أفكار وآراء

حلفاء أمريكا بين مواقف ترامب وتطمينات وزرائه!

03 مايو 2017
03 مايو 2017

جيريمي شابيرو -

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -

ترجمة قاسم مكي -

بعد حوالي شهر من بداية رئاسة ترامب، وصل ثلاثة من كبار مسؤولي الولايات المتحدة إلى أوروبا لحضور اجتماعات رفيعة المستوى للناتو والاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين. هؤلاء المسؤولون هم نائب الرئيس مايك بينس ووزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون. لقد حملوا معهم رسالة واضحة (فحواها) على الأوروبيين ألا يشغلوا بَالَهُم برئيس الولايات المتحدة. نعم قال ترامب إن الناتو حلف عتيق (فات أوانه). ولكن لا يوجد ما يدعو إلى القلق. فقد طَمْأَن ماتيس الشركاءَ (الأوروبيين) المتوترين بتأكيده عمق التزام الولايات المتحدة تجاه «الرابطة عبر الأطلسية الباقية» وتمتع الناتو «بدعمها الكامل». وفي حين كان ترامب قد ذكر لصحيفة ألمانية أن الاتحاد الأوروبي هو ببساطة أداة للمصالح الألمانية إلا أن نائبه أبلغ اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي أن الولايات المتحدة لديها» التزام قوي.. باستمرار التعاون والشراكة مع الاتحاد الأوروبي». وأخيرًا، ربما أن رفاق ترامب يخططون لمنح روسيا اتفاق سلام مميَّزا وتفضيليا حول أوكرانيا. ولكن لا ينبغي الخوف من ذلك. فوزير الخارجية تيلرسون صرح للحلفاء في اجتماع مجموعة العشرين في برلين أن أمريكا ستقف إلى جانب مصالح وقيم الحلفاء وأنها تتوقع من روسيا الوفاء بالتزامها تجاه اتفاقية مينسك الحالية. لقد تفاوتت مشاعر الأوروبيين الذي استثارها هذا «الرقص اللغوي» من جانب وزراء ترامب بين الارتياح والشك والارتباك. ولكن في النهاية ماذا عليهم أن يصنعوا بإدارة أمريكية يكتب رئيسها بانتظام تغريدات (رسائل تويتر)غاضبة جدًا ضد حلفاء الولايات المتحدة فيما يسعى وزراؤها إلى تهدئة اجتماعات الحلف بحلاوة لسان مؤسسة السياسة الخارجية؟ النقطة الرئيسية التي يجب تذكرها هي أن الرئيس فقط هو من يمكنه وضع السياسة الخارجية. إن عملية صناعة السياسة الخارجية الأمريكية هي بالضرورة نظام لعرض وجهات النظر. إنه نظام تتقاتل فيه المصالح المؤسسية مع بعضها البعض حول السياسة ( التي يجب اتباعها.) وتمثل الوزارات المختلفة(في هذا الصراع) مواقع متميزة وموثوقة. فأنت تقف حيث تجلس ( كل جهة تتصرف على نحو يخدم مصلحتها.) وهكذا فإن وزارة الدفاع تمثل وجهات نظر القوات المسلحة ووزارة الخارجية تساند قضية العلاقات الجيدة مع الحلفاء ووزارة التجارة تروج لمصالح مؤسسات الأعمال في الخارج، وهكذا وهكذا... أما الرئيس فيجلس فوق هذه الكتلة البيروقراطية المتشاكسة، ويحقن في المزيج المتشكل جرعةً صحيةً من السياسة من خلال مسؤولي البيت الأبيض. ثم يكون هو الحكم الذي سيقرر النتيجة. وإذا غَيَّبَ هذا الرئيس أو أي رئيس آخر نفسَه من هذه العملية (عملية صناعة قرارات السياسة الخارجية) أو لو فشل في اتخاذ القرار فلن تكون النتيجة تخويل أمر السياسة الخارجية إلى نائب الرئيس أو وزير الدفاع. بل سيكون هنالك انعدام لسياسة خارجية متماسكة ومفهومة أصلًا. ووجود الرئيس في حد ذاته وكذلك قدرته على نقض القرارات البيروقراطية يشجِّعان كل الجهات على الامتناع عن تسوية الأمور فيما بينها ومحاولة كسب اهتمامه ومساندته. إن الرئيس ترامب منخرط على نحو عابر في المسائل الغامضة (التي لا يفهمها إلا القلة) من شاكلة الحفاظ على تحالفات الولايات المتحدة. ولكن نزعته لاستمداد السياسات من مزيج غريب من أحاسيس الضجر وسوء الطبع ومن آخر شخص يتحدث إليه تعني أن أي «رائد أعمال» بيروقراطي في الحكومة يمكنه أن يأمل في تحول فكرته الجامحة (التي تدور في رأسه) إلى قانون يحكم البلاد. لقد بدا مؤخرًا أن الرئيس بالكاد يلقي بالا لوزرائه في أوروبا . إنه، عمليا، لم يقل شيئا بخصوص جهود وزرائه في أوروبا لنقض التصريحات التي أطلقها حول سياسته. ولكن ابتعاده أحيانا بشكل واضح (عن وزرائه) يقوض في حد ذاته فكرة أن هؤلاء المسؤولين المحترمين الذين يبدو عليهم الاتزان على الجانب الآخر من الأطلنطي يمكنهم إلزام أمريكا بأية سياسة خارجية معينة على نحو يتسم بالصدقية. لذلك فإن الملاحظة التي تطلق من دون تفكير اليوم أو تغريدة الساعة الثالثة صباحًا غدا قد تقوض أسبوعًا من الجهود الدبلوماسية المبذولة في عناية ببروكسل.

والضحية غير المتوقعة مؤخرًا كانت السويد سيئة الحظ، ومستنبت الإجرام ، وغدًا يمكن أن تكون سان إيسكوبار، جمهورية الكاريبي البريئة التي واجهت مؤخرًا، رغم عدم وجودها، أكثر مما تستحقه من الأزمات الدبلوماسية. ( يشير الكاتب بذلك إلى زعم ترامب في خطبته الحماسية بفلوريدا إلى وقوع اعتداء في السويد التي تأوي مهاجرين وهذه واقعة غير صحيحة. وكذلك إلى تصريح فيتولد فاشسيكوفسكي، وزير الخارجية البولندي، الذي ذكر في معرض حديثه عن حشد التأييد لترشح بولندا للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي أنه ينوي إجراء محادثات مع نظرائه من عدة بلدان من بينها سان إيسكوبار. ولايوجد في الواقع بلد بهذا الاسم - المترجم.) وكي لا نظلم الرئيس ترامب سنقول أنه خلال الثماني عشر شهرًا الماضية بل حقا خلال الثلاثة عقود الماضية تبني مجموعة متماسكة نوعًا ما من مبادئ السياسة الخارجية إن لم تكن خططها. وكان أحد أهم هذه المبادئ أن القسمة بينها وبين حلفائها جائرة بحق الولايات المتحدة، وأن هنالك حاجة لإعادة التفاوض حول تحالفات الولايات المتحدة من أجل تطبيق مبدأ «أمريكا أولا». و كل هذا يعني أن التطمينات التي تصدر حتى من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية لا تكاد تعني شيئا. فنحن علينا لسوء الحظ أن نهتمَّ (بما يقوله) رئيس الولايات المتحدة.