abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ .. حــــوار بـــين حداثي وتقليدي

07 مايو 2017
07 مايو 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

لم تعد الحياة كما كانت عليها من قبل فكل ما فيها تحول وتبدل وترقم وتحدث، صار حداثيو الحياة المتطورة يطلقون على كل ما هو قديم مصطلح «تقليدي» ويوازيه في ذلك مصطلح آخر ابتكروه هم ذواتهم فأسموه « بالحديث» للدلالة على أن كل ما لا يتفق مع أهوائهم هو تقليدي وما يتواءم معها هو حديث أو حداثي أيا كانت حداثة ذلك الشيء سواء أعاد بالنفع على البشرية أم ساهم في تكريس تخلفها وتراجعها أم ساهم في الإجهاز والقضاء على بعض من مبادئها وقيمها وأخلاقها.

أكتب هذا الكلام بعد جدل طويل دارت رحاه بيني وبين آخر وسمني بالتقليدي والحمد لله أنه لم يسمني بـ «الرجعي» ووسم نفسه بالحداثي المتطور المنفتح على العالم وشؤونه وشجونه، دارت بيننا بعض الحوارات الساخنة على أرض الواقع أي وجها لوجه وهذا ما اعتبرته بداية تقدم عليه حيث إن المناظرة بيننا لم تجر بطرق حديثة وباستخدام وسائط وتقنيات حديثة فكان هذا أول نصر مؤزر لي.

هو رآني وأمثالي من التقليديين بأننا لا نزال من ألد أعداء الطبيعة والمحاربين لها بإصرارنا على استخدام الورق ومنتجاته في القراءة والكتابة، في حين أن الحداثة التقنية التي يتبع هو مذهبها ساهمت في حفظ التنوع البيئي ومنع التدهور والتصحر والاحتباس الحراري من العالم بفضل الألواح المعلقة التي يستخدمونها في الرسم والقراءة والكتابة وكل شيء يعنى بالتدوين فأتباع هذا المنهج يتنقلون من لوح إلى آخر من بداية اليوم وحتى نهايته لا وقت لديهم لورقة هنا أو كراسة هناك وكتاب هنا وجريدة هناك فكل ما في الكون يجب أن يختزل في شاشة واحدة تحملها أينما يممت وجهك تصلح لكل زمان ومكان.

لم تفلح دفوعي التي دفعت بها للرد عليه في تبرير إصراري على استخدام الورق من أن فوائده ليست فقط في صفاء الذهن واستخدام أكثر من حاسة في القراءة والكتابة والرسم بل تتعداها إلى سهولة في الفهم وتركيز في المحتوى والأهم من ذلك بقاء الورق كمصدر للرزق لنا ولغيرنا ممن لا يزال يعتمد عليه ولو تحولنا إلى حداثتكم لقضي على مصدرنا الذي يقيت وأد يومنا.

عاجلني بالقول بأن ما بررته غير مقنع تماما، لا سيما وأن مؤسسات التعليم التي أشرت إليها عرضا في حديثي باتت حديثة واستغنت عن التقليدية في القراءة والكتابة فمناهجهم صارت رقمية حديثة وفصولهم الدراسية صارت افتراضية وأقلامهم ومساحاتهم صارت إلكترونية حتى حقائبهم التقليدية اختفت من الوجود فصارت ألواحا محمولة. فسرت له ذلك بأن من أسباب ضعف التحصيل الدراسي في كثير من هذه الأمثلة هو طلاقها البائن للورق وفراقها للمدرس الشارح للعلوم والمناهج وابتعادها عن منهج السلوك السوي في الشرح والمناقشة والمحاورة واكتفاء الأستاذ وطلابه بالتراسل اللوحي بينهم من دون لقاء وهذا ما لا يرسخ درسا أو يعمق فهما، ثم إنني عاجلته بقولي إن كثيرا من طلاب هذا الزمان منكبون على ألواحهم الصغيرة والكبيرة لا يتواصلون مع مدرسيهم فضلا عن أقرب الناس اليهم آبائهم وإخوانهم وأزواجهم وذرياتهم فهم منكبون على مسطحاتهم يضحكون من غير سبب ويبكون من غير سبب، لا تراهم العين ولا تسمعهم الأذن كل يومهم ونهارهم يتواصلون فيما بينهم بطريقتهم الحداثية التي تخلو من الروح والجسد والتواصل البشري الذي جعله الله سمة لهذا الإنسان الذي خلقه.

لم ينبس صاحبنا ببنت شفة كما يقول الشعراء التقليديون ولكنه ألقى باللائمة على من يقوم بهذا الفعل الذي عده بأنه غير مقبول أو مشروع ولا بد للفرد أن يعود إلى رشده وصوابه بدلا من إمضاء يومه ونهاره على ما لا طائل منه. اتفقنا في نهاية المناظرة أن يحترم كل منا الآخر في رأيه ومنهجه وأن يحاول كل منا أن يأخذ من الآخر ما يبقيه تقليديا أو حداثيا حسب متطلب الزمان والمكان وأن لا ينجر كل منا لا إلى القاع ولا إلى القمة بل نأخذ من كل شيء بقدر.