أفكار وآراء

المركز اللوجستي للسلطنة مستقبلا

06 مايو 2017
06 مايو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

تتطلع السلطنة إلى زيادة مساهمة القطاع اللوجستي بنحو 14 مليار ريال عماني في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040 وفق ما صرح به معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات في جامعة السلطان قابوس مؤخرا عند تدشينه منصة العلوم اللوجستية بالتعاون مع عدة مؤسسات وكليات بالجامعة. وقد أعرب الوزير عن أمله في أن يصبح القطاع اللوجستي ثاني مصدر للناتج المحلي الإجمالي في السلطنة وتكون السلطنة مركزا لوجستيا عالميا بحلول عام 2040.

لقد أحرزت السلطنة مرتبة متقدمة على مستوى الأداء اللوجستي لعام 2016 وفق المؤشرات الأخيرة للبنك الدولي، حيث حققت المركز الـ48 عالميًا مقارنة بالمركز الـ59 في عام 2014، وتقدمت بذلك 11 مركزًا خلال العامين الماضيين، الأمر الذي يؤكد على الجهود التي تبذلها الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص من أجل توفير وتقديم الخدمات اللوجستية للاقتصاد العماني في إطار المشاريع التي يتم تأسيسها في السلطنة من أقصاها إلى أدناها.

فهناك جهودا تبذل من أجل نشر التنمية في جميع المحافظات العمانية، مع العمل على استغلال الموقع الاستراتيجي الفريد للبلاد، والذي يخولها بأن تؤدّي دوراً مهماً وريادياً في مجال الخدمات اللوجستية في منطقة الخليج والدول المطلة على المحيط الهندي وبلدان شرقي إفريقيا. هذه الأعمال - بلا شك- ستعمل على تحقيق نموّ كبير ومستمر في هذه الصناعة لكي تصبح السلطنة مركزاً أساسياً للخدمات اللوجستية في المنطقة خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يتطلب منا النظر بعيداً جداً إلى الآفاق الاقتصادية العالمية، ولا نحصر أنفسنا بالدورة الاقتصادية قصيرة المدى عند إعداد الاستراتيجيات، وبحيث يكون التقدم التقني والازدهار التجاري والاستثمار محركات أساسية للانتعاش الاقتصادي، كما يجب أن تبدأ السلطنة من الآن الإسراع في التنويع الاقتصادي وفق ما يتم العمل به من خلال البرنامج الوطني «تنفيذ»، حيث يمثّل القطاع اللوجستي أحد القطاعات الثلاث الرئيسية في البرنامج الذي تم التركيز عليه خلال الاجتماعات وحلقات العمل التي تم عقدها بهذا الصدد.

وقد أشارت البيانات التي نشرها كتاب « تنفيذ» إلى أن معدل النمو في قطاع الخدمات اللوجستية بالسلطنة والذي اتسم بالثبات نسبيا بلغ قرابة 8% منذ عام 2010 م، وبلغت نسبة مساهمة قطاعي النقل البري والبحري منه أكثر من 60%، مشيرة إلى أن جميع دول مجلس التعاون تتميز بموقع استراتيجي يؤهلها لتكون مركزا عالميا للخدمات اللوجستية، إلا أنها لم تستقطب سوى 3.5% من مجموع نسبة التجارة العالمية. وبالنسبة للسلطنة فإنه بالرغم من انخفاض الميزان التجاري لها بنسبة 75% في عامي2015-2014 بسبب الاعتماد الكبير على إيرادات النفط؛ إلا أن إجمالي حجم البضائع المتداولة ارتفع من 93 إلى 103 ملايين طن. وبالنظر إلى تكاليف عمليات التصدير والاستيراد، فإن السلطنة تتسم بانخفاض تنافسية تكاليفها مقارنة مع باقي دول مجلس التعاون والمراكز اللوجستية الأخرى.

وبالرغم من ذلك فهناك العديد من التحديات والتوجهات التي نوقشت في المختبرات التي عقدها المسؤولون في برنامج « تنفيذ» فيما يخص قطاع الخدمات اللوجستية. فعلى الرغم من نمو هذا القطاع وانخفاض تكلفة التصدير والاستيراد، إلا أنّ السلطنة ظلّت تفقد حصّتها من حركة نقل الحاويات عبر الموانئ في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى حصولها على نسبة ضئيلة من حركة الشحن الجوي للدول المجاورة، بالرغم من النمو السريع في قطاع الشحن الجوي بنسبة 33% وارتفاع حركة الشحن الجوي لدول المجلس من6.6 ٪ إلى10 ٪ من مجموع الحصة العالمية. إضافة لذلك، يشير تقرير البنك الدولي إلى أن مستوى كفاءة وسرعة عملية التخليص الجمركي، ونظام تتبع وتعقب الشحنات، ما زالت دون المستوى المطلوب في البلاد. وفي مجالي النقل البحري والجوي، فإن الوجهات التي تغطيها الموانئ والمطارات العمانية حول العالم أقل بالمقارنة بالدول المجاورة. علاوة على ذلك، تستغرق إجراءات ممارسة الأعمال التجارية في السلطنة وقتا أطول مقارنة بمراكز الخدمات اللوجستية الأخرى في بعض دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن أن يسهم تطوير قطاع الخدمات اللّوجستية في تحسين أداء السلطنة بأكثر من 50% من القطاعات الفرعية في الناتج المحلّي الإجمالي.

