ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: حياة مفرطة في التفاؤل

09 مايو 2017
09 مايو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

جميعنا، بلا استثناء، يسعى لأن يكون أكثر تفاؤلا على الرغم مما يجابهه في حياته اليومية من مشاكل وقضايا حارقة للمعنويات، سواء أكان ذلك على مستواه الشخصي، أو المستوى العام، فكل ما يحيط بالإنسان يؤثر فيه، ويتأثر به أيضا، ومن هنا يأتي وصف «اجتماعية الإنسان» بخلاف الكائنات الأخرى التي تسعى إلى إشباع غرائزها وفقط، حيث لا تفكر بالمحيط بها من أمثالها من الكائنات، أصلح حال هذه الكائنات، أو لم يصلح.

هنا نأتي إلى الثيمة التفاؤلية الموجودة عندنا كبشر، وإلى أي حد يمكنها أن ترتقي بنا إلى مصاف المستويات المتقدمة من حياتنا البشرية، أو تنزلنا منازل الهلاك في أحيان أخرى، ولأن التفاؤل واحد من المعززات في حياتنا اليومية، فإن هذه الثيمة عندما نبالغ فيها أحيانا تغربنا عن الواقع الذي نكون فيه، ونتجاوز محطات مهمة في حياتنا، ربما المسألة أن هناك فهما مغلوطا في توظيف هذا التفاؤل، وذلك عندما ننحاز إليه أكثر مما ينبغي، لأن الحياة اليومية وإرهاصاتها المختلفة يجب أن تواجه بالكثير من التخطيط، وبالكثير من التمعن، ولا يكفي أن نقنع أنفسنا بأننا متفائلون دون أن يكون هناك جهد ذهني ومادي لرسم خارطة طريق واضحة لهذا التفاؤل، ومن ثم توظيفه على أرض الواقع.

وهناك خلط على ما يبدو ما بين التفاؤل والاتكالية، وقليل منا من ينتبه إلى ذلك، فأغلبنا واقع في هذا المطب، حيث ينزعنا هذا الإفراط في التفاؤل عن العمل الجاد، وعن التخطيط السليم لحياتنا اليومية، فأنا متفائل بأن تسير جميع أموري اليومية سيرا حسنا، حيث إنني لن اصطدم بأي أمر ينغص علي حياتي، دون أن أخطط لهذا اليوم، ودون أن أستحضر متطلبات نجاحات هذا اليوم، وفي وسط اليوم أجد نفسي أمام مطب من مطبات الحياة يصعب تجاوزه بهذا التفاؤل الذي أقنعت به نفسي منذ الصباح الباكر، وعندما أعيد التفكير في مجموعات الخطوات التي من المفترض أن آخذ بها لذلك اليوم، أو لخط سير المحطة التي أود الوصول إليها، أوقن حينها أنني فعلا أخطأت الطريق، وأن ثيمة التفاؤل التي بينت عليها خط سيري منذ الصباح الباكر لم تكن بتلك الواقعية التي أواجه مشكلتها في هذه اللحظة.

حياتنا اليوم شديدة التعقيد، وكل خطواتنا يجب أن يرسم لها خارطة طريق واضحة، لأن خطواتنا اليومية مرتبطة بآخرين هم يرسمون طريقنا في الأمام، ولا يأتون من بعدنا، ومحفة الخطر التي تحيط بمفهوم التفاؤل واسعة الامتداد، ولنضرب مثالا بسيطا لهذه الصورة، فلو أردت أن تسافر لبلد ما، فعليك أن تحدد حجزك في خط الطيران في وقت مبكر جدا، ولأشهر سابقة، وكذلك في حجوزات الفنادق التي سوف تسكن فيها، وإلا ستجد نفسك في ورطة لن ينجيك منها أحد عندما يقترب موعد سفرك أو إقامتك، وأنت أفرطت في تفاؤلك بأنك ستجد طريقك سالكا في أي وقت تريد، وما ينطبق على هذا المثال البسيط، ينطبق على كل الأمثلة في حياتنا اليومية، فلا تفرطوا في التفاؤل بأن كل أمور حياتكم سوف تسير سيرا حسنا، فإن هناك جوانب كثيرة تتداعى في لحظة الحدث، وقد تحول تفاؤلك إلى تشاؤم، لا قدر الله.

اليوم بخلاف أي زمن ولى، تحضر معززات المعرفة في حياتنا اليومية، فتعفينا من مشاق كثيرة في هذه الحياة حيث تنير لنا الجوانب المخفية، ولعل في ثورة الاتصالات التي نعيشها الكثير الكثير من هذه المعززات التي تبقي بصيرتنا على الوضوح لمختلف حياتنا اليومية، خاصة وأن استحضار خدماتها تكون على أبسط مما نتوقع، وما دام الأمر كذلك فما الذي يؤخرنا أن نأخذ بها في التخطيط لمساراتنا اليومية؟