أفكار وآراء

قامر نتانياهو فخسر جانبًا من تعاطف ألمانيا

05 مايو 2017
05 مايو 2017

سمير عواد -

في مثل هذه الظروف، يختفي أصدقاء إسرائيل المزعومون في ألمانيا، لأنهم لا يجدون الكلمات المناسبة للدفاع عن إسرائيل، وقد حصل ذلك مرارا وتكرارا كلما قامت إسرائيل بعدوان على الفلسطينيين وارتكبت أمام العالم جريمة حرب تضاف إلى سجلها الطويل.

والمناسبة الأخيرة، وقعت أحداثها في القدس، خلال الزيارة التي قام بها زيجمار جابرييل، نائب المستشارة وزير الخارجية الألماني، وهي الأولى من نوعها بعد استلامه منصبه في نهاية يناير الماضي. وسبق لجابرييل حين كان يشغل منصب وزير الاقتصاد والطاقة ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أن التقى مرارا مع نتانياهو، وكان يعتبر نفسه صديقا وثيقا للمسؤول الإسرائيلي، وكان يشير إلى دليل يؤكد ذلك، أنه دخن السيجار مرة مع نتانياهو.

ما حصل يؤكد أن نتانياهو لا أصدقاء له، وإنما يقيم علاقاته حسبما تفرض مصالحه ليس أكثر. لذلك لم يكن غريبا عليه أن يتسبب بفضيحة خلال زيارة جابرييل، وقيامه بإلغاء اللقاء معه، لأن الوزير الألماني، رفض الرضوخ لتهديد نتانياهو عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، واجتمع مع ممثلين عن منظمتي «كسر الصمت» و«بتسليم» ضمن لقاء مقرر مع ممثلين عن المجتمع المدني في إسرائيل بما فيهم عرب.

وكتبت صحيفة «زود دويتشه» الألمانية تقول حول الفضيحة: «لقد لقّن وزير الخارجية الألماني نتانياهو درسا في الديمقراطية». وعندما اضطرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المعروفة بتأييدها لإسرائيل، لتعلق حول الفضيحة، قالت: «إن دولة ديمقراطية، يجب أن تسمح بصدور انتقادات من قبل ممثلين عن المجتمع المدني».

واتفق المعلقون الألمان على أن الفضيحة التي تسبب بها نتانياهو، تشابه إلى حد كبير، لاعب كرة القدم، الذي سجل هدفا خطأ في مرماه. وبرأي رودولف دريسلر، سفير ألمانيا السابق لدى إسرائيل، فإن ما حصل علامة على أن إسرائيل خسرت آخر أصدقائها. وتأتي ألمانيا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ثاني أكبر ممول لإسرائيل، وتقوم بالدفاع عن مصالحها في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وهي آخر دولة في العالم، ستعترف بالدولة الفلسطينية إذا سمحت لها إسرائيل بذلك. ويعود سبب التأييد الألماني اللامشروط، لإسرائيل، إلى «عقدة الذنب» وتحميل الألمان أنفسهم بعد تأسيس ألمانيا الاتحادية في عام 1949 على ركام ألمانيا النازية، مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل واليهود، وهم يدفعون تعويضات عن جرائم هتلر ضد اليهود حتى اليوم.

وعلى مدى العقود الطويلة الماضية ظلت علاقات ألمانيا مع العالم العربي ترزح تحت عبء التحيز الألماني لإسرائيل بداعي «عقدة الذنب». والآن ثبت للألمان أن نتانياهو يستغل الموقف الألماني بدون حياء أو حتى مراعاة للمسؤولين الألمان الكبار انفسهم .

فقد تزامنت الفضيحة بعد يوم واحد على تخليد الإسرائيليين ذكرى «المحرقة»، وقام جابرييل بالذات، بزيارة تقليدية إلى نصب «باد ياشيم» ووضع إكليلا من الزهور على الضريح الرمزي لضحايا المحرقة، كما يفعل كل مسؤول أجنبي يزور إسرائيل. لكن جابرييل صرح بجرأة بعد الزيارة «بأن هذه المناسبة تفرض علينا كألمان أن نسعى لمكافحة معاداة السامية وحماية كرامة الإنسان والدعوة إلى التسامح والتفاهم بين الشعوب».

وعلى الفور وصلت عبارات الوزير الألماني إلى نتانياهو، وشركائه المتشددين في الائتلاف المتطرف في إسرائيل، الذين تضايقوا جدا من دعوة جابرييل إلى التفاهم بين الشعوب، لأن المقصود في كلامه، التفاهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذا ما لا يريده المتطرفون في إسرائيل إن كانوا في السلطة أو من عامة الشعب.

وبرأي المعلق الألماني المعروف في مجلة «دير شبيجل» الألمانية، «ياكوب أوجشتاين»، أصبح ينبغي على السياسيين والإعلاميين جميع مؤيدي إسرائيل، الذين يقولون عن غير حق ان «إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، ويدافعون عنها عندما تعتدي على الفلسطينيين، أن يدركوا أن إسرائيل ليست في الحقيقة دولة ديمقراطية بالمعنى الصحيح. ووجه سؤالا مقنعاً وقال «أي ديمقراطية في العالم تمارس الاحتلال منذ 50 عاما وتخالف باستمرار القوانين والمواثيق الدولية، وترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة؟».

إن أبسط ما يمكن وصف سياسة الاحتلال الإسرائيلية أنها «كارثة» ليس للشعب الفلسطيني فقط، وإنما للشعب الإسرائيلي أيضا. الاحتلال يمارس الظلم ضد الفلسطينيين من جهة، ويحرض الإسرائيليين على التشدد والتطرف ورفض السلام من جهة أخرى. فعندما أطلق الجندي الإسرائيلي «إيلور عزاريا» النار على جريح فلسطيني، لم يكن يشكل أي خطر على أحد، وأرداه قتيلا، ونشرت منظمة حقوقية إسرائيلية المشاهد المؤلمة في أرجاء العالم، أصبح واضحا، أن ما حصل كان علامة على أنه ليس للفلسطيني قيمة في مجتمع دولة تزعم أنها «ديمقراطية»، وأن الجندي القاتل أقدم على جريمته لأنه يعرف أنه في دولة يحكمها نتانياهو وأحزاب متطرفة ترفض السلام قطعا مع الفلسطينيين وتجر إسرائيل إلى عزلة دولية، وانه لن يتعرض الى عقاب حقيقي كما لو قام بهذه الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يجري العمل بعقوبة الموت. كذلك فإن نتانياهو عندما تسبب في الفضيحة مع جابرييل كان يسعى لإرضاء المتطرفين في حكومته ومن الناخبين، وأنه لا يخشى أي محاسبة. لكنه على خطأ. فقد بدأت إسرائيل تخسر آخر أصدقائها. والحقيقة أن نتانياهو لا يريد «حل الدولتين» ولا «حل الدولة الواحدة»، ولا أي حل آخر مع الفلسطينيين. فاستمرار الاحتلال يخدم مصالحه، ويضمن له الحفاظ على منصبه أطول مدة ممكنة.