أما الفرص والإمكانيات في هذا القطاع الحيوي، فان بيئة الأعمال في قطاع الخدمات اللوجستية ترتبط بالكثير من العوامل التي تؤثر على العمليات التجارية في القطاع. ويعتمد القطاع اللوجستي بشكل أساسي على البنية الأساسية حيث إن توافرها يسهّل على المستثمرين والعاملين في القطاع تطوير وزيادة نشاطاتهم التجارية. ويواجه المستثمرون في القطاع تحديات ترتبط بالقوانين المتعلقة بالاستثمار وإجراءات تخليص البضائع العابرة، الأمر الذي يستدعي تبسيطها وتوظيف الوسائل الكفيلة بتسهيلها. وتعتبر التكنولوجيا والخدمات الرقمية من العوامل المهمة التي يمكن من خلالها تحسين بيئة الأعمال ومواكبة التطورات العالمية وزيادة الاستثمارات والحركة التجارية حول العالم. كما أن جذب القطاع الخاص للاستثمار في مجال الخدمات اللوجستية سيعمل على تعزيز القطاع اللوجستي وبالتالي تسهيل عملية تطوير بيئة العمل في القطاع.

وتشير بيانات كتاب «تنفيذ» إلى أن مؤشرات القطاع العامة المستهدفة ضمن هذه المرحلة من البرنامج ترمي الوصول بمساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 2 مليار ريال عماني بحلول عام 2020، والعمل على زيادة عدد الشاغلين للوظائف التي يوفرها قطاع الخدمات اللوجستية من 67469 عاملا في عام 2016 إلى 10000عاملا بحلول عام 2020، مع العمل على زيادة الاستثمار بما لا يقل عن 1 مليار ريال عماني بحلول عام 2020 م. كما يستهدف هذا الأمر إلى خفض المدة الزمنية لاستكمال إجراءات تخليص الحمولة المستوردة في الشحن البحري من معدل 7.2 أيام الى معدل 1.5 يوم بحلول عام 2020، مع العمل على زيادة السعة في الموانئ من 3.1 مليون طن الى 7 ملايين طن) وحدة مكافئة لعشرين قدم كطاقة استيعابية) بحلول عام 2020، بالإضافة إلى تطبيق نظام مجتمع الموانئ في كافة موانئ السلطنة حيث إن عدم وجود نظام إلكتروني متكامل يحوي كافة الوثائق والمعلومات المتصلة بالبضائع المتجهة لجميع موانئ السلطنة يؤدي إلى تقليل كفاءة العمليات والإجراءات المرتبطة. وتتضمن المبادرة تأسيس نظام مجتمع الموانئ الوطني Port Community System ،لتبادل المعلومات بين أنظمة متعددة تديرها مجموعة من الجهات الحكومية والخاصة محليا ودوليا، ودمج ومواءمة الموانئ مع الأنظمة الأخرى، كتلك المتعلقة بالاستيراد والتصدير كنظام «بيان»، وأنظمة المحطة الواحدة. كما تتضمن المبادرة أيضا متابعة التنفيذ بدقة في الموانئ الثلاثة الرئيسية في السلطنة، وبعدها في الموانئ الأخرى بهدف رفع مستوى الكفاءة والإدارة. ومن هذا المنطلق، قامت المجموعة العمانية العالمية للوجستيات بوضع خطة تتضمن مجموعة خيارات لتنفيذ نظام مجتمع الموانئ الوطني PCS للموانئ الثلاثة الرئيسية، في صحار وصلالة والدقم، حيث سيشمل النظام آلية لجمع المعلومات من الأنظمة المختلفة والمتعددة في جميع المؤسسات. كما سيتضمّن آليات للتحكم بعمليات التفاعل والتداخل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وبين شركات القطاع الخاص نفسها. وبحسب الخطة المقدمة في هذا الصدد، سيعمل النظام بسلاسة مع نظام «بيان» وسيكون ضمن آلية المحطة الواحدة في منافذ الحدود البرية والبحرية والجوية للسلطنة. وتؤكد مصادر البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي «تنفيذ» بأن هذه المبادرة ستعود بالعديد من الفوائد والمنافع على الموانئ العمانية، كتطوير خدمة الزبائن، واستغلال الموارد المتوفرة، وزيادة كفاءة العمليات الداخلية. كما ستستفيد خطوط الشحن من توفر المعلومات المحدّثة، فضلًا عن استفادة المؤسسات الحكومية والزبائن من زيادة أمان العمليات، وإدارة المخاطر، وتقليص التعاملات الورقية، وتوفير بيئة تجارية محفّزة لكافة المناطق الحرة من خلال تطوير وتحسين الأنظمة والمرافق. ووفق ما ورد في هذا الصدد فهناك عدد من التحديات التي تواجه المستثمرين بالمناطق الحرة وهي تعدّد واختلاف الأنظمة واللوائح، ونسب التعمين، وإجراءات إصدار التراخيص والتصاريح، والتعرفة المتفاوتة، ونقص المرافق في المناطق الحرة. ونتيجة لذلك، ترتكّز هذه المبادرة على توحيد السياسات واللوائح، وتطوير المرافق، وتمويل المشاريع في جميع المناطق الحرة، بهدف تحسين جاذبية الاستثمار، ورفع الإيرادات من الاستثمارات العامة. كما تهدف المبادرة إلى تطوير بيئة الأعمال وخفض التكاليف الحكومية، والارتقاء بالخطط الترويجية للمناطق الحرة، بالإضافة إلى توفير بيئة عمل متوازنة من حيث القوانين والتشريعات، مثل إعطاء صلاحية منح وإصدار التراخيص والتصاريح لجميع المناطق الحرة، واعتماد ذات الميزات الخدمية في جميع هذه المناطق، كالمياه والكهرباء، وإعطاء ذات المحفّزات للقطاع الخاص للقيام بأعمال تجارية قائمة على الاستفادة من الموارد الطبيعية.بالإضافة إلى ذلك، تتضمن المبادرة إعداد نموذج عمل متكافئ لجميع المناطق الحرة.

[email protected]