أفكار وآراء

«الكوتة» .. و المشاركة البرلمانية للمرأة

07 مايو 2017
07 مايو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تسعى المرأة العربية او غير العربية الى الانضمام الى الأسرة البرلمانية، فهذه الأسرة مغرية بامتيازات كثيرة، أقلها ذلك الـ «بريستيج» الاجتماعي، وإن كانت الأمانة التي يحملها البرلماني على عنقه جادة وثقيلة بالفعل وينأى عنها كثيرون،

ومع ذلك يبقى البرلمان بهيبته وصولجانه حلما للكثيرين من أبناء المجتمع ذكورا وإناثا على حد سواء، ولذلك يبذلون النفيس لأن يصلوا الى تحت قبته، وعندها كما يقال في المثل المحلي «الميدان يا حميدان» فالمسألة عندها اكبر من «برستيح» وأكبر من وجاهة اجتماعية، واكبر من النعوت كلها والتي عادة ما ينعت بها البرلمانيون من قبل أبناء المجتمع، المسالة «هم بالليل «وإحراج» بالنهار» فعشرات الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تتوالى على العضو البرلماني من أبناء المجتمع ليست هينة، وغض الطرف عنها ليس هينا، وتبنيها اكبر المسؤوليات، ومجابهة المسؤولين بها اكثر من أن يوصف حال حاملها «البرلماني» والتخلص من علاقة التضارب مع المصلحة الشخصية يظل أكبر التحديات، وقس على ذلك كل هذه المحاذير، وكل هذه التحديات، فما هو المغري؛ أن تكون عضوا في البرلمان؟ هناك من يسأل أيضا.

ومع ذلك يبقى السعي الى البرلمان، في فهم آخر، واجبا وطنيا مقدسا، فهو خندق مهم من خنادق الحفاظ على المكتسب الوطني المهم، وهو المعقل الآمن لمختلف مسارات التنمية وبرامجها المختلفة، وهو الحارس الأمين للتشريع الوطني، وهو العين الساهرة للرقابة على مكتسبات الوطن كلها صغيرها وكبيرها، وبذلك يسمو البرلمان بجهد المخلصين فيه، بوصفه أحد أجنحة الوطن المحلقة أبدا نحو سموه وتقدمه ونموه، ولأنه كذلك فحتما أن بتموضع في نفسية كل مواطن، بغض النظر عن نوع هذا المواطن ذكرا كان أو أنثى، فالجميع، في النهاية، هم حماته، والذائدين عن عرينه، مهما كلفت هذه الحماية، ومهما استنزف هذا الذود، وانطلاقا من هذا الفهم الواعي لاستحقاقات الوطن، يأتي دور المرأة - نصف المجتمع - لتجد نفسها في هذا الخندق من خنادق الوطن المقدرة، لا يثنيها عن ذلك كونها امرأة فقط، ولكن لأن المسألة، في هذا الجانب بالذات، قائمة على التنافس الحر النزيه، فقد تعززها عوامل كثيرة، ليس من اليسير أن يحظى بها الجميع، حتى الرجال أنفسهم، بغض النظر عن المرأة بإمكانياتها البسيطة والمتواضعة، والمتوارية دائما خلف الصفوف، حيث تتقصى خطواتها عين الرجل الثالثة، اتساقا مع ما يتطلبه واقع المنافسة في شأن الانضمام الى الأسرة البرلمانية، ومع ذلك ترى المرأة نفسها أنها الجديرة أيضا أن تكون في هذا الموضع والموقف، في هذا الدور حيث تلزم نفسها كواحدة من أبناء الوطن العاملين المخلصين، الساعين بصدق التوجه الى إعلاء شأن الوطن، بعد أن عطرت ساحتها الأسرية بالكثير من التضحيات، والبذل والعطاء، فلها حق المبادرة في هذا الجانب أيضا، وهو جانب يزيدها حرصا وعملا، وجهدا وعطاء.

ويبدو أن مسألة الـ «كوتة» ليست مسألة عربية فقط، والدليل أن الأمم المتحدة - كما أكد على ذلك سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى - « لا تعتبرها تمييزا أو عنصرية» ففي حوار جميل مع سعادته، سوف ينشر في مجلة «شرفات المجلس» التي يصدرها مجلس الدولة؛ سألته عن «تقييمه لفوز امرأة واحدة فقط على مدى فترتين: السابعة والثامنة، بعضوية مجلس الشورى، رد بالقول: «هذه ديمقراطية، وأنا أرى إذا لم يكن عندنا نظام حصص فأتصور أن هذا العدد سيراوح مكانه، وقد زرنا قبل أيام اليابان «مضيفا» وهي دولة متقدمة، ووجدنا عندهم (9%) فقط نساء في البرلمان، وعندهم مؤسسات حزبية، وبالتالي فالبرلمانات التي ليس فيها محاصصة، فليس من السهولة ان تصل المرأة الى قبة البرلمان، ومما يشجع على الأخذ بنظام المحاصصة أن الأمم المتحدة لا تعتبره تمييزا او عنصرية، وأنا اعتقد انه إذا أردنا أن يكون للمرأة العمانية وجود تحت قبة مجلس الشورى ان يؤخذ بنظام المحاصصة، على الأقل أن يكون من كل محافظة امرأة واحدة» وهذه الصورة في تضاؤل حضور المرأة في البرلمان ليست في السلطنة فقط، حيث تعود المسيرة الشورية منذ انطلاقتها الى ما قبل ربع قرن من الآن، ومع ذلك لم تؤسس قناعات لدى الناخب من الجنسين بضرورة أن يكون هناك أكثر من امرأة تحت قبة مجلس الشورى، فكل البرلمانات العربية تعاني من هذا التراجع في وجود المرأة البرلمانية تحت قبة البرلمان، وفي هذا السياق قرأت مؤخرا خبرا يفيد أن الجمهورية الجزائرية قد خصصت (30%) كوتة نسائية في البرلمان، وذلك وفق التعديل الذي أجري على دستور البلاد مؤخرا، «حيث نص القانون في مادته الثانية على تخصيص حصص نسبية للعنصر النسوي في القوائم الانتخابية - حسب المصادر التي نشرت الخبر - على أنه «يجب ألاّ يقل عدد النساء في كل قائمة ترشيحات، حرّة أو مقدمة من حزب أو عدة أحزاب سياسية، عن النسب المحددة أدناه، بحسب عدد المقاعد، المتنافس عليها؛ حيث تم تخصيص نسبة 20 % عندما يكون عدد المقاعد يساوي أربعة مقاعد، 30% عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق خمسة مقاعد، 35% عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق أربعة عشر مقعدا، 40% عندما يكون عدد المقاعد يساوي أو يفوق اثنين وثلاثين مقعدا، 50% بالنسبة لمقاعد الجالية الوطنية في الخارج. وبخصوص المجالس الشعبية الولائية، فقد حدد القانون النسب بـ 30% عندما يكون عدد المقاعد 35 و39 و43 و47 مقعدا و35% عندما يكون عدد المقاعد من 51 إلى 55 مقعدا، وبخصوص الانتخابات للمجالس الشعبية البلدية فقد أقر القانون نسبة 30% في المجالس الشعبية البلدية الموجودة بمقرات الدوائر وبالبلديات التي يزيد عدد سكانها عن عشرين ألف (20.000) نسمة» انتهى النص، ويذكر أن الجزائر احتلت بعد الانتخابات البرلمانية التي نظمتها عام 2012، المرتبة 25 عالميا من حيث تمثيل النساء في الهيئة التشريعية» - وذلك حسب نفس المصدر - وإن كان هذا التعديل، كما استمعت إليه عبر احدى الإذاعات الناطقة باللغة العربية، يواجه انتقادات من بعض أفراد الشارع الجزائري، وكما قرأت أيضا عبر أحد المصادر خبرا مفاده: «أظهرت نتائج أحدث استطلاع متخصص حول مشاركة المرأة الفلسطينية في الحياة العامة نفذه معهد العالم العربي للبحوث والتنمية أن غالبية النساء تؤيد مقترح تعديل قانون الانتخابات المحلية الحالي، وهو رفع الكوته النسوية من 20% إلى 30%، وقد أيدت هذا التوجه غالبية ساحقة وصلت الى (88%)».

ويبدو، ومن خلال قراءة متأنية، لواقع المرأة وسعيها نحو البرلمان، أن بعض الحكومات لا تزال داعمة لهذا التوجه، وذلك انطلاقا من قناعات مهمة أصلتها المرأة على امتداد العمل المؤسسي في مؤسسات الدولة المختلفة، حكومية كانت او خاصة، حيث واكبت، وبكل همة واستعداد؛ الطموحات والآمال التي ترسمها الحكومات، غالبا، في بناء الأوطان، من خلال أبناء هذه الأوطان، وهم الأبناء الذين لا يفرق بينهما على اعتبار النوع، وانطلاقا بما تبديه المرأة من همة واستعداد وتبني للأفكار النوعية ساندت الحكومات المرأة وخصصت لها مقاعد في المجالس المعينة، وقد أثبتت المرأة دورها، وأصلت ذلك بالعمل المنجز، وبقيت الإشكالية قائمة في المجالس المنتخبة، وهي المجالس التي يقول فيها الناخب قوله، ويظهر رأيه، ويوظف قناعته، وهي مسألة ليست يسيرة، فتغلغل القناعات وارباكها عن ثباتها يحتاج الى كثير من الجهد الذهني، فالناخب يوصف بأنه «مزاجي» الى حد كبير، اما قصة أن هنا يجب ان يكون رجل وهنا يجب ان تكون امرأة، فهذا أمر مبالغ في تقييمه، ولا يخضع لرؤية عملية او علمية مجردة، اما وأنه المطلوب ان من يكون في هذا المكان او ذاك من له دور محوري في العملية التنموية، فالمرأة في حل من هذا الشرط، لأن ما تبديه من جهود خلاقة في ميادين العمل المختلفة شهادة لا تحتاج الى مصادقة ذكورية بحتة، حتى يجسرها ذلك الى الوصول الى تحت قبة البرلمان، وإلا كيف يكون الحكم على تجارب دولية تصل المرأة فيها الى سدة الحكم؛ رئيسة دولة؛ او رئيسة وزراء تقود الدولة بكل مقدراتها المادية والمعنوية، ومع ذلك لم تصل المرأة فيها الى الكفاية المعقولة في التمثيل النيابي مقارنة بما يحوزه الرجل في ذات المكان، ومن يصل في ذات هذه الدول من النساء؛ يكن قد بذلن جهدا غير عادي، وإلا على الحكومة أن تسعى الى اللجوء الى خيار الـ «كوتة» وهو خيار ترى فيه كثير من النساء - في المقابل - أنه خيار يوسم ما حققته في مجالات العمل الوطني بالضعف والقصور.