randa-s
randa-s
أعمدة

عطر: لا تتسولي الحب

10 مايو 2017
10 مايو 2017

رندة صادق -

[email protected] -

كلّ يرغب في الحب، كلّ ينتظر مجهوله، مصادفته التي تخرجه من عزلة العمر لترميه في أتون التجربة، عشاق بلا مواعيد وأحلام بلا أسماء أووجوه، حكايات كتبت بماء الشوق وأخرى بماء النسيان، دوائر من البوح ومربعات من الهجر، زوايا قائمة في جدران الذاكرة وبعد ثالث لذاك الحنين، مد وجزر، تيارات تمسنا فنرتجف خوفا من أن نفقد قدرتنا على التنفس، فالروح بلا حب ورقة صفراء تتقاذفها قسوة الخريف. هو الحب كرة من نور ونار، تكبر في قلوبنا لتحركنا كنسائم ربيعية تسافر في حقول الأقحوان، أو رياح هوجاء تقتلع صبرنا أمام خيبة أو انهزام من إحباط مسّ مشاعرنا أو من حبيب قرر التخلي عنا.

الحب حاجة إنسانية لا ترتبط بالمرأة وليس خاصية تتفرد بها، ولكنها الكائن الحسي الأكثر رقة وتفاعل مع عوالمه الداخلية، لعله لهذا وصفت بالقوارير الرقيقة التي تتكسر من الضغط، واستوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بها خيرا. هذا الكائن الهش قد يتشظى من هجر أو من نسيان أو من إهمال أو تجاهل، ولكن هل يدرك من حولها حاجتها للحب؟ هل يعرف من ينظر الى عينيها أنها تحتاج حنينا يتسرب من كلمة صادقة أو حنانا يسيل من يد دافئة، تحتاج ثقة تأخذها من شريكها، من أبنائها، من وسطها ومحيطها، فغالبا تصحرت مشاعر من قدمت لهم عمرها ووقتها وفكرها، اعتادوا حبها حتى تناسوا إنسانيتها، حقيقة أنا لا أبالغ ولكن أتكلم من خلال ملاحظات اجتماعية وشخصية تعيشها المرأة أحيانا بصمت وأحيانا أخرى بغضب .

لا تتسولي الحب ولا تركضي أكثر لإرضاء من حولك، تعلمي قليلا من القسوة قليلا من الرفض، ثوري لأناك، أحبي نفسك أولا، أحبي حاجتك للحياة، لابتسامتك تزين وجهك وأنت تطلين من نافذة روحك، جميلة أنت كأنثى وأم وزوجة وأخت، وبكل أدوارك ملكة متوجة في عالمك، عطشك للاهتمام لا يفهمه من حولك يظنونه ترف نسائي تافه يسرقون منك الكثير من الدمع، ويرمونك باللامبالاة. لا تتسولي الحب فالحب لا يتسول، لا تتسول الزهرة الضوء ولا يخشى العشب الرياح، وأمنا الأرض تغب جنون البشر، غباء أدائهم فهي وعائهمن هي بدايتهم ونهايتهم .

حين تدور بداخلك معاركك، لا تدعي الدمع يسلب منك ابتسامتك، ولا تختزلي الحياة بزاوية غرفتك، افتحي نوافذك وشرعي أبوابك، فمن رحمة الله لنا انه ترك لنا جهات وزوايا كثيرة ودوائر نختارها لا تختارنا. مقاتلة أنت منذ اللحظة التي تشبثتي بمكانك وانشأتي المجتمع الزراعي، أنتِ من أرسى أسس المجتمعات الثابتة بعد أن كان الرجل صيادا يرتحل في الأرض يطارد الطرائد، انت الثبات والمجتمع يمتد طاقته منك. آمني بأنوثتك وإنسانيتك، لا تغوصي في مشاعر عابرة، تمسكي بثوابتك التي تفرض نفسها،انتِ منبع الحب، فلا تظنني انكِ تنضبين بل ستبقين ما بقيت حواء مطر الحياة .

يا ابتسامة الضوء في وجه عتمة الليل، انهضي وراقصي السماء، انثري عطرك وطعم خبزك، اعزفي ترنيمة الحب، واطوي صفحات الغضب، قوس قزح يشق سماء أشرقت فيها الشمس في يوم بارد عاصف، مظلة لأبنائك تظللينهم من جحيم صيف أو من سيل ماطر. لا تدعي رماد الإهمال يغطي بريقك ولا تتركي صلاتك، كم هدأت الأرواح من حولك، حين تبتسمين في وجه رجل غاضب نالت منه همومه اليومية.

كوني كما انت مدرسة في الحب والعطاء، يدورون حولك ولا تدوري حولهم فهم يفتقدون فيضك، فيضي برقتك وسلامك الداخلي، لا تتسولي الحب، بل انثريه في حقولهم لتنبت بيادره في مواسم الحصاد ويتعلمون ان الدنيا أم وأنثى.