين حتى من أعضاء حزبها يطالبونها بالتنحي عن مناصبها.

الرسالة الثالثة: وكانت إلى منافسها شولتس: أن ميركل تريد إقناع قادة العالم أنها الأفضل في منصبها من منافسها الاشتراكي الذي لا يعرفون عنه شيئا.

وكانت ميركل قد كلفت بيتر ألتماير، وزير ديوان المستشارية، ورجل المهمات الصعبة والموالي لها، قبل سفرها بوقت قصير، بأن يدير الحملة الانتخابية، ويرتبط ألتماير بعلاقات جيدة مع كافة الأحزاب الألمانية الممثلة في البرلمان الألماني «بوندستاج»، وقد أصبح مستقبلها السياسي يعتمد كثيرا على جهود ألتماير، الذي سيصبح الأقوى نفوذا في برلين بعد ميركل إذا نجح في ضمان فوزها بمنصبها للمرة الرابعة